قضايا وآراء

لا سلام ولا أمن بل عار وتآمر.. في مهرجان ترامب الانتخابي

علي عقلة عرسان
1300x600
1300x600

يوم الثلاثاء ١٥ أيلول (سبتمر) ٢٠٢٠ وقَّعت كلٌّ من الإمارات العربية المتحدة والبحرين معاهدة سلام للأولى، وإعلان سلام للثانية، مع كيان الإرهاب العنصري الصهيوني "إسرائيل".. معاهدة وإعلان تحت عنوان "سلام مقابل سلام" كما قال الإرهابي بنيامين نتنياهو، وكان ذلك برعاية دونالد ترامب خادم الصهيونية الأول والعنصري الأشهر في البيت الأبيض. 

طعنة غدر في الظهر للشعب الفلسطيني

هذان الاعتراف والتطبيع من جانب دولتين عربيتين خليجيتين أقل ما يقال فيهما إنهما طعنة غدر في الظّهر للشعب الفلسطيني وقضيته، وخذلان مبين للنضال الفلسطيني والعربي، وتآمر على حق الفلسطينيين الذي كفلته الشرعية الدولية.. وهما على عكس كل ادعاء لا يمتان للسلام وترسيخه بصِلة بل هما تحالف استراتيجي "عسكري ـ أمني" بالدرجة الأولى من الدولتين مع كيان الإرهاب "إسرائيل"، يدخلها إلى البيت الخليجي، وبحر العرب، وبحر عُمان، ومضيق هرمز قوة عدوان تنشئ قواعد عسكرية بغطاء أمريكي وتتجسس وتتآمر على العرب والمسلمين وتنهب المال والثروات، وتجعل المنطقة بؤرة توتر شديد تنذر بانفجار في أي وقت وبحروب لا يسلم منها عمران ولا إنسان في دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، الأمر الذي يحول دون استقرار المنطقة وازدهارها على عكس ما يدَّعون ويصِفون، ويحوِّلها إلى منطقة صراعات وحروب باردة وساخنة، ويحيل الخلافات والعلاقات الإيرانية ـ الخليجية المتوترة إلى حرب تخوضها أطراف عربية بالوكالة عن الصهاينة ضد دولة إسلامية الأمر الذي يفضي إلى فتنة مذهبية وقومية تنعكس وبالاً على الأمتين العربية والإسلامية، ويجني ثمارها الصهاينة والأمريكيون، حيث يعززون مواقعهم هناك، ويسيطرون على الممرات الاستراتيجية والثروات ومصادر الطاقة "النفط والغاز"، ويحتلون وينهبون الأموال والثروات، ويحققون أهدافهم العدوانية ضد العروبة والإسلام بأيدي عرب ومسلمين، كما فعلوا ويفعلون في دول عربية دمرتها الحروب وشردت شعبها وأخرجتها خارج نطاق المواجهة الفاعلة دفاعاً عن نفسها وعن قضية فلسطين وعن حقوق الأمة، مثلما هو الحال في العراق وسوريا وليبيا واليمن و.. و…

لقد رَغَى ترامب في مهرجانه الانتخابي في الساحة الجنوبية للبيت الأبيض بمناسبة ذلك التوقيع الفتنة والعار، ولم يذكر كلمة عن معاناة الفلسطينيين وحقهم، ولم يتذكر أحد من المتحدثين عن مأساتهم ومعاناتهم المديدة وقضيتهم العادلة، ولا عن الإرهاب والاحتلال الصهيوني الذي يتعرضون له منذ ما يقرب من قرن من الزمان أمام سمع العالم وبصره.. بينما تبجَّح الإرهابي العنصري نتنياهو بجُرح أصابه وبموت أخيه الذي قتل فلسطينيين، وصفق له الحضور متناسين عشرات آلاف الفلسطينيين الذين قتلهم كيان الإرهاب الصهيوني "إسرائيل"، ومئات الآلاف الذين شرَّدهم وما زالوا في الشتات منذ سبعين عاماً، واغتصابه لوطنهم، وحصاره لهم، وتنفيذه لبرنامج الإبادة المادية والمعنوية لهم، وجرحاهم وأسراهم والمعتقلين منهم.. وعشرات آلاف القتلى والجرحى العرب الذين سقطوا نتيجة العدوان الإسرائيلي ـ الأمريكي ـ الأوروبي على الأمة، دعماً من أولئك المستعمرين الطغاة للمشروع الصهيوني الاستعماري..؟!

 

لم يكن مهرجان ترامب الانتخابي مهزلة من مهازل القوة العدوانية الغاشمة، وذروة من ذُرى التآمر على الفلسطينيين خاصة وعلى العرب والمسلمين عامة فقط، بل كان إحدى ذرى الصّلَف العنصري الصهيوني المتوحش، وجَرْجَرة ومَرْمَغَة بالوحل لعرب من قصار النظر،

 



لقد تبجَّح نتنياهو بالكلام عن "السلام" وهو يسيل صلفاً وحقداً ووحشية، ولم يفوت الفرصة ليسمع شركاءه الموقعين معه والحاضرين أمامه ومن يتابعه عبر وسائل الإعلام بأن "القوة هي التي صنعت وتصنع ما سماه السلام"، في أكثر الافتراءات وقاحة، وفي إهانة لمن يوقعون معه من العرب الذين جاءت بهم القوة والهزيمة والضعف إلى توقيع استسلام لوحشيته ووحشية راعي التوقيع العنصري ترامب؟! 

وفي كلام هذا الجاهل الفاسد الإرهابي القاتل المتوحش استخفاف بالعقول والقيم والحقائق والمواثيق الدولية ـ الإنسانية التي تصرخ عبر التاريخ البشري، تقول: "القوة تنتج الطغيان والعدوان والحرب والقتل والتوحش والدمار والبؤس، وتنهي السلم والأمن وتؤسس لصراعات دامية تنتج صراعات دامية، وتهزم الحق والعدالة والحرية والقيم الإنسانية والأخلاقية تأتي على الاستقرار والازدهار، وتؤسس للحروب والكوارث"..

لم يكن مهرجان ترامب الانتخابي مهزلة من مهازل القوة العدوانية الغاشمة، وذروة من ذُرى التآمر على الفلسطينيين خاصة وعلى العرب والمسلمين عامة فقط، بل كان إحدى ذرى الصّلَف العنصري الصهيوني المتوحش، وجَرْجَرة ومَرْمَغَة بالوحل لعرب من قصار النظر، يتوهمون الشجعان حين يحتمون بعدوهم فيخرجهم من جلودهم ويخرجهم على أمتهم وعلى الحق والقضايا العادلة والشرعية الدولية وقيم الأخوة القومية والدينية والإنسانية.. ويضعهم في الصف المعادي لشعب فلسطين وقضيته ولجماهير الامة العربية التي ترفض الاعتراف بالعدو الصهيوني وتطبيع العلاقات معه والتسليم له بفلسطين والقدس والأقصى، وتعتبر ذلك خيانة وعاراً، وغدراً بالشعب الفلسطيني وقضيته المركزية، قضية فلسطين، قضية الأمة ومسؤوليتها، وإساءة للنضال العربي ولشهداء الأمة على طريق فلسطين.

 

فلسطين الغائبة الحاضرة
 
ومن عجب، وكل ذلك من العجب، من عجب أن ذهب أحد الموقعين العرب في تجرُّع الوهم وفي التطاول على الواقع والحقيقة بأن يتحدث عن "أمته ذات الـ ٤٦ عاماً" التي يوقع باسمها معاهدة مع الصهاينة العنصريين المحتلين ولا يتجاوز عدد أفرادها كباراً وصغاراً المليون نسمة.. متناسياً أمته العربية بملايينها الأربعمئة مليون ونيِّف وامتدادها في الوجود آلاف السنين، وهي ذات التاريخ والأمجاد والحضارة، ومستهيناً بموقف العرب الرافضين للتطبيع مع العدو الصهيوني، ومتنكراً لحق شعب فلسطين في وطنه التاريخي، طاعناً لها بوصفها أعدل قضية في الظهر طعنة غدر، مسيئاً لدماء شهدائها ومعاناة أبنائها الرازحين تحت الاحتلال والإرهاب الصهيونيين، وفي المعتقلات العنصرية التي فاقت المعتقلات النازية إجراماً وإبادة، والمشردين في أرجاء الأرض.

لم تُذكر قضية فلسطين ولا قضية شعبها بما تستحق في مهرجان ترامب الانتخابي، ولم تذكر القدس ولا الأقصى بما يجب بمواجهة تبجح الإرهابي العنصري نتنياهو الذي قال أمام " شركائه" وفي احتفالهم " إن القدس ستبقى عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل".. ولم تذكر كلمة على مسمع ترامب الذي قال أمامهم: "سوف يُسمح للمسلمين بزيارة الأقصى"، في إشارة منه إلى أن القدس والأقصى ضمن السيادة الإسرائيلية وهي التي تسمح أو تمنع.. لم يذكر شيئا رداً على استهانة بالحق العربي التاريخي بالقدس "يبوس" أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول محمد صلى عليه وسلم، واستهانة بالحق الإسلامي في المسجد الأقصى، واستهانة بحق المسيحيين الفلسطينيين في كنائسهم بالقدس وهم الذين يقولون مع أخوتهم المسلمين بالقدس حرة عربية محررة من دنس الاحتلال الصهيوني.. 

ولم تُقَل كلمة في خروج ترامب على الشرعية الدولية وعلى كل ما يتعلق بقضية فلسطين والقدس من قرارات دولية..؟! لم يكن ذلك في المهرجان الانتخابي الترامبي إغفالاً بل استغفالاً وتعالياً وصَلَفاً وقحاً.. 

وكان من اللافت ادعاء الإمارات أنها أوقفت ضم "إسرائيل" لأرض فلسطينية في الضفة وغور الأردن، أي لما كان ترامب قد أقر ضمه إليها وأعلن ذلك للعالم، وهو بنسبة ٣٠٪ من مساحة الضفة الغربية في صفقته المسماة "صفقة القرن".. ذلك أن موضوع الضم اصطدم بموقف معلن لدول العالم ولهيئة الأمم المتحدة الرافضة له، ولتصدي الفلسطينيين والأردن له، ولخلافات إسرائيلية داخلية حوله.. هذا من جهة، ولأن إلغاء الضم لم يرد في المعاهدة التي وقعتها الإمارات مع كيان الإرهاب "إسرائيل"، بل جاء فيها النص على ".. إقامة السلام وعلاقات دبلوماسية والتطبيع الكامل بين البلدين، واعتراف كل جانب بسيادة الطرف الآخر واحترامه، وتسوية النزاعات بين البلدين بطرق سلمية، وإنشاء سفارات وتبادل السفراء بأسرع وقت ممكن، والتزام كلا البلدين باتخاذ خطوات لمنع أي عمل عدائي من أراضيهما ضد الدولة الأخرى"، وفي هذا الإطار يتم توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات عديدة منها التجارة والاستثمار والطيران والسياحة. 

وخلت المعاهدة من أية إشارة إلى مبادرة السلام العربية أو القرارات السابقة لمجلس الأمن الدولي، وحدود 1967، ولا لعاصمة في القدس الشرقية، ولا للاجئين. (عن آر. تي في ١٦/٩/٢٠٢٠).

وكل ما ورد عن موضوع الضم حسب التصريح الرسمي لمسؤولين إماراتيين وأمريكيين وإسرائيليين هو "أن موضوع الضم جُمِّد أو قُيِّد" بوعد من ترامب، وترامب تقدِّمه الصحافة الأمريكية بوصفه "كثير الكذب"، وأن الإرجاء أو التجميد تم حتى عام ٢٠٢٤، أي إلى الموعد المحدد أصلاً فيما سمي "صفقة القرن"، وهي المدة التي تنتهي فيها ولاية ترامب الثانية إذا ما فاز في الانتخابات الأمريكية على منافسه جو بايدن.. 

 

لم تُذكر قضية فلسطين ولا قضية شعبها بما تستحق في مهرجان ترامب الانتخابي، ولم تذكر القدس ولا الأقصى بما يجب بمواجهة تبجح الإرهابي العنصري نتنياهو الذي قال أمام " شركائه" وفي احتفالهم " إن القدس ستبقى عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل

 



لقد تلفعت صفقة الإمارات بإلغاء الضم لكنها لم تدافع عن نفي نتنياهو لذلك بل دافعت عن شرطها الذي أصرت عليه وأعلنته وهو أن تبيعها الولايات المتحدة الأمريكية طائرات F 35 ولم توافق على أن يستخدم نتنياهو حق النقض الممنوح له أمريكياً في هذه الصفقة، جرياً على "حق النقض الممنوح لإسرائيل" بشأن صفقات السلاح للبلدان العربية والإسلامية، ضماناً لتفوقها العسكري النوعي على العرب والمسلمين كافة. ومن المعروف أن صفقات السلاح لدول الخليج خاصة لم تستخدم إلا لمحاربة دول وشعوب عربية وتتم مؤخراً بذريعة التسلح ضد إيران؟! وهذه خدع أمريكية ـ صهيونية معروفة.
 
إن ما جرى في البيت الأبيض يوم ١٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٠ دعم صريح لترامب في انتخابات الرئاسة، ودعمٌ لنتنياهو في محاولاته التخلص من المحاكمة على قضايا رشوة وفساد وخيانة الأمانة.. وما جرى وصمة عار على من وقّع معاهدة وبيان تآمر على الشعب الفلسطيني، وتحالف استراتيجي من دولتين عربيتين خلفهما مِن خلفهما، مع كيان الإرهاب الصهيوني عدو الأمة العربية، وتحرك عدواني ـ استعماري يجعل عرب الخليج بمواجهة جيرانهم المسلمين، ويدفعون ثمن مواجهة يريدها نتنياهو وترامب مع إيران، وتحميل الخليجيين تكاليف حرب يخوضونها بالوكالة عن الصهيونية والاستعمار الأميركي، وليس لهم مصلحة فيها.

لم يكن هذا قصور نظر، ولا غفلة ولا استغفالاً، بل تبعية وتوريطاً وتآمراً صريحاً، يحرك الصهاينة والإنجيليون الأمريكيون خيوط الدمى التي يضعونها على المسرح لتمثل أدوارها باسم دول وشعوب. وفي ذلك عدوان على الأمة العربية، وعلى الحق والعدالة والشرعية الدولية، وتخلٍّ من المتورطين العرب فيه عن تعاليم الدين/ الإسلام بموالاتهم لأعدائه وأعداء المسلمين الذين يستبيحون الدماء والأرواح والأرض والمقدسات والأموال والثروات والحقوق، ويحتلون الأرض، ويشنون حرباً على العروبة والإسلام بدوافع دينية وعنصرية واقتصادية، وبكراهية وحقد دفين. 

التعليقات (0)