أخبار ثقافية

مسلسل "أم هارون"... سؤال الرداءة أولاً

لا يزال مسلسل أم هارون يثير الجدل والنقاش بما يحتويه من أفكار ورسائل- تويتر
لا يزال مسلسل أم هارون يثير الجدل والنقاش بما يحتويه من أفكار ورسائل- تويتر

بعد المعركة التي أثارها مسلسل "أم هارون" في جميع أنحاء الوطن العربي، صرّح مخرج المسلسل محمد العدل بتصريح عبر الفيسبوك، أشعل به معركة جانبية على هامش المعركة الرئيسية بين المخرج المصري وطاقم المسلسل.

 

فقد افتخر المخرج بأنه استطاع أن يجعل المسلسل يحتل "التريند" الأول في خمس دول عربية، وأن ذلك لم يحصل في تاريخ المسلسلات الخليجية قبل ذلك، الأمر الذي أخرج بطلة المسلسل الفنّانة الكويتية حياة الفهد عن صمتها وجعلها ترد عليه موضحة بأن مسلسلاتها والمسلسلات الخليجية دائمًا تحتل التريند في رمضان. 


وقبل أن ننتقل للحديث عن المعركة الرئيسية التي أثارها المسلسل والمتعلّقة بتهمة التطبيع، كون المسلسل يتناول جانبًا من حياة يهود الخليج وقصصهم، نود أن نلفت الانتباه إلى نقطة مهمة في تصريح العدل الذي قام بحذفه لاحقًا، يقول العدل: "أنا نفسي قبل ما أعمل المسلسل مكنتش اتفرجت على أي مسلسل خليجي".

 

إنّ العدل يعترف بأنه يجهل ثقافة الخليج الدرامية، ومن يتابع الحلقات الأولى سيكتشف هذا الجهل دون حاجة إلى اعترافات المخرج.

 

كما أن التعالي الذي أظهره في منشوره يبدو واضحا في مسلسله؛ فهو لم يكلف نفسه أن يكون قريبًا من شخصياته ولم يستطع أن يقدمها من داخلها، بل قدم قشورها، فلجأ في تعبيره عن الهويات الدينية إلى المظهر الخارجي فقط مضافًا إليه بعض الأدعية في سبيل تمييز الطوائف الثلاث، وكل ذلك بدا بطريقة سطحية.


يبدو أن المخرج لم يتمكن من حفظ شخصياته وديانة كل منها، فلجأ إلى تعليمها وتمييزها؛ المسيحيون يحملون الصليب واليهود لهم لباس خاص، وكل من لا يحمل صليبًا أو عمّة يهودية فهو مسلّم، وكل هؤلاء يتم تقديمهم بطريقة شمعية خالية من الروح.

 

ورغم أن اللهجة الكويتية هي لهجة المسلسل فإن المكان غير مخصص بدولة واحدة، ولا يظهر إلا باسم "الفَريج" وهو اسم عام يعني الحي، وكأن المخرج والقائمين على المسلسل أرادوا أن يعبروا عن هوية كل يهود الخليج وقصصهم.

 

وحسنًا فعلوا، لأن الوثائق المتعلّقة باليهود العرب ستحرجهم حين مقابلتها؛ فلو اختيرت الكويت كمنطقة يعيش فيها اليهود فإن الوثائق ستخبرنا بأن عدد اليهود في الكويت قبل احتلال فلسطين لم تكن تتجاوز أسرة واحدة، كما نشر الكاتب الفلسطيني محمد رفيع على صفحته عبر الفيسبوك استنادًا إلى الوثائق البريطانية.


لكن المسلسل فشل في التعبير عن الهوية المشتركة للمجتمع الخليجي، فلا نجدنا نشاهد خارج الفريج/ الحي غير صحراء قاحلة، وهذا يتفق إلى حد ما مع نظرة المخرج وجهله بطبيعة هذا المجتمع العربي وشبكةِ علاقاته الداخلية والخارجية.

 

وهو الأمر الذي يؤكده المسلسل من خلال إظهار الخليج العربي وكأنه يخضع لحكم واحتلال مباشرين من قبل الاستعمار الإنجليزي الذي نجده في المسلسل يتدخّل في أبسط القضايا، علمًا أننا نعلم أنّ دول الخليج ارتبطت بمعاهدات مع الإنجليز الهدف منها حفظ مصالح الإمبراطورية البريطانية دون أن يتدخلوا في الشؤون الداخلية للبلاد من خلال الحكم المباشر.

 

مما يعبّر عن جهل مطبق من قبل المخرج وكتّاب المسلسل والسيناريو بالثيمات الأساسية المشتركة التي تجمع شعوب التاريخ.


ولو أنّ القائمين على المسلسل غطّوا هذه العيوب من خلال اشتغالهم على الشخصية الرئيسية في المسلسل وهي شخصية أم هارون (التي جسّدتها حياة الفهد) لكان المسلسل قد نجح في إقناع المشاهد أن يغفل هفواتهم الكثيرة، ولكنهم لم يحسنوا استغلال الإمكانيات الفنيّة للفنانة الفهد التي ظهرت بشخصية تشبه شخصية "سوبر مان" في أفلام الكرتون، وإن كان هذا الأخير يظهر ليضرب الأعداء فإن أم هارون تظهر دائمًا لتطيّب خاطر المكسورين والعشّاق المعذبين وكي تظهر الحق المبين.

 

فإذا ما حصل أي موقف حزين أو فيه ألم فإن المخرج لا يمهل المشاهد أن يلتقط أنفاسه حتى تظهر أم هارون كي تحضنهم وتطيّب خاطرهم، وكثيرًا ما تكون تقف خلف الباب بانتظار إشارة المخرج، وكان حريًا به -كي يكتمل المشهد- أن يلقي على ظهرها عباءة "سوبر مان" الحمراء.


أمّا شخصية المجذوبة "زنوبة" فقد كانت أيضًا سريعة الظهور ليلاً نهارًا كي تكشف المستور وتتطلع على الأخبار وتنقلها، والغريب أن شخصيات المسلسل لا تتعلّم من أخطائها وتقع كل مرة نتيجة عدم احترازها من زنوبة، خاصة في حالة عزرا اليهودي الذي يجمع التبرعات والأسلحة ويوزّع المنشورات السريّة لصالح الكيان الصهيوني الناشئ. 


يلاحظ على المسلسل أيضًا أن علاقات الحب بين الطوائف الثلاث تتجه من بنات الطائفتين اليهودية والمسيحية باتجاه أبناء المسلمين، أمّا بنات المسلمين فعواطفهن -لغاية الآن- لا تتجه إلا إلى أبناء المسلمين فقط، وهذا أمر مستغرب في حارة /فريج مثل حارة مسلسل أم هارون تختلط فيها البيوت وتتقارب دون حدود فاصلة. وكأن الأمر قادم بقرار من خارج منطقية الأحداث.

 

اقرأ أيضا : صحيفة: شخصية "أم هارون" الحقيقية تفضح المسلسل (شاهد)


إنّ الضّجة/ التريند التي أثارها المسلسل تتعلّق بطبيعة موضوعه الجدلي أكثر من علاقتها باسم البطل أو جنسية المخرج، وربما يحسم هذا الأمر الخلاف بين المخرج وحياة الفهد على من هو صاحب الفضل في التريند. أمّا حول المعركة الرئيسية التي أثارها المسلسل منذ اليوم الأول في رمضان بسبب تهمة التطبيع ومحاولة إظهار الصورة الإنسانية لليهود بهدف التمهيد لإقامة علاقات طبيعية مع (إسرائيل)، فإنّ الأمر بحاجة إلى قليل من التروي وإلى تقليب الأمر من كل جوانبه، علمًا أن الحكم مبني على الحلقات التي بثّت في النصف الأول من رمضان ولا نعرف إن كان المسلسل سيتجه اتجاهًا مخالفًا لسياقه العام الحالي:


لم يكن الجمهور العربي بحاجة إلى أحد كي يسخنه على حياة الفهد، فقد تطوعت هي بهذه المهمة حينما أدلت بتصريحات معادية للوافدين في الكويت وضرورة طردهم في ظل أزمة كورونا.

 

وجاءت مشاركتها في بطولة مسلسل يتناول حياة اليهود في الخليج العربي لتزيد النار اشتعالاً منذ الإعلان عن الحلقة الأولى وقبل بثّها، وتطوّر الأمر إلى مجموعة كبيرة من الشتائم المتبادلة بين أبناء الشعوب العربية. 


وسنحاول مقابلة التهم الموجهة للمسلسل مع أحداثه وشخصياته؛ فالتهمة الأولى تتعلّق بإظهار بطلة المسلسل أم هارون اليهودية في مظهر إنساني بقصد تحسين صورة اليهود، فإنها لا تتسق مع سياق المسلسل إذ إن أم هارون ليست يهودية بل هي يهودية أسلمت ودخلت في دين زوجها وابنها اللذين قتلهما اليهود، ونجد الحاخام داوود يعاتبها في أكثر من مشهد على تغيير دين آبائها.

 

ولكننا لا نجدها تدخل أيًا من دور العبادة الثلاثة لأغراض التعبّد؛ فهي بحسب صورتها في المسلسل ترمز إلى التسامح الديني -لغاية الآن- أكثر من كونها شخصية يهودية.


أمّا صورة اليهود بشكل عام في المسلسل فهي أقرب إلى السلبية والسطحية؛ فشخصية اليهودي في المسلسل ذات بُعد واحد لم يحاول المسلسل سبر مكوناتها وتعقيدها الانساني، فهم يعملون على نشر الخمور في مجتمع مسلم محافظ، ويتصفون بالبخل، فحينما تطلب زوجة الحاخام منه أن يشتري لها قبقابًا بدل الذي انقطع يتهمها بالفسق والكفر بنعمة الله.

 

كما أنهم ينشرون الفتنة في المجتمع ويتآمرون لجمع المال والسلاح من أجل دعم العصابات الصهيونية، إضافةً إلى أن هؤلاء يقومون بتنفيذ اعتداءات على أبناء جلدتهم بقصد تخويفهم وتشجيعهم على الهجرة إلى فلسطين، وتربط بعضهم علاقات مشبوهة مع الإنجليز.


يبقى لدينا تهمة واحدة تتعلّق بالقناة التي تقف وراء المسلسل، والتي تسعى كل رمضان إلى عرض برامج ومسلسلات تستفز الجماهير وتجذبها إلى مشاهدتها في نفس الوقت، مثل برامج رامز جلال التي تتعرّض كل سنة لحملة انتقادات واسعة وتجذب مساحة أوسع من المشاهدين، وهذا الامر لربما يفسّر بدء الهجمة على المسلسل قبل البدء بعرضه.

التعليقات (3)
دكتور إمام
الخميس، 21-05-2020 02:57 م
( المعاداة للفلسطنيين جوهر دراما التطبيع ) من تسويق التطبيع إلى تبرير العداء للفلسطنيين مسلسلات مدعومة من حكومات مشاركة في صفقة القرن . هدفها تمرير معلومات كاذبة و رواية قصة تدعم ( الاحتلال ) ليس تطبيعاً بل تبييض صفحة المحتل و شيطنة أصحاب الأرض هدف المسلسلات هو الهندسة الاجتماعية ليصبح من يعادي التطبيع غريباً و لفصل الجيل الشاب عن قضاياه و صولاً إلى التطبييع السياسي العلني بعد أن تخلت هذه الحكومات عن فلسطين و لم تقدم لها شيئاً سوى بيانات فارغة لتصبح فلسطين قضية تجاوزها الزمن لكن تبقى فلسطين و القدس قضية كل زمن . إعداد : بلال عبود .. قناة المياديين .
Ab6k baaaaa6
الأربعاء، 13-05-2020 09:52 م
بدون ما اكمل هذا الخبر التعيس والعنصرية الكبيرة تجاه الخليج وبالأخص دولة الكويت العريقة (شئت ام ابيت) فإن اليهود الموجودين بالخليج كانوا من اصل عراقي وهاجروا إلى الخليج العربي دخولا للكويت ثم استقروا في البحرين ولا ننسى ذلك الشيء ولله الحمد تمكنا من إخراجهم الدور والباقي عليكم لإخراجهم (يا ابطال الحجارة) D: انهوا الحقد الذي يعم قلوبكم لكي تخرجوا اليهود من دويلتكم الغير أصل لها ;)
seekinG justice
الأربعاء، 13-05-2020 05:01 م
أعمالنا التلفزيونية الكثير منها ترسل رسائل سلبية وراء المسلسلات الاجتماعية جسر الهوة و تصحيح الصورة النمطية نحن مسؤولون عن بعض الأفكار المسبقة عنا لدى الغرب يجب الرد على الأفكار بشكل علمي خصوصاً في رمضان لكي تستطيع إختراق العقل العربي و مخاطبته بالأسلوب الذي يستوعبه و يصل إليه عليك أن تكون لك قوة روحية هائلة تأهلك لنصرة الشعوب المقهورة و الصراع ضد معاني الظلم و التسلط من خلال الدراما التلفزيونية أو الصورة السينمائية .. الحق القيمة العليا في مجال الفكر .. الخير القيمة العليا في مجال السلوك .. الجمال القيمة العليا في مجال الفن .. من هنا يأتي الإبداع .
الأكثر قراءة اليوم