مقالات مختارة

بفعل «كورونا».. هل اقترب العالم أكثر من فهم معنى الاحتلال؟

رضوان الأخرس
1300x600
1300x600

«نِيسان» في الذاكرة الفلسطينية حافل بالأحداث العظيمة التي تأبى النسيان، إنه شاهد على أطول وباء في عصرنا الحالي، وباء لم يجتهد العالم في صنع لقاح له منذ عشرات السنوات، ذلك الوباء الذي أعلن عن نفسه ككيان مستقل في 15 أيار/مايو من عام 1948، بعد سلسلة من المجازر الوحشية البشعة.
منذ ذلك التاريخ الذي أسماه الفلسطينيون «نكبة»، وما سبقه من انتهاكات ومجازر للصهيونية، والفلسطينيون يعانون أشد المعاناة، لقد دخلت آثار ذلك الوباء والسرطان الإسرائيلي إلى كل بيت فلسطيني، فتجد فيه الجريح، وتجد الشهيد والأسير، وبكل تأكيد لا يخلو الأمر من اللاجئين.
أكبر شعب لاجئ في العالم، جله بعيد عن وطنه وأرضه، ولعل العالم اليوم أقرب لفهم معاني تلك المعاناة، وذلك القهر، الناس محبوسون اليوم وبعيدون -مؤقتا- عن أماكن عملهم وعن المتنزهات والشواطئ والبساتين والهضاب والجبال، وكل مكان جميل كانوا يقضون فيه أيامهم الجميلة، قبل كورونا، وأيضا بعيدون عن دور العبادة التي كانوا يجدون فيها راحة وطمأنينة لأرواحهم.
إلا أن الفلسطيني يعيش هذا المعاني يوميا منذ قرابة قرن من الزمان، وأنا واحد من هؤلاء الفلسطينيين الذين سمعوا عن أراضيهم المحتلة منذ ولادتهم، إلا أنه لم يتمكّن من زيارتها أو إلقاء النظر عليها، وربما من بعيد يستطيع أن يرمقها بعين لامعة دامعة، ولا يستطيع غالبيتهم الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك، أقدس مكان عبادة بالنسبة لهم في أرضهم.
ليس سهلا أن يتنقل من مدينة لأخرى، ولا يستطيع الفلسطيني مثلا أن ينتقل من غزة إلى الضفة أو العكس بسهولة، بل يحتاج ذلك لإجراءات طويلة وتصاريح لا تصدر إلا لفئة قليلة جدا من السكان، ناهيك عن استحالة زيارته باقي مدن فلسطين المحتلة مثل عكا وحيفا ويافا واللد وصفد... أما قوائم الممنوعين من السفر فلا تعد ولا تحصى، وحسب مراكز حقوقية، فإن الممنوعين من السفر من المرضى الفلسطينيين كانوا بعشرات الآلاف خلال السنوات الأخيرة.
نعم هناك من يحتل شوارعنا، أزقتنا، أراضينا، بحرنا، أجواءنا، وكل شيء، حتى أحلامنا ومستقبلنا، نحن دائما نشعر بالملاحقة، إنه فيروس يطارد الفلسطينيين في كل مكان، لقد وصل إلى العالم الفلسطيني «فادي البطش» في أقاصي الدنيا، ولا تتوقف آثاره وأعراضه عند الملاحقة المباشرة.
الفلسطيني حركته مقيّدة جراء الاحتلال خارج فلسطين أيضا، فغالبية اللاجئين خارجها من حملة الوثائق، لا يتحرّكون إلا في إطار ضيق جدا، ولا يمنحون تصاريح لدخول معظم بلدان العالم، كما لو كانوا وثيقة حجر لا «وثيقة سفر»، إنه أشبه بالحجر وقت «كورونا» والمنع من السفر، إلا أنه دائم وليس مؤقتا، وفي بعض البلدان لا يُسمح لهم بالعمل في عشرات المهن، ولا يتمتعون بالحد الأدنى من الحقوق المدنية.
النكبة دخلت إلى كل شيء في فلسطين والفلسطيني، وشكلت وعيه وصقلت شخصيته، تركت فيه ندوبا وآثارا معنوية كبيرة، حتى أولئك الذين شكلوا الفعل الفلسطيني المقاوم، ولم يكتفوا بأداء دور الضحية، هم مظلومون أيضا وهم ضحايا، هم جزء من المأساة، وإن برزت فيهم معاني البطولة، وكانوا عناوينها.
«المناضلون» في فلسطين مثل الأطباء النبلاء في المستشفيات لا يملكون رفاهية الخيارات، يكافحون المرض ما استطاعوا، وأعظمهم من يسقط بل هو ارتقى، فمن يقف في وجه الجائحة ويعمل على مجابهتها ما استطاع ويقدم روحه في هذه المهمة الإنسانية والأخلاقية الراقية، أقل ما يقال عنه بطل.
تلك المعاني المتشابهة والمتقاطعة بفعل الظروف الاستثنائية، قد تجعل العالم يقترب أكثر من فهم طبيعة ما يشعر الفلسطيني به تحت الاحتلال.

 

(العرب القطرية)

1
التعليقات (1)
رائد عبيدو
الإثنين، 13-04-2020 05:57 م
الفلسطينيون مثل الأطباء يقاومون وباء الاحتلال ويضحون بأنفسهم لأجل ذلك، لكن أدعياء نصرة الطبيب المقاوم يكتفون للقضاء على الوباء بتقديم المال والملابس الواقية للطبيب وبالهتاف له وتصويره والكتابة عنه والبكاء عليه ونحو ذلك، بينما هم في الحقيقة يساعدون الوباء على التفشي ويعقدون مهمة الطبيب المقاوم. فهم يصافحون العدو ويخالطون داعميه فعليا، ومعنويا بعلاقاتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والرياضية. وبدلا من استثمار فرص ضعف الوباء يطفئون حرائق العدو ويعالجون مرضاه. لكن كذلك للأسف يوجد أطباء مخدوعون يشكرون ناشري الوباء هؤلاء ويدافعون عنهم.