الدول والأنظمة التي كانت بالأمس القريب تتصارع
وتتناحر بعنجهيةٍ "منفلتة" فيما بينها، مستخدمة في سبيل ذلك أحدث
الأسلحة المدمرة والفتاكة، تقف اليوم عاجزة مشدوهة حد الصدمة من خطر لا يرى
بالعين المجردة، ولا حتى بالأجهزة المجهرية، فلا قدرة لأعظم الدول في العالم
وأقواها على الإطلاق، في ظل عصر التقدم والتكنولوجيا، على مواجهة فيروس
كورونا، أو
محاربته، ولا سبيل لها لتحقيق ذلك.
فيروس كورونا الذي هز العالم أجمع دولا وشعوبا وجيوشا، وبث الرعب في أوصال البشرية جمعاء، كائن لكنه ليس بحي، ومما يثير العجب
بقدرة الإله العظيم، أننا نواجه مخلوقا ضئيلا، شغل الناس لشدة خطره، وسرعة انتشاره،
والأخطر من كل ذلك أنه جديد متجدد يستهدف رئة الإنسان بصورة مباشرة ليستقر هناك،
معلنا بداية هجومه في جسد المريض المنهك، فيصيب الفيروس بعضنا فيقتله، كما أنه
يصيب آخرين فيشفون (بإذن الله)، دون أن تكون لأحدنا الإرادة أو القرار في هذه
النتيجة أو تلك، سوى انتظار المجهول، في عالم يسير نحو المجهول.
ما زاد الطين بلة، افتقارنا في زماننا هذا لنظام عالمي يحتكم لأسس عادلة، همها وديدنها مصلحة الإنسان، والحفاظ على الروح البشرية
من الفناء، بل نعيش وسط عالم ظالم وحشي استغلالي، يسعى وراء السلطة، ويلهث خلف
الأرباح، وجمع الأموال كهدف أساسي يسمو على كل الأهداف الإنسانية الأخرى.
العالم اليوم مصاب بحالة من الهلع والخوف الشديدين،
دول العالم بدأت سلسلة
إجراءات سريعة عبر إغلاق حدودها ومطاراتها ومدنها ومدارسها؛ تفاديا لانتشار الوباء والحد من عدد الإصابات، إلا أن هذا لم يمنع دولة متقدمة
كإيطاليا (على سبيل المثال) من أن تقف عاجزة أمام الانتشار الرهيب للمرض في صفوف
مواطنيها، حيث ارتفعت معدلات الوفيات إلى 7 في المئة من إجمالي عدد الإصابات، لجهة
ارتفاع متوسط عمر السكان الإيطاليين، (42 في المئة من المصابين بفيروس كورونا
تجاوزوا سن 80 سنة).
الحكومة في الأردن، يحسب لها أنها استفادت جيدا من
أخطاء بعض الدول التي تأخرت في تنفيذ بعض الإجراءات الضرورية لمواجهة فيروس
كورونا، تماما كما أنها استفادت من الطريقة الصينية في التعامل مع الفيروس، إذ إنه ليس أمام الدول الموبوءة والمصابة إلا أن تقف إلى جانب شعوبها، كما أنه ليس
أمام الشعوب سوى تنفيذ قرارات حكوماتها، إذا ما أراد كل طرف الخروج من هذه الأزمة
العالمية بأقل الخسائر الممكنة.
لا شك أن وجود مواقع التواصل الاجتماعي ساعد في
إطلاق الإشاعات، بل وانتشارها بصورة واسعة، ربما أسرع بكثير من انتشار المرض
نفسه، الأمر الذي أوجد حالة من الرعب والهلع والخوف في صفوف الناس، وصلت حد
الصدمات النفسية لكثيرين نتيجة ضعف المعلومات العلمية لدى العديد من الأشخاص ممن
أصبحوا فريسة سهلة لمطلقي الإشاعات، ما يعني أننا أمام مرض آخر لا يقل سوءا عن
فيروس كورونا، الذي نسعى لمحاربته دون أن نراه، أو نعرف عنه شيئا!