قضايا وآراء

المواطن العربي.. باختصار

عبد الله فرج الله
1300x600
1300x600
بشكل عام المواطن العربي ذو حائط مائل عند الأنظمة الحاكمة، فهو منتقص الحقوق، وليس له أن يطالب بها، فالظروف استثنائية وغير ملائمة لمثل هذه الأنانية البغيضة، التي تجعلك أسير حقوقك وحاجياتك في وقت العسرة الوطنية. انتبه يا هذا، وليكن عندك شعور بالمسؤولية تجاه وطنك، في هذه الظروف الصعبة التي يمر فيها وطنك.

طبعاً هذه الظروف لا يمكن لها أن تنتهي، فإن انتهت الظروف السياسية أطلّت الظروف الاقتصادية المزمنة التي لا يمكن أن تنتهي في الوطن العربي، وإن هدأت قليلاً أطلّت بقرنيها الظروف الأمنية، تحت شعار مكافحة الإرهاب المحتمل وغير المحتمل. وتحت هذا البند تطيش أيادي النظام القمعية في طول البلاد وعرضها، من غير رقيب ولا حسيب، فالأمن والأمان الواجب الوحيد الذي توليه هذه الأنظمة أهميتها وحرصها. وحتى لا يأخذك بك الظن الحسن بعيداً، فإنه أمن النظام وأمانه.

وفي الوقت نفسه فإنه "المواطن" مكتمل الواجبات، مطلوب منه أن يتحمل كافة الأعباء الوطنية الملقاة على عاتقه، وعاتق حكومته ونظامه معاً. فالمواطن بلا أدنى نقاش يحمل بكل فخر واعتزاز لقب "جمل المحامل"، فعليه أن يؤدي كافة الواجبات الوطنية اللازمة، بما فيها ثمن الفشل الباهظ للأداء الحكومي، وما يترتب على هذا الفشل من ديون مرهقة، وعجز كبير، وبطالة متفشية، وارتفاع للأسعار، وغلاء في المعيشة، وبالجملة غياب لأبسط الحقوق التي هي من صلب مهام الأنظمة وحكوماتها.

غير أن هذه الأنظمة المفروضة جينياً غالباً، أو المنتخبة انتخاباً خالياً من المنافسة والنزاهة والدسم، وقائمة على قوانين قد فصلت تفصيلاً محكماً على مقاس السيد الحاكم وسدنته، وحكوماتها المعينة من ذات العينة من الملأ الذي يتقن امتطاء فنون التملق والتزلف، قد حرصت على حذف كلمة الحقوق من قاموسها، المتخم بالواجبات وشعارات الوطنية التي تزين جدران مكاتبهم فقط، ولا تجد لها أثراً في قصورها الفاخرة، وسياراتها الفارهة، ومكاتبها الباهرة، وأرصدتها المترعة.

وعلى هذا المواطن أن يتحمل كافة الأعباء والأحمال الملقاة على عاتقه بصبر وأناة، وبصمت الحامدين الشاكرين، وأن لا يغفل أبداً وهو تحت هذه الأحمال عن رفع آيات الشكر الجزيل والامتنان العظيم لهذه الأنظمة وحكوماتها الغارقة في الإنجازات التي قد لا يتسنى لك أن تراها. لكن عدم رؤيتك لها، لا يعني عدم وجودها. حذار أن يقودك تفكيرك الساذج لمثل هذا الاستنتاج، الذي سيكلفك كثيراً. فإنكار ما يدعون إنجازه وتحقيقه تطاول على مقامات عليا، وتشكيك بقدرات الوطن وأبنائه، وفت في عضد الدولة، وإشاعة للفوضى في صفوفها المتلاحمة. بل على المواطن أن يكون مسبحاً بحمد السلطة، متبتلاً في محاريبها، ويؤكد بين الحين والآخر على صدق ولائه وانتمائه لهذا النظام العظيم، الذي قبل بكل طيبة نفس وصدق نية أن يتنازل ليتولى أمره وشؤون حكمه، وأن يتحمل أعباء هذه المهمة الشاقة في إدارة شؤون شعب بهذا المستوى..

المهم مع عوامل التعرية الزمنية التي مرت بالمواطن العربي أو التي مر هو بها، وكثرة الضغوط المتتالية التي تمارسها هذه الأنظمة عليه، من خلال وسائل الإعلام المختلفة (مقروءة ومسموعة ومرئية) التي تسيطر عليها سيطرة تامة، ومن خلال التفنن في اختراع الأجهزة الأمنية والإنفاق عليها، ألقت هذه الأنظمة عصا الحرب وجنحت للسلم، وصافحت يد عدوها، لا بل وقبلتها باستمتاع ورغبة، واستقبلته في صدر دارها، وعلى مناسفها العامرة بالخرفان والتيوس، ورقصت معه بسيوف كانت ذات يوم عنوان عزة وكرامة وعنفوان، وخضعت في كثير من الأحيان لأوامره وحتى رغباته، ليتبين لاحقاً أن الهدف النبيل الكامن وراء هذه الأجهزة وتشكيلها والإنفاق عليها؛ هو هدف وطني عظيم، يتلخص في أمرين، الأول، حماية هذه الأنظمة من يقظة هذه الشعوب ذات يوم، لتطالب بحقها في عيش كريم، وحياة تشبه حياة الأمم المحترمة، مع العلم أن ما ينفق على هذه الأجهزة من أموال طائلة كفيل بتحقيق ما تصبو إليه الشعوب من عيش يحفظ كرامتها، ويوفر لها الكثير من حقوقها، في التعليم والصحة والسكن والخدمات.

والثاني، حتى تبقى هذه الشعوب رهينة خوفها، قابعة في كهف الإذعان والاستسلام المطلق لهذه الأنظمة، ولا يخطر ببالها ذات يوم أن تفكر بالخروح عليها، أو الوقوف في وجهها، مهما كانت الأسباب. فخوف الشعوب هو الضمانة الحقيقية لاستمرار هذه الأنظمة بفسادها واستبدادها، وإن تمكنت أن تخرج من هذا الكهف المظلم، لترى بصيصاً من نور الحرية والكرامة والمساواة والعدل، فإن ثمة زلزالاً سيضرب هذه الأنظمة من جذورها.

فالشعوب يجب أن تبقى قابعة في كهف خوفها، متلفعة بثوب الخنوع، تحت عباءة ما يعرف بالولاء والانتماء. ومن الولاء أن لا ترفع رأسك في وجه السيد، وتسأله من أين لك هذا؟ أو أين ذهبت مقدراتنا ومؤسساتنا وأموالنا؟ فإن الأنظمة تتبع سياسة المطاردة والمتابعة والشيطنة وكيل الاتهامات، والتحويل إلى محاكمات زائفة، لكل من تسول له نفسه الخروج من حظيرة الأتباع، أو فتح طاقة في جدار الكهف، كي يتسلل للقابعين فيه شعاع نور، يبدد ظلمة الخوف والقهر، وهذا ما فعلته في واقع حكمها الممتد.. وللحديث بقية بإذن الله.
التعليقات (1)
ااتتاتت
الأحد، 06-08-2023 04:39 م
فففففقففقف