هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
سجلت عدد من الدول الأوروبية خلال الأيام الأخيرة تراجعا في معدلات الإصابة والوفيات جراء فيروس كورونا "كوفيد-19"، لعل أبرزها إسبانيا التي أعلنت انخفاضا في أعداد الوفيات على مدار ثلاثة أيام متتالية، في مؤشر بعث الأمل بتراجع حدة أسوأ أزمة وبائية في العالم.
وقالت شبكة "سي أن بي سي" في تقرير ترجمته
"عربي21"، إن "أوروبا تبحث عن مخرج استراتيجي لعمليات الإغلاق، مع تراجع
حالات الوفيات من فيروس كورونا المستجد"،
لافتة إلى أن هناك آمالا وإن كانت مترددة في أوروبا، من تباطؤ في وباء كورونا.
لكن المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان
ليندميير، سارع الأربعاء، إلى التحذير من تخفيف الإجراءات الرامية إلى إبطاء انتشار
فيروس كورونا قبل الأوان.
وقال ليندميير إن المنظمة لا توجد لديها توصيات شاملة
للدول والمناطق في ما يتعلق بتخفيف الإجراءات الرامية إلى إبطاء انتشار الفيروس، غير
أن "أحد أهم الجوانب هو عدم التخلي عن الإجراءات قبل الأوان حتى لا تحدث انتكاسة
مجددا"،
مضيفا أن "الأمر يشبه كونك مريضا، إذا خرجت من الفراش مبكرا وركضت قبل
الأوان، فأنت تخاطر بأن تتعرض لانتكاسة وتعاني من مضاعفات".
اقرأ أيضا: CNBC: أوروبا تبحث عن سياسة خروج استراتيجي من كورونا
وتجاوز عدد مصابي كورونا حول العالم المليون و352 ألفا،
توفي منهم أكثر من 75 ألفا، فيما تعافى ما يزيد على 287 ألفا.
وأمام ذلك، تتبادر إلى الأذهان تساؤلات مهمة، حول
حقيقة ثبات مؤشرات التراجع، وهل ستلجأ أوروبا قريبا إلى تخفيف إجراءاتها الأخيرة
ورفع الإغلاقات بشكل تدريجي أم لا؟
المختص بالشأن الأوروبي حسام شاكر يرى أنه من المبكر
"الحكم على هذه المؤشرات"، لافتا إلى أن "بعض الدول تتجه إلى
احتواء هذه الموجة، لكنّ دولا أخرى ما زالت تشهد مأزقا في هذا الاتجاه، والمؤشرات
ترصد يوما بيوم، ومن المبكر إصدار أي حكم فيه طمأنة بشأن تفشي جائحة كورونا".
تباين الإجراءات
ويضيف شاكر في حديثه لـ"عربي21" أن
"الإجراءات التي اتخذت كان لها مفعول في الحد من تفشي الأوبئة، إلا أن
التراجع عن هذه الإجراءات يشكل خطرا معينا، وهناك تباين في منسوب هذه الإجراءات
بين دولة أوروبية وأخرى".
ويشير إلى أنه "ربما التجارب التي تخوضها بعض
الدول الأوروبية وبالتحديد السويد، هي مثار اهتمام خاص، وكيف يمكن تقييم هذه
التجربة، وبالتالي كيف يمكن أن تترتب عليها مؤشرات مستقبلية في التعامل مع هذا
الوباء أو غيره".
من جهتها، تؤكد الخبيرة بالشؤون الأوروبية هالة الساحلي،
أن حكومات دول الاتحاد منقسمة ما بين من يطبق الحجر الصحي الإجباري (فرنسا
وإيطاليا وبلجيكا)، وما بين الإرادي (ألمانيا وهولندا)، والمعتمدة على سياسة
التباعد الاجتماعي واتباع سلوكيات وقائية في الأماكن العامة.
كل هذه الخطط تبقى معلقة ومرهونة بالتطورات الصحية
وتلفت الساحلي في حديثها لـ"عربي21" إلى
أنه "بدأ تحضير خطط في بعض الدول لفك الحجر الصحي، والعودة للحياة العادية
تدريجيا"، مبينة أن "النمسا تعتزم بدأ تطبيق خطتها التدريجية في 13
نيسان/ أبريل المقبل، وألمانيا تتحدث عن 19 نيسان، وإيطاليا من المرجح أن تكون في
9 أيار/ مايو".
وتشدد الساحلي على أن "المشكلة الحاصلة بحسب
المفوضية الأوروبية، هي قلة التعاون وتنسيق المواعيد"، مستدركة بقولها:
"كل
هذه الخطط تبقى معلقة ومرهونة بالتطورات الصحية".
وفي السياق ذاته، يعتقد شاكر أن "الأمر الخاص
بتخفيف إجراءات الإغلاق في دول أوروبية معينة، بدا واضحا في الآونة الأخيرة، وتتجه
بعض الحكومات إلى تخفيف جزئي لبعض إجراءات الإغلاق، بهدف كبح الانهيارات
الاقتصادية وتخفيف الضغط على مصالح معيشية وتجارية معينة، ولكن يبقى هذا إجراء
جزئيا، ويمثل قدرا من المخاطرة".
اقرأ أيضا: هذه أعداد المتعافين من كورونا في العالم حتى الآن (إنفوغراف)
ويتابع قائلا: "النقاش الموجود في بعض المنصات
الأوروبية، يدور عن أولوية الصحة أو الاقتصاد، ويوجد مقاربات في هذا الاتجاه،
البعض يرى أن اتخاذ الإجراءات المشددة يؤدي إلى أضرار معيشية لا تقل عن الأضرار
الصحية، وهذه النبرة هي التي تدفع بها بعض القوى الاقتصادية التي يكون لها مفعول في
محاولة تخفيف الإجراءات واستعادة الحياة اليومية تدريجيا".
ويوضح شاكر أن "الخشية تبقى قائمة على السلوك
الاستهلاكي، بمعنى أنها خشية لا تتعلق فقط بالإجراءات، لكن يبدو أن الأصوات
المنادية بتخفيف الإغلاقات تراهن على استعادة مجتمع الاستهلاك مجددا، حتى لا تطول
مدة الإغلاق بشكل يؤدي إلى فقدان تام للشهية الاستهلاكية".
ويستدرك بقوله: "إذا اتخذت إجراءات مخففة، فإنه
لن يعيد الحياة الاستهلاكية إلى سابق عهدها، لأن هناك قطاعات متضررة من أزمة
كورونا، مثل السياحة والسفر بشكل خاص، وقطاعات استهلاكية أخرى مثل المطاعم
والفنادق".
أمد الإغلاقات
ويؤكد أن "الحكومات تدرك أن طول أمد الإغلاقات،
يؤدي إلى ضغط اقتصادي وزيادة الأضرار، وإسراع الانهيارات، ويترتب أيضا تبعات من
تقديم مساعدات للتخفيف على هذه القطاعات المتضررة، وهذا لا تحتمله الحكومات بشكل
ما".
وتوضيحا لذلك، تقول الساحلي: "على المستوى
الاقتصادي والمالي، علقت المفوضية العمل بسياسة التقشف، واتباع قانون 3 بالمئة
لموازنتها، إلى جانب ضخ المليارات لدعم الشركات متوسطة الحجم، إضافة إلى تقديم
ضمانات مالية أوروبية، للأطراف الراغبة في الاقتراض على مستوى البنوك غير
الأوروبية".
وتنوه الساحلي إلى أن "هناك نقطة اختلاف حول
مطلب فرنسي بتحقيق تشارك في الديون، والحصول على قروض مشتركة، في ظل معارضة
ألمانية وهولندية".
الحكومات ستحاول تهيئة الجمهور قبل إجراءات التخفيف
وفي ما يتعلق باستمرار إغلاق المدارس، ينبه شاكر بأن
هذه العملية مترابطة بشكل كبير، مع بقاء بعض أولياء الأمور مع أبنائهم في البيت،
لذلك فإنه يصعب الحديث عن تخفيف جوهري بهذا الإطار، إنما هو تخفيف تدريجي نسبي، متوقعا أن
"تحاول الحكومات تهيئة الجمهور قبل إجراءات التخفيف".
ويشدد شاكر على أن "المشكلة في تخفيف
الإجراءات، أنها إذا لم تترافق مع مبررات كافية من ناحية صحية وأن الخطر قد زال
والجائحة قد تم احتواؤها، فإن الأمر سيكون حرجا لأي حكومة، وقد يعبر عن
مخاطر".
وحول السياسة الأوربية في التعامل مع الأزمة، تشير
الساحلي إلى أن الاتحاد الأوروبي منذ انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدأ
بإعادة صياغة سياسته الاقتصادية، موضحة أن الشراكة الأوروبية الصينية تسير على
الطريق المخطط له، ولكن ضمن ضوابط محددة.
أما شاكر فيقول إن "أوروبا أمام اختبار هو
الأقسى من نوعه، في ما يتعلق بمشروع وحدتها، وهذا الاختبار متعدد الأوجه، في ظل
وجود آراء متذمرة من الوحدة الأوروبية، إلى جانب الاختبار الاقتصادي الكبير.
وبحسب المختص بالشأن الأوروبي، فإن بروكسل بحاجة
لحزمة تضامن اقتصادية قوية وفعالة ومساعدات كبيرة للغاية، لإنقاذ اقتصادات من
المؤكد دخلت في طور الانهيار، كما هو الحال في إيطاليا وإسبانيا، وستحتاج أوروبا
لضخ مئات المليارات لكل دولة، من أجل استعادة الحياة الاقتصادية أو تخفيف الأضرار.