هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في تطور لافت يبرز مدى الضعف الذي آلت إليه الحكومة العراقية، بعد عجزها عن وقف مسلسل الاغتيالات المتدحرج بمدينة البصرة مؤخرا، أعلنت عشيرة بني تميم -إحدى أكبر عشائر المدينة- تشكيل فصائل مسلحة للدفاع عن أبنائها، تلتها دعوات من ناشطين تحث الحراك الشعبي على تشكيل مجاميع مسلحة لحماية أنفسهم.
مراقبون يرون في نموذج البصرة المتفاقم، نذر انزلاق خطير قد يودي بالدولة وأحزابها التي جُرفت مقراتها في المدينة الثائرة بالجرافات، في دلالة ذات مغزى عميق، على خروج الحواضن الشيعية الشعبية من عنق التبعية التي عرفت بها البصرة ومدن أخرى ذات السواد الشيعي الخالص .
التطورات فتحت الباب واسعا أمام العديد من التساؤلات، لعل أبرزها مدى قدرة المجاميع العشائرية ونشطاء الحراك على ردع المليشيات المتهمة بالوقوف خلف الاغتيالات بعد هذه الخطوة، إلى جانب مدى القدرة على السيطرة في حال تسلح الجميع بمواجهة الجميع بعيدا عن سلطة القانون والدولة، وسط مخاوف من اندلاع حرب أهلية قد تمتد لمدن أخرى .
دعوات للاقتتال
وتعليقا على ذلك، قال النائب عن تحالف "الفتح" عباس الزاملي في حديث لـ"عربي21" إن "ما يجري عبارة عن أفعال تحريضية الهدف منها تكرار ما حصل في المحافظات الغربية للبلاد، لكن هذه المرة في المحافظات الجنوبية بوساطة أياد داخلية وخارجية".
وحمّل النائب العراقي "كامل المسؤولية لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، سواء الاغتيالات أو مهاجمة مقار الدولة والأحزاب بطريقة تقود نحو الانجرار إلى الفوضى".
ودعا الزاملي "الحكومة وأجهزتها الأمنية إلى السيطرة على الوضع الأمني في البصرة وباقي المحافظات من خلال حماية أرواح المتظاهرين والناشطين، وكذلك مقار الأحزاب والمباني الحكومية حفاظا على السلم الأهلي من الانزلاق نحو الاقتتال".
وأشار إلى أن "الذي يتبنى فرض القانون وهيبة الدولة هو الأجهزة الأمنية وليس أي جهة أخرى، وبالتالي فإن دعوات تشكيل مجاميع مسلحة ستسفر عن إشعال حرب أهلية، لكننا لن نسمح للمليشيات، ولا للمسلحين الخارجين على القانون، ولا حتى العشائر بالقيام بذلك، لأن الموضوع يراد منه الاقتتال الداخلي".
ضعف الدولة
من جهته، رأى الخبير الأمني سرمد البياتي في حديث لـ"عربي21" أن هذه الدعوات "لا تسهم في الاستقرار، وهي أتت نتيجة لمس المواطن للضعف الموجود في القوات الأمنية وقدرتها على الردع وفرض القانون".
ورأى البياتي أن انعدام ثقة المواطن بالدولة وأجهزتها لفرض الأمن وتحصيل الحقوق وملاحقة المطلوبين والقتلة "ستدفع دون شك إلى لجوئه لعشيرته أو الركون لتشكيلات يتطابق معها فكريا من أجل حماية نفسه".
وأشار إلى أن الدولة ورغم امتلاكها لأكثر من مليون و400 ألف مقاتل مسلح، إلا أنها بدت بعين المواطن فاقدة للإرادة الحقيقية في بسط الأمن رغم أنها تملك فعل ذلك .
اقرأ أيضا : تصفية ناشطة عراقية بالبصرة بكاتم صوت.. واتهامات لطهران
وزاد البياتي بالقول: "مع توفر كل هذه الأعداد من القوات والتشكيلات الأمنية، فإن الأسباب الرئيسية في استمرار الاغتيالات وما تلاها من دعوات لتشكيل فصائل مسلحة، يعود إلى الضعف في إدارة الملف الأمني للدولة، وكذلك ضعف القادة الأمنيين".
وأكد أن الدولة "غائبة"، مشيرا إلى أنها لو قامت بمعاقبة قتلة الخبير الأمني هشام الهاشمي، والناشطين تحسين أسامة وريهام يعقوب، "حينها سيعرف الجميع أن هناك دولة قادرة على محاسبة من يرتكب هذه الجرائم دون خوف أو وجل".
تطورات متسارعة
وعلى وقع الاغتيالات في البصرة، عقد رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، السبت، سلسلة اجتماعات مع القيادات الأمنية في المحافظة للوقوف على الخروقات التي حصلت خلال الأيام الماضية.
وقال الكاظمي العائد حديثا من زيارة لأمريكا خلال الاجتماع: "لا مكان للخائفين داخل الأجهزة الأمنية، ولا مجال للخوف لمن يعمل من أجل العراق"، مؤكدا: "لا أقبل بأي قائد يخفق بعمله، وما حدث في البصرة يجب أن يكون درسا وعبرة".
وحذر الكاظمي الأجهزة الأمنية بالقول: "من يخطئ ومن يخفق لن يبقى في مكانه، وستتم محاسبته وفق القوانين الانضباطية". وقال إن هناك جماعات خارجة على القانون تحاول منذ فترة ترهيب أهل البصرة.
ودفعت محاولة اغتيال الشيخ منصور عبد الرزاق الكنعان -أحد أبرز شيوخ قبيلة بني تميم- وسط البصرة في 13 آب/ أغسطس الماضي، إلى الإعلان عن تشكيل فصائل مسلحة لردع المليشيات.
وقال النائب السابق منصور الكنعان، في مقطع مصور تناقله ناشطون إن "الحكومة باتت غير قادرة على حماية المواطنين، ونحن ملزمون ومجبرون على تشكيل فصائل مسلحة لحماية المدينة وأهلها ضد الفساد والمفسدين".
وأضاف الكنعان: "الفصائل المسلحة التي ستشكلها قبيلته ستكون سندا لمن لا سند له. تميم لا تخشى أحدا، وهي إن اضطرت فسوف تحارب بقوة".
وعقب اغتيال الناشطة ريهام يعقوب، تصاعدت دعوات أطلقها قادة الاحتجاجات في محافظات الجنوب إلى ضرورة تشكيل مجاميع أمنية تعمل على تأمين المتظاهرين.
وكتب أسعد الناصري أحد قادة الاحتجاجات في مدينة الناصرية، على حسابه في "تويتر" الخميس الماضي أن الخطوة الأولى حمل السلاح والتدرب عليه بشكل جيد من قبل الجميع.
— أسعد الناصري (@asaadalnaseri) August 19, 2020
اقرأ أيضا : هدم لمباني أحزاب بالعراق وتوقعات بـ"انتفاضة" في الجنوب