أثارت الكنيسة الكرواتية
الكاثوليكية في
البوسنة هذا الأسبوع جدلا غطى على جائحة كورونا.
فقد دعت إلى إقامة قداس في العاصمتين الكرواتية زغرب، والبوسنية سراييفو يوم السادس عشر من أيار/ مايو الجاري على أرواح الآلاف من الجنود والمدنيين الكروات الذين قتلوا عام 1945.
قد لا تندهش من رغبة كنيسة في البوسنة في إحياء ذكرى كروات ساهموا مع النازيين في جرائمهم قبل 75 سنة.
وقد لا تستغرب أن الأسبوع الماضي أحيت أوروبا في التاسع من أيار/ مايو ذكرى الانتصار على الفاشية والنازية في الحرب العالمية الثانية، وهذه الكنيسة رغم وقوعها في البوسنة إلا أنها تابعة لنظيرتها في كرواتيا التي هي أيضا عضو في الاتحاد الأوروبي.
وكان هذا القداس يقام أصلا كل عام في مدينة بلايبورغ بجنوب النمسا، والتي فر إليها كل من كانوا مع النازيين من المدنيين والمليشيات المسلحة. لكن بعد حظر السفر بسبب فيروس كورونا، قررت الكنيسة الكاثوليكية إقامته في زغرب. وهذا منطقي، حيث
الكروات الكاثوليك هناك 86 في المئة من السكان، أما وهم يمثلون 7.5 في المئة فقط من سكان العاصمة البوسنية فستتساءل مثلي: لماذا في سراييفو؟
قبل الإجابة، من هم الذين سيقام القداس من أجلهم؟
إنهم أتباع ما يسمي بالأوستاشا أو المنظمة الثورية الكرواتية، وهي الجناح المسلح لدولة كرواتيا المستقلة، التي أسسها الألمان عام على جزء من الأراضي التي احتلوها بعد غزو مملكة يوغسلافيا عام 1941، حيث شكلوا حكومة عميلة برئاسة أنتي بافليتش، وارتكبوا جرائم قتل واغتصاب وسرقة واسعة ضد
المسلمين والغجر والصرب واليهود في المنطقة، قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية.
ما الذي حدث؟
يدعي الكروات أنه في أعقاب انهيار نظام هتلر، وسقوط دولة كرواتيا المستقلة، بسط الجيش الملكي اليوغوسلافي سيطرته على الأراضي الكرواتية والسلوفينية، وقتل عشرات الآلاف من الجنود الكروات والمدنيين الذين فروا إلى منطقة كروشكا على الحدود الكرواتية السلوفينية، ومنها إلى بلايبورغ على الحدود النمساوية السلوفينية.
بعض المؤرخين يشككون في هذا الحدث أصلا، مؤكدين على أن الأوستاشا انسحبوا وسلموا أنفسهم وسُمح للمدنيين بالعودة إلى منازلهم بعد انتحار هتلر في 30 نيسان/ أبريل 1945، أي قبل المذبحة المزعومة بستة عشر يوما، وبالتالي لم يقتلهم أحد.
تعيش البوسنة هذه الأيام سجالا سياسيا وإعلاميا بين كروات البوسنة من جهة، ومسلمي وصرب البوسنة واليهود من جانب آخر.
فالأقلية اليهودية التي تضررت من الأوستاشا كانت أول المحتجين على إقامة القداس واعتبرته تمجيدا لمجرمي الحرب، ثم جاء احتجاج مماثل من سفارة دولة العصابات المسماة بإسرائيل في ألبانيا.
ولا يزيد عدد اليهود السفرديم في البوسنة حاليا عن ألف شخص، وقد جاءوا إلى البوسنة بعد فرارهم من ظلم البرتغال واضطهاد إسبانيا في الفترة من 1492 إلى 1497، ورحب بهم السلطان بايزيد الثاني في البوسنة التي كانت وقتها جزءا من الإمبراطورية العثمانية.
وقد أدان شفيق جعغروفيتش، عضو مجلس رئاسة البوسنة عن المسلمين، الدعوة إلى عقد القداس في كاتدرائية سراييفو، إذ لا علاقة بين العاصمة البوسنية وبلايبورغ النمساوية، مذكرا بأنه لا يتدخل في شؤون الكنيسة لكن القداس فرصة لإحياء أيديولوجية الأوستاشا.
وهاجمت الصحافة فينكو بوليتش، كبير أساقفة البوسنة، واتهمته بأنه لم يتخل عن الحنين إلى دولة كرواتيا المستقلة التي كانت وصمة عار للكروات، بسبب ارتباطها بالنازيين وما ارتكبته من جرائم في حق القوميات الأخرى.
لم يسكت كروات البوسنة، وذهبوا إلى أبعد من إحياء ذكرى تاريخية. فوصفت نائبة رئيس المجلس الأعلى للقضاء والادعاء في البوسنة والهرسك، روجيتسا جوكيتش، انتقاد عضو مجلس الرئاسة للقداس بأنه "هجوم ضد أسس العقيدة الكاثوليكية".
بل إن البرلمان الوطني الكرواتي، وهو منظمة سياسية غير قانونية وأحد أذرع كروات البوسنة لتشكيل مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة، أصدر بيانا أهم ما فيه أن "على مسلمي البوسنة والشيوعيين احترام سيادة القانون، والتوقف عن تقييد حرية الدين وانتهاك استقلالية الكنيسة الكاثوليكية".
وسواء أقيم القداس أو لا فكل ما سبق ليس له إلا معنى واحد، هو استمرار الكنيسة الكاثوليكية لكروات البوسنة في سياستها على المدى البعيد الهادفة إلى خلق صورة ذهنية عن البوسنة
كدولة غير مستقرة، تتناحر فيها القوميات، بالإضافة إلى مباركة سعي كروات البوسنة الحثيث للانفصال عنها.
أما على المدى القريب، فهي دعاية مبكرة لصالح حزب التجمع الديمقراطي الكرواتي في البوسنة، الذي تدعمه الكنيسة منذ تسعينيات القرن الماضي وستدعمه في الانتخابات البوسنية في تشرين الأول/ أكتوبر القادم.