هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال "كريستيان كوتس أولريخسن"، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمعهد "بايكر" للسياسة العامة في جامعة "رايس" الأمريكية، إن الإمارات على أعتاب انعكاسات خطيرة لأنشطتها وسياساتها في المنطقة.
وأوضح "أولريخسن" في حوار أجراه معه معهد "كارنيغي للشرق الأوسط"، أن "الإمارات خلقت لنفسها أعداء في مختلف أنحاء المنطقة، وهؤلاء قد يكونون لها في المرصاد يوما ما، خصوصا إذا منيت المناورات على النفوذ بالفشل، كما حصل في ليبيا ويرجح أن يحدث أيضا في اليمن".
وتابع الخبير الأمريكي: "قد يؤدي التدخل التركي واسع النطاق في ليبيا إلى تورط الإمارات على نحو أكبر في نزاع يتعذر على الأرجح الانتصار فيه، ومن الممكن أن يتحول إلى مصدر استنزاف كبير لمواردها".
وأشار "أولريخسن" إلى جانب آخر لأزمة الإمارات، موضحا أنها "ركزت كثيرا على إظهار قطر بأنها تتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى وتهدد الاستقرار الإقليمي، (ولكن) تجد نفسها الآن معرضة بقوة للتهمة نفسها، والأدلة وافية على ذلك.. وقد أبدت إدارة ترامب والجيش الأمريكي رغبة واضحة في أن يتم وضع حد لهذا السلوك".
وحول سبب عداء أبو ظبي لجماعة الإخوان المسلمين، أوضح أولريخسن: "في السبعينيات، كانت الإمارات العربية المتحدة تضم شخصيات نافذة تتعاطف مع حزب الإصلاح، أي التيار المحلي التابع للإخوان المسلمين في البلاد، وتبدي دعمها له. ومن هؤلاء الشخصيات حاكم دبي، لفترةٍ من الزمن، وحاكم إمارة رأس الخيمة الذي وفر ملاذا آمنا للإسلاميين الإماراتيين إلى حين وفاته، قبل ثلاثة أشهر فقط من اندلاع الربيع العربي".
وأضاف: "بدأت معارضة القادة الإماراتيين للإخوان المسلمين، ولاسيما في أبو ظبي، تتجلى في التسعينيات، بعد التحذيرات التي أطلقها الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك، واشتدت في العام 2003 بعدما عقد محمد بن زايد سلسلة اجتماعات مع قادة حزب الإصلاح في إطار محاولة غير ناجحة لدفعهم إلى التخلي عن النشاط السياسي".
وتابع الخبير الأمريكي بأن ابن زايد "بات ينظر إلى جماعة الإخوان المسلمين وفروعها المحلية، وإلى الإسلام السياسي عموما، بأنها تشكل تهديدا شديدا على الاستقرار الوطني والإقليمي. فهو يعتقد أنهم مصممون على تحدي الوضع السياسي القائم ويخشى أن يحظوا بدعم شعبي كبير في حال خاضوا امتحان الانتخابات، والدليل على ذلك ما جرى في تونس ومصر في مرحلة ما بعد الربيع العربي. وقد تجذرت ذهنية المعادلة الصفرية حيث الخيار هو بين ثنائية الاستقرار وعدم الاستقرار، من دون أن يكون هناك عمليا خيار وسط بين الاثنين".
اقرأ أيضا: ابن زايد يبحث "كورونا" مع البابا.. ومغردون يسألونه عن جورج نادر
وفي إجابة على سؤال حول خلفيات صعود الإمارات كلاعب إقليمي، قال الخبير الأمريكي إن هذا الدور بدأ يتبلور في مرحلة التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، "وأحد أسباب ذلك هو التحول على مستوى الجيل الذي يتولى زمام القيادة، إذا أصبح محمد بن راشد آل مكتوم في دبي ومحمد بن زايد آل نهيان في أبو ظبي أكثر بروزا في مجال صنع القرار بعد وفاة والديهما في عامي 1990 و2004 على التوالي".
وأضاف: "لقد اعتبر محمد بن راشد ومحمد بن زايد شخصيتين تحديثيتين وطموحتين، وعلى الرغم من الاختلاف إلى حد ما في مقاربة كل منهما للتنمية في دبي وأبو ظبي، يتشاركان القدرة والاستعداد لطرح أفكار طموحة".
وتابع: "لقد عمد محمد بن زايد، في إطار مقاربته للاضطرابات التي شهدتها المنطقة في العام 2011، إلى إعادة ترتيب العلاقات الإماراتية مع السعودية، بعدما كانت مصدرا مستمرا للتشنجات في العقد الأول من القرن الحالي. وتولى زمام المبادرة في محاولة احتواء وردع التهديد الذي اعتبر أن الإسلاميين والتيارات المناهضة للوضع القائم تطرحه على الاستقرار الإقليمي".
واستدرك بالقول: "مجددا، لم تكن هذه المواقف الأكثر حزما بالأمر الجديد، فقد شاركت الإمارات إلى جانب القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في البلقان في التسعينيات وفي أفغانستان في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ولكن عامل الاختلاف بعد العام 2011 هو نطاق السياسات الإماراتية وقوتها، واستعداد الإماراتيين للتصرف أحاديا من أجل ضمان مصالحهم الخاصة".
ولفت "أولريخسن" إلى "ديناميات" داخلية ساهمت في صياغة التوجهات الأخيرة للبلاد، موضحا: "شهدت الإمارات العربية المتحدة، منذ نشأتها في العام 1971، توترات مستمرة بين من يطالبون بمنح سلطة أكبر للحكومة الاتحادية وبين من يريدون أن تحتفظ كل إمارة بالسلطة".
وتابع بأن هذا الأمر "كان مصدر احتكاك بين أبو ظبي والإمارات الأخرى، ولاسيما دبي، لسنوات طويلة. وتسبب من حين لآخر بتشنجات حالت دون التوصل إلى موقف إماراتي موحد في شؤون السياسات الإقليمية والخارجية، مثلما حصل خلال الحرب الإيرانية-العراقية في الثمانينيات، عندما قدمت بعض الإمارات الدعم للعراق فيما اصطفت إمارات أخرى إلى جانب إيران".
وأضاف: "في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبسبب الاستياء من وزارة الخارجية في أبو ظبي، وهي مؤسسة اتحادية، نظرت دبي في إمكانية قيامها بفتح مكاتب للتجارة الدولية، الأمر الذي كان من شأنه أن يعزّز استقلاليتها الذاتية في صنع السياسات في ذلك الوقت".
ولكن كانت الأزمة المالية في 2008-2009 ثقيلة الوطأة على دبي التي احتاجت إلى خطة إنقاذية من أبو ظبي بقيمة 20 مليار دولار، بحسب الخبير الأمريكي.
وقال: "في تشرين الأول/أكتوبر 2010، توفي آخر الآباء المؤسسين للإمارات العربية المتحدة، الشيخ صقر بن محمد القاسمي حاكم إمارة رأس الخيمة. وفي الوقت نفسه تقريبا، أصبح محمد بن زايد صاحب القرار بحكم الأمر الواقع في أبو ظبي، مع انسحاب شقيقه الشيخ خليفة، حاكم أبو ظبي ورئيس دولة الإمارات، تدريجيا من الحياة العامة بسبب اعتلال صحته".
ونظرا إلى أفول نجم دبي، بحسبه، تمكنت أبو ظبي تدريجيا، بقيادة ابن زايد من امتلاك مركزية صنع القرار على مستوى الإمارات العربية المتحدة.
وختم بالقول: "وبعد وفاة الشيخ صقر الذي أبدى على الدوام تعاطفا مع الإسلاميين الإماراتيين، فقد هؤلاء الحماية التي تمكنت رأس الخيمة من تأمينها لهم. وهكذا، لم تعد ثمة معوقات تذكر عندما قرر محمد بن زايد في العام 2011 اعتماد مقاربة قائمة على المعادلة الصفرية في تعاطيه مع الإسلاميين في الداخل والمنطقة على السواء".