هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كتب الصحفي "تشارلز لين" مقالا في صحيفة "واشنطن بوست" رسم فيه آثار الصراع السعودي- الروسي المتمثل في أسعار النفط على المصالح الأمريكية، مؤكدا على ضرورة منع السعودية أو روسيا من تحديد الاستراتيجية النفطية.
ولم يستبعد الكاتب إمكانية اتفاق الدولتين لتقليص الإنتاج
النفطي، مع أن هناك عدم حصول اتفاق ينهي حرب الأسعار التي تهدف للسيطرة على حصص في
سوق النفط.
ويذكر لين بأن هذه ليست هي المرة الأولى التي تحاول فيها السعودية وروسيا، أكبر مصدرين للنفط الحصول على تفوق اقتصادي وجيوسياسي من خلال التلاعب بما تنتجه الآبار النفطية المملوكة للدولة. كما أنها ليست المرة الأولى التي تظهر فيها الولايات المتحدة كطرف ثالث مهتم في هذه الدراما.
وما هو مختلف هذه المرة، كما يقول، هو وجود رابح أو خاسر في
الولايات المتحدة بناء على نتائج الصراع السعودي-الروسي.
اقرأ أيضا: كم بلغت صادرات نفط السعودية بعد انهيار اتفاق "أوبك+"؟
وفي العقود الماضية، كان اعتماد أمريكا على النفط الخارجي
يجعلها تشعر بصدمة أسعار النفط العالمية، خاصة عندما يتم نقله إلى المستهلكين عبر
في محطات الغاز.
لكن في الوقت الحاضر تحتل أمريكا موقع أكبر منتج للنفط في العالم. وهذا بفضل ثورة النفط الصخري. مما أكسبها نفوذا أكبر على أسواق النفط والغاز العالمية، وكذا نفوذ المجموعات الكبيرة التي لها مصلحة في ارتفاع الأسعار: منتجو النفط المستقلون، مئات الألاف من عمال النفط، البنوك والولايات التي تعتمد الضرائب النفطية.
وبناء على ذلك، تحدث الرئيس ترامب لكلا الطرفين في حرب الأسعار، السعودي والروسي. كما غرد في 9 آذار/مارس بهذا الخصوص قائلا إن حرب الأسعار:
"جيدة بالنسبة للمستهلكين، وأسعار البنزين تنخفض!".
كما غرد مرة أخرى معربا عن "أمله" في أن موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان المعروف باسم (م ب س) على تخفيض الإنتاج سيكون أمرا "رائعا لقطاع النفط والغاز".
وعلق الكاتب أن التصريحات الصادرة عن ترامب تعني أي شيء ولكنها
ليست رئاسية، وحتى لو كان هناك في البيت الأبيض رجل معروف بقدراته الإستراتيجية
فإنه سيواجه مأزقا.
وتساءل الكاتب إن كان هناك مخرج من الأزمة؟ ويجيب أن العلاقة
الثلاثية بين الولايات المتحدة والسعودية وروسيا كانت تشكل الجغرافيا السياسية
والاقتصاد منذ ما يقارب النصف قرن.
في عام 1973، شلت منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك) التي تقودها السعودية الاقتصاد الأمريكي من خلال وقف صادرات النفط، ردا على دعم الولايات المتحدة لحرب إسرائيل على الدول العربية.
كما فرضت الثورة الإيرانية عام 1979 وما تلاها من حرب بين
العراق وإيران خفضا مفاجئا في العرض ورفع الأسعار التي استغلها الاتحاد السوفييتي
آنذاك بزيادة إنتاجه وصادراته.
وردا على هذا قادت الدول الأوروبية، المحافظة منها على وجه
الخصوص، سلسلة من الإجراءات المضادة التي حدت من الطلب والسيطرة على الأسعار.
وفي أواخر الثمانينيات، قامت المملكة العربية السعودية بضخ النفط بكميات سخية. وكان القرار مرتبطا بخلافات داخل أوبك. وهو ما أفرح الولايات المتحدة الامريكية لأن زيادة الإنتاج أدت لمعاقبة الاتحاد السوفييتي الذي كان يحتل أفغانستان المسلمة. وساعدت الخسائر التي تعرض لها الاتحاد السوفييتي على تسريع سقوطه.
إلا أن الوضع اليوم، وللمفارقة، حدث نتيجة ما قامت به البلدان
الثلاثة منذ ذلك الحين لحماية أنفسها من تكرار التاريخ.
ففي سعيها للحصول على الاستقلالية في الطاقة، سعت الولايات
المتحدة إلى إطلاق العنان للمنتجين المحليين، وفي عهد الرئيس باراك أوباما، سمحت
بتصدير النفط الخام لأول مرة منذ السبعينيات.
كما قام بوتين بتحسين الجودة الصناعية الروسية واستخدم عائدات النفط لملء صندوق احتياطي بقيمة 570 مليار دولار ما يشكل حوالي ثلث الناتج المحلي الإجمالي.
وفي عهد محمد بن سلمان (م ب س)، جمع السعوديون أيضا صندوق ثروة سيادية وخفضوا نسبة الدين إلى الناتج المحلي بنسبة 25 بالمئة فقط.
ويعتقد خبراء النفط أن روسيا والمملكة العربية السعودية يمكنهما دفع فواتيرهما عند سعر 30 دولارا للبرميل.
في غضون ذلك، أظهر استطلاع أجراه البنك
الاحتياطي في دالاس في شهر آذار/مارس أن الشركات الأمريكية يمكن أن تعيش بأسعار تتراوح
بين 27-37 دولارا للبرميل قريبا مما وصلت إليه يوم الاثنين.
ولا شك في أن هذا الأمر هو الذي جعل بوتين يشعر أنه يستطيع رفض مناشدات محمد بن سلمان بخفض الإنتاج في أوائل آذار/مارس. وكان يعتقد على الأرجح أن العرض الإضافي سيضره أقل مما سيضر المنتجين الأمريكيين، وكان ردا على العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا بسبب سوء سلوكها في شبه جزيرة القرم وفنزويلا وأماكن أخرى.
ومن الواضح أنه السبب وراء شعور محمد بن سلمان بأنه يستطيع ويجب أن ينتقم من بوتين بزيادة الإنتاج الذي تجاهله تماما.
حدث كل ذلك قبل أن يدرك هؤلاء الديكتاتوريون التأثير الاقتصادي
الكامل لتفشي فيروس كورونا وحتى ذلك كان سوق النفط ضعيفا فعلا.
والآن باتت مرافق التخزين تفيض بالنفط، وقد تتجه أسعار البرميل إلى انخفاض أكبر.
اقرأ أيضا: هل يتعافى النفط بعد اجتماع أوبك+.. وماذا عن مطلب ترامب؟
ويميل ترامب، بضغط من لوبي الشركات النفطية، إلى التوسط في صفقة سعودية روسية يمكن للمنتجين الأمريكيين التعايش معها.
وأمامنا الآن أوبك 2.0 مع الولايات المتحدة وديكتاتوريين يحددان
السعر الذي تدفعه الديموقراطيات الصناعية للحصول على الطاقة.
ومن هنا فالبديل الأخضر، بحظر التنقيب عن النفط الصخري
والانتقال على الفور إلى عالم خال من الوقود الأحفوري سيترك الجميع بما فيها
الولايات المتحدة تحت رحمة السعودية وروسيا.
وربما يتمثل الخيار الأكثر استدامة بمجرد أن تمر الأزمة الحالية
في العودة إلى الاستراتيجية التي اتخذتها أوبك في الثمانينات من القرن الحالي (التخزين) من خلال ضرائب الغاز وأشكال أخرى كتسعير الكربون.
وباعتبارها أكبر منتج للنفط وأكبر مستهلك، فإن للولايات المتحدة
مصلحة قومية متضاربة. والشيء الوحيد الذي لا يمكننا السماح به هو أن يستغلها أمثال
بوتين ومحمد بن سلمان.