هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت
صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمراسليها سوزانا جورج وعزيز تاسال، قالا فيه
إن قيادات طالبان تحدثوا بلهجة تصالحية في مفاوضات الدوحة، فقالوا إن قضايا حقوق الإنسان
والديمقراطية ومشاركة السلطة قابلة للنقاش، وسيتم حلها خلال المفاوضات مع الحكومة الأفغانية.
ولكن
في إحدى المناطق الواقعة تحت سيطرة طالبان في شرق أفغانستان، لا يتحدث قادة طالبان العسكريين
ومقاتلوها عن السلام، ولكن عن الإطاحة بحكومة كابل. ويتبجحون بالحديث عن "انتصار
عسكري" حققوه من خلال حرب قاسية ضد القوات الأمريكية.
وقال
المقاتل من طالبان من منطقة ماراوار، ياسر، البالغ من العمر 26 عاما: "لن نقبل
أقل من سلطة كاملة في أفغانستان"، ويكرر هذا الرأي قائده وغيرهم في المنطقة. وياسر كغيره من الأفغان لا يعطون إلا اسما واحدا.
هذه الآراء
المتباينة حول مستقبل أفغانستان بعد الحرب داخل طالبان تظهر مدى الصعوبات التي يواجهها
زعامات الحركة في وقت يسعون فيه لتحشيد الدعم لاتفاق مع الحكومة في كابل قبل المفاوضات
الرسمية التي طال انتظارها.
ويخشى
الكثيرون أنه حتى مع اتفاقية سلام فإن طالبان منقسمة ستقود أفغانستان إلى زمن العنف
الدائم.
ومن الصعب
إدراك مدى انتشار آراء هؤلاء المقالتين في مناطق أخرى من مناطق سيطرة طالبان لأن الوصول
إلى تلك المناطق محدود جدا.
وقد دخل
مراسلا واشنطن بوست إلى تلك المنطقة في شرق أفغانستان بتصريح من الحركة في وقت سابق
من هذا الشهر. وقد رافق مقاتلو طالبان الصحفيين في المنطقة لمقابلة المدنيين وزيارة
مدرسة وعيادة .
وخلال
الرحلة كلها تحدث مقاتلو طالبان ومؤيدوهم عن أهمية استمرار القتال مع الحكومة الأفغانية
للسيطرة الكاملة على البلاد. ولكن حتى في منطقة ماراوا الصغيرة نسبيا، والتي بقيت تحت
حكم طالبان لأكثر من تسع سنوات ليس هناك إنجازات تعرضها الحركة.
فالخدمات
الأساسية مثل التعليم والصحة في ماراوا تنفق عليها الحكومة مع أن المنطقة خارجة عن
سيطرتها.
منطقة
ماراوا في إقليم كونار تقع بين بلدة أسد أباد التي تسيطر عليها الحكومة والحدود مع
باكستان. وهي منطقة ريفية بالكامل وفقيرة. معظم الشباب هناك يسعون للعمل كعمال يوميين
في البلدات والمدن المجاورة والتي تسيطر عليها الحكومة، والعائلات التي تبقى في ماراوا
تعتاش من زراعة مساحات صغيرة من الأرض وتربية المواشي.
وبجانب
الشارع الرئيسي في المنطقة –وهو شارع ترابي وفيه حجارة على سفح جبل سحيق– وقفت مجموعة
من مقاتلي طالبان يلبسون ملابس عسكرية غير متماثلة لأخذ صورة وهم يحملون رشاشاتهم وعلما
أبيض. وهتفوا: "الموت لعبيد أمريكا"، في إشارة إلى الحكومة الأفغانية، وهتفوا
أيضا: "الموت لأشرف غني"، الرئيس الأفغاني.
وقال
المقاتلون إنه مع سحب أمريكا لقواتها فإن المسألة مسألة وقت حتى يسيطروا بشكل تام على
البلد. ووصف أحد القادة في المنطقة توقيع اتفاقية السلام في شباط/ فبراير على أنه تحقيق
"لحلم" هزيمة "الكفار".
المقاتل
ياسر كان يقف مع المجموعة ويحمل بندقية م4 أمريكية عليها ناظور حراري، قال إنه استولى
على هذا السلاح خلال هجوم على قاعدة أمريكية في قندهار أو هلمند.
ولم ترد
قيادة الجيش الأمريكي في كابل ولا الجيش الأفغاني على طلب منا للتعليق على أسلحة التحالف التي يأخذها المقاتلون من قواعد التحالف.
وقال
ياسر إن "الانتصار العسكري" الذي حققته الحركة ضد القوات الأمريكية، هو أحد
الأسباب الذي يجعل طالبان تستحق أن تسيطر على البلد.
وقال:
"من غير المقبول أن تقسم السلطة، وليس من الممكن أن يكون هناك حكومة إسلامية مقسمة"،
مضيفا أنه إن وافقت قيادة طالبان في قطر على مشاركة السلطة، فإنه هو ومن معه من المقاتلين
سينشقون عن الحركة ويحملون السلاح بشكل مستقل.
واتفق
معه أمان الله عربي، أحد قائدة طالبان في منطقة ماراوا ويبلغ من العمر 30 عاما. وقال
إنه يعتقد أن الهدف من المفاوضات المباشرة بين طالبان والحكومة الأفغانية هو
"التدمير الكامل" للحكومة ليحل محلها دولة إسلامية.
وخلال
أكثر من عقد من المفاوضات غير الرسمية وبعد ذلك الرسمية مع أمريكا حافظت طالبان على
سيطرتها على المقاتلين على الأرض من خلال رفض الرضوخ في قضايا قد تؤثر على تماسك الحركة
الداخلي. ولكن التوصل إلى اتفاق سياسي مع الحكومة قد يتطلب تنازلات أكثر إثارة للجدل،
مثل تعريف حقوق الإنسان والحريات المدنية والديمقراطية.
وقال
أندرو واتكينز، كبير المحللين بالشأن الأفغاني في مجموعة الأزمات الدولية إن قيادة
طالبان تواجه "مهمة ضخمة قادمة من حيث إقناع كوادرها بشأن ماذا يعنيه التوصل إلى
تسوية سياسة عبر التفاوض، وهو ما سيحتاج إلى كم ضخم من الإقناع والتوضيح، ومن المتعمد
أنهم لم يفعلوا ذلك بعد".
وأضاف
واتكينز أن قادة طالبان يخشون أن بدء الحديث عن التنازلات السياسية في وقت مبكر فيه
مخاطرة انشقاق بعض من مقاتليهم الذين يبلغ عددهم ما بين 50 ألف و100 ألف والانضمام
لبعض المنظمات الأخرى التي تعد بالاستمرار بالمقاومة العنيفة بغض النظر عن اتفاقية
السلام.
ويشير
المدنيون في منطقة ماراوارا إلى موضوع العنف وانعدام الأمن على أنها أحد الأسباب التي
جعل مقاطعتهم تبقى تحت سيطرة طالبان. فهم يثقون بهم أكثر لحفظ الأمن أكثر من الجيش
الأفغاني. ولكن ما يفتدونه – ويقولون إنهم يأملون الحصول عليه بعد انتهاء الحرب– هو
خدمات أفضل مثل شوارع مرصوفة ورعاية صحية وتعليم.
ومثل
معظم المناطق التي تسيطر عليها طالبان، تعتمد ماراوا على الحكومة الأفغانية والمنظمات
الإنسانية للحصول على الخدمات الصحية والتعليم. ولكن الشعور بعدم الأمن عادة ما يؤخر
وصول السلع الأساسية مثل الأدوية ورواتب الأطباء والمدرسين. ويقول الموظفون في العيادة
الوحيدة في الأراضي التي تسيطر عليها طالبان إن رواتبهم التي تدفعها الحكومة لم تصلهم
لأكثر من ثماني أشهر.
وفي داخل
عيادة النساء الصغيرة المبنية من الطين وكلهم في العشرينات من العمر، ينتظرن الطبيب
الذي سيصل من بلدة تحت سيطر الحكومة حيث لا يعيش أي أطباء في منطقة ماراوا، ولذلك يجب
على طبيت أن يأتي إلى تلك المنطقة الواقعة تحت سيطرة طالبان لعدة ساعات في اليوم لمعاينة
المرضى. وعلى مدى أشهر لم تتمكن العيادة من إيجاد جرّاح يفعل ذلك.
باب العيادة
مغطى ببطانية سميكة وليس هناك كهرباء والغرفة مظلمة. معظم النساء كن يحملن رضعا يبكون
وإحداهن ترضع رضيعها.
وتقول
ياسمين، 22 عاما، وتحمل ابنها البالغ من العمر 6 أشهر، وهو الأصغر من بين أطفالها الخمسة.
داخل العيادة يمكن للنساء أن يكشفن وجوههن حيث ينتظرهم أولياء أمرهم الذكور في الخارج:
"لا نعرف ممّا يعاني [أطفالنا].. مع حلول السلام نأمل أن تحصل هذه العيادة على أدوية
أفضل"، حيث أوضحت أن الأدوية على شكل سائل للأطفال ليست متوفرة إلا أحيانا قليلة
وعائلتها فقيرة جدا فلا تستطيع السفر إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة للذهاب
إلى صيدلية.
وعبر
الوادي وعلى رأس تلة أخرى وفي ظل صف كثيف من الأشجار تقف مدرسة ماراوا الابتدائية.
وهناك أربع مجموعات من الأولاد والبنات يجلسون على حصر بلاستيكية ينحنون على كتب تمارين
مهلهلة حيث يتبادل الأساتذة والطلاب حل الأسئلة على لوح محمول على حامل خشبي.
ولم تستطع
المدرسة الحصول على تمويل لبناء مدرسة فيتم عقد الصفوف في العراء بحسب مدير المدرسة
سيد طارق.
وكما
هو الحال بالنسبة للعيادة فإن الحكومة تدفع تكاليف المواد اللازمة للمدرسة ورواتب موظفيها.
ويتعلمون من كتب الحكومة ولكن المعلمين يقولون إنهم لا يحصلون على نفس تمويل المدارس
التي تقع في مناطق الحكومة.
وقال
طارق: "إن تحقق السلام، نأمل أن نستطيع بناء المدرسة".
وقال
إنه يأمل أن يكون هناك حرية حركة أكبر تسمح للبنات ماراوا للدراسة بعد المرحلة الابتدائية.
ويتم فصل الذكور عن الإناث بعد سن البلوغ ولكن المنطقة تفتقر إلى معلمة للمرحلة الثانوية
وهو ما يعني أنه ليس بإمكان البنات الذهاب للمدرسة الثانوية، والمشكلة تبقى مستمرة،
فمعظم المعلمين في ماراوا مثل طارق هم من المنطقة ذاتها أصلا والنظام الحالي يجعل من المستحيل لامرأة محلية أن تصبح معلمة.
ومثل
كل المدنيين في ماراوا، قال طارق إنه يتوقع أن تسيطر طالبان بشكل كامل على الحكومة
بعد انسحاب القوات الأمريكية. ولكن عندما سألناه ما يعني ذلك لتمويل المدرسة نظر إلى
مقاتلي طالبان الذين كانوا يراقبون المقابلة وأجاب "أنتما وأنا نعرف أنني لا أستطيع
الإجابة على هذا السؤال".
وفي ميدان
القرية الصغير، كان هناك عدد من الرجال والأطفال يدورون بالقرب من المسجد المتواضع بعد
انتهاء الصلاة. معظم الرجال كانوا عاطلين علن العمل، حيث اضطروا للعودة إلى القرية
من مدن أفغانستان؛ لأن إغلاقات فيروس كورونا لم تبق عملا للعمال اليوميين.
وقال
الرجال إنهم يؤيدون بشكل عام مشاركة السلطة بين طالبان والحكومة الأفغانية، لكنهم توقعوا
أن النتيجة الحتمية ستكون سيطرة طالبان الكاملة على البلاد.
وقال
ناصر برهان، 49 عاما، مدير العيادة التابع لطالبان، إنه عندما تقوم طالبان بهدم الحكومة
الأفغانية، وتتسلم السلطة، يتوقع أن تتحسن ظروف العيادة.
وقال:
"الآن نحن ما زلنا وسط القتال، ولذلك ليس لدينا فرصة لتقديم الخدمات.. وعندما
تصل طالبان إلى السلطة سيتحملون هذه المسؤوليات الجديدة".