قضايا وآراء

العرب والأردن وقضية فلسطين بعد أزمة كورونا

جواد الحمد
1300x600
1300x600
يتوقع ان تكون تداعيات أزمة كورونا بليغة على العالم في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية بل والجيوستراتيجية، ومن الطبيعي أن تكون لها انعكاساتها الطبيعية على العالم العربي كجزء من المنظومة الدولية، ولكني أعتقد أن أزمة كورونا كشفت الفوارق المهمة في المنظومات الصحية، وفي القدرة على إدارة الأزمات، وفي الكفاءة الاستراتيجية في إدارة الموارد والإمكانات المتاحة بين الدول العربية، حيث تمكن الأردن من محاصرة الوباء سريعا وبشكل حاسم، ولم تسمح إدارة الأزمة الأردنية بأي تفاقم للوباء في كافة اقاليم المملكة. ولذلك تمتع الأردن باستقرار نسبي مميز وبنجاح واضح في المحافظة على كفاءة المنظومة الصحية، وتوفير أساسيات الحياة للمواطنين في نفس الوقت، بينما لم تنجح دول أخرى بذلك، أو لم تتضح بعد معالم نستطيع من خلالها تقييم إدارتها الأزمة باستثناء استمرار معاناتها من التوسع في الإصابات.

ونظرا للتفاوت الاقتصادي بين الدول العربية، فإن انعكاسات الأزمة اقتصاديا سوف تكون أكبر من التوقعات على الدول الأكثر غنى منها على الدول الأخرى، ولكن ذلك لا يقلل من مخاطر التداعيات الاقتصادية، سواء إزاء الناتج المحلي أو السياحة أو التصدير أو غيرها.

وفي المقابل، كشفت الأزمة ضعف التعاون العربي في إدارة الأزمات التي تضرب المنطقة، وكشفت عجز العمل العربي المشترك في أن يسند أي دولة في إدارة أزماتها أو أزمة وباء تتناول الجميع. ولذلك أعتقد أن الحاجة أصبحت قائمة وبإلحاح لإعادة النظر بطبيعة العلاقات العربية البينية لصالح التعاون وتفعيل الإمكانات والقدرات المشتركة بلا أنانية ولا انغلاق وبلا عدم اكتراث. وأعتقد أنه ستكون للنموذج الأردني في إدارة الأزمة أصداء مهمة في المرحلة القادمة بعد انقشاع الأزمة.

كما ستكون لها انعكاسات خاصة في بعض البلاد، ومنها الوضع في سوريا، حيث أن الأزمة السورية تقف منذ العام الماضي 2019 على بوابة الإنهاء من مختلف الفرقاء. ولعل التحول بالتنسيق بين روسيا وتركيا وإيران في مسارات مشتركة قد أوضح هذ التحول، وهو يأخذ مداه الطبيعي في إنهاء الأزمة في كل ما يتعلق بمستقبل سوريا ونفوذ دول العالم فيها، ويضمن تحقق مصالح دول كبرى وإقليمية. وأظنها بعد أزمة كورونا ستكون أكثر جاهزية للتوصل إلى تصور مشترك تفرضه على السوريين في النهاية بطريقة أو باخرى، كل في مجال نفوذه، خاصة وأن الأزمة الاقتصادية العالمية أصبحت حقيقة ماثلة لدى كل من روسيا والولايات المتحدة، ناهيك عن عدد لا بأس به من الدول المتدخلة في سوريا عسكريا، بشكل مباشر أو عبر أطراف سورية.

وعلى المستوى الإسرائيلي، هناك استعجال كبير لتطبيق "صفقة القرن"، خصوصا الشق المتعلق بفرض إسرائيل السيادة والضم على الضفة الغربية والقدس وما شابه، بينما لا تتحرك الولايات المتحدة بخصوص ما يعطي للفلسطينيين أي حقوق. وفي ظل الأزمة التي تعيشها إدارة ترامب مع أزمة كورونا، التوقعات حساسة ازاء مستقبل الإدارة، ومستقبل الرئيس، لكن في حال تمت إعادة انتخاب ترامب، فسيكون الشعب الفلسطيني والأمة العربية أمام مواجهة صعبة، يستلزم فيها التوحد والحشد الكافي للجهود والمواقف والقدرات والبرامج لمنع تطبيق الصفقة التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. ولكن في حال فشل ترامب في الانتخابات، فإن الفرصة مواتية أمام العرب والفلسطينيين لمحاصرة موقف إسرائيل ومنعها من تطبيق أي إجراءات تدميرية للقضية، وإن فعلت باستصدار وحشد إدانات ورفض الإقرارا بها حتى أمريكيا، والأمر منوط في النهاية بالإرادة العربية.

ولا تملك الدول العربية وخاصة الأردن وفلسطين إلا مواجهة المخططات الإسرائيلية بالضم والمصادرة والتهجير وبناء المستوطنات. وثمة إجماع وطني في الأردن وفلسطين على وحدة الموقف لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية المتوقعة، ويلزم ذلك موقف عربي مساند على المستويين الإقليمي والدولي، وعلى مستوى توفير الإمكانات المختلفة لتصليب الموقف الفلسطيني والأردني والضغط على الموقفين الأمريكي والإسرائيلي لوقف السياسات الإسرائيلية العدوانية التي تستند فيها إسرائيل إلى مشروع "صفقة القرن" الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وأعتقد أن على الجامعة العربية والدول المعنية سرعة اتخاذ قرارات قابلة للتطبيق، وليس مجرد إدانات لا تؤثر على الموقف الإسرائيلي، بل لا بد من اتخاذ إجراءات من قبل عدة دول في مجال تجميد العلاقات مع إسرائيل ووقف أي عمليات تطبيع، وطرح الأمر للإدانة الدولية والعقوبات الدولية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة وكافة المحافل الدولية. وبغير ذلك، فلماذا ترتدع الحكومة الإسرائيلية عن القيام بهذه الخطوات؟ وثمة من يعتقد أن الموقف الفلسطيني هو الحاسم، فهو قد حسم أمره بالإجماع على رفض ومواجهة ومقاومة إسرائيل، فعلى الموقف العربي إسناد هذا الموقف وليس الضغط عليه وتليينه.

وعلى صعيد الموقف الأردني بوصفه موقفا استراتيجيا تجاه القضية الفلسطينية، فقد أعلن الأردن موقفه واضحا وفي وقت مبكر برفض الفكرة أساسا لأنها تمس الحقوق الفلسطينية من جهة، وتنقض معاهدة وادي عربة من جهة أخرى، ولأنها تشكل تهديدا أمنيا واستراتيجيا على الأردن بشكل مباشر.

ولذلك بذل الأردن جهودا كبيرة لتنوير العالم بمخاطر هذه السياسة وحذر منها. وأعتقد أن الدولة مستعدة للذهاب أبعد من ذلك في حال قامت الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ هذه السياسة، خصوصا ما يتعلق بإعادة النظر بالعلاقات مع إسرائيل، سواء عبر المعاهدة أو صفقة الغاز أو التطبيع، إضافة إلى دعم الموقف الفلسطيني في كل المحافل ضد هذه السياسة. والأردن يتمتع بعلاقات قوية مع العديد من القيادات السياسية الأمريكية والأوروبية، وربما يكون له تأثير بدفعها لاتخاذ مواقف وسياسات ضد إسرائيل في هذه الحالة.

ويعد الأردن الدولة الأقوى على مواجهة إسرائيل في المنطقة، والتي تشكل حدودها مع فلسطين المحتلة مصدرا خطرا لتهديد الأمن الإسرائيلي. وإن أي سياسات أردنية مناهضة لإسرائيل في المجتمع الدولي ينظر لها بجدية كبيرة، في ظل تصنيف الأردن ضمن دعاة السلام ومن الدول المعتدلة والحليفة للغرب في المنطقة.

وقد اندلعت معركة إعلامية كبيرة في الإعلام الأمريكي والأوروبي على أصداء انتقادات الملك عبد الله الثاني لسياسات إسرائيل واتهامات لحكومة نتنياهو بأنها لا تريد السلام، وخاصة عندما وصف الملك علاقات الأردن مع إسرائيل بأنها في أسوأ حالاتها.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الأردن وقع على اتفاقية سلام مع إسرائيل منذ العام 1994، وطبع علاقاته الرسمية معها سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وذلك بناء على اتفاق أوسلو الذي وقعته إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، والذي افترض أن يصل إلى دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة خلال خمس سنوات. لذلك فإن مبرر توقيع المعاهدة واستمرارها اهتز كثيرا منذ ذلك الوقت، وبقيت خيوط ضعيفة جدا تنظمه.

والحكومة الأردنية تلاقي معارضة شعبية كبيرة ضد المعاهدة حتى في البرلمان، مع إجماع البرلمان على رفض اتفاقية الغاز بقيمة 10 مليار دولار مع إسرائيل.

لذلك، فإن توتر العلاقات الإسرائيلية الأردنية الشديد، ربما يدخل الجانبين في معركة دبلوماسية واقتصادية تؤثر على إسرائيل. من هنا فإن تلويح الأردن بتجميد العلاقات أو سحب السفراء، أو توقف دوره في تشجيع عملية السلام مع إسرئيل عربيا وفلسطينيا، سيؤثر كذلك على الوضع الجيوستراتيجي لإسرائيل. وخلال الربيع العربي في 2011-2012 شعرت إسرائيل بخطورة الأمر وجديته في التهديد الاستراتيجي والعزلة، وقطع العلاقات مع كل من مصر والأردن وتركيا في ذلك الوقت.

لذلك يملك الأردن العديد من الأوراق السياسية والإعلامية والقانونية والاقتصادية، بل والأمنية في مواجهة هذا التطرف الإسرائيلي في حال شرع بتطبيق عمليات الضم المعلنة. ويتوقف الأمر على الإرادة السياسية الأردنية والقراءة الصحيحة لخطورة الأمر، والكفاءة في خوض المعركة الإعلامية والدبلوماسية والتنسيق المتين مع الجانب الفلسطيني.

ومن المهم الانتباه إلى أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة بين غانتس ونتنياهو إنما هي حكومة حرب بالمعنى الدقيق ضد الفلسطينيين، سواء الحرب السياسية أو الأمنية أو العسكرية أو الاقتصادية. فهي تتبنى سياسات تنسف كل الأسس التي وافق الفلسطينييون على الدخول في عملية مفاوضات بسببها، وتنهي كل ما يمكن التفاوض عليه، خاصة ما يتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية أو إنهاء الاستيطان اليهودي أو القدس أو الحدود أو الأمن أو... وبالتالي هي تسعى لقتل الحكم الفلسطيني كاملا، ولذلك فإن الخيار الذي يدفع الوضع الجديد إليه الفلسطينيين، وربما يكون الوحيد، هو المواجهة والانتفاضة والمقاومة بكل أشكالها.

وبرغم التنسيق الأمني المستمر بين الجانبين مع الأسف، فإنه لا يلاقي أي تبرير لدى الشارع الفلسطيني، مما ينقل السلطة الفلسطينية إلى مربع المطالب بإجراءات عملية ضد إسرائيل، في ظل سياسات الضم والقضم والمصادرة والهدم والقتل والاعتقال، ورفض كل المطالب الفلسطينية المتعلقة باي حقوق سياسية أو إنسانية، سواء في القدس أو الضفة الغربية أو في قطاع غزة.

وعليه، فإن القضية الفلسطينية تصبح في مأزق صعب؛ ليس أمام القوى الفلسطينية فيه إلا المقاومة بدون تحفظات لإنهاء الاحتلال، ووقف استجداء موقف واقعي منه. من هنا أعتقد أن مراجعة كل العلاقة مع إسرائيل، والعمل على الإنهاء الفوري للانقسام الفلسطيني، ووقف التنسيق الأمني وإعادة بناء العقيدة الأمنية في أجهزة السلطة الفلسطينية والتنظيمات المشكلة لها؛ ربما يعد الخيار الأمثل.

ويبدو أن الأمر بحاجة إلى مبادرات على الأرض بين القوى الحية بعيدا عن إرث الخلافات السياسية. وإن على منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والقوى الأخرى شن معركة إعلامية سياسية قانونية ضد الاحتلال الإسرائيلي على المستويات المختلفة، بما فيها داخل الأمم المتحدة ومؤسساتها المختصة، وبتناسق مهم مع الموقف الأردني المفترض أعلاه. فالموقف الأمريكي والإسرائيلي سيواجه صعوبات سياسية وقانونية دولية من حيث المبدأ. وبغير ذلك لماذا يتحرك العالم للضغط على إسرائيل؟ ولماذا تخشى إسرائيل من قرارات الضم؟

وختاما أقول إنه يمكن للوضع العربي أن يتحول إلى حال أفضل بعد أزمة كورونا؛ في حال استند إلى الشعور بالخطر المشترك والمصير المهدد للجميع، وفي حال تم تحييد الصراعات المسلحة ولو مؤقتا، وتم تحييد الخلافات السياسية عن المسائل الاجتماعية والاقتصادية والحيوية والإنسانية في العالم العربي، ووقف الجميع في وجه إسرائيل ومخططاتها العدوانية. وخلاف ذلك سيدفع العالم العربي ثمنا باهظا بغض النظر عن دول غنية ودول فقيرة، لأن التكامل هو الحصن المنيع للعالم العربي، وليس الانفراد والارتباط بالخارج لمصالح أنانية.
التعليقات (0)