كتاب عربي 21

كورونا في مواجهة رأسمالية جشعة

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
المشكل ليس في الرأسمالية بل في الرأسمالية المتوحشة الجشعة في تمظهراتها الأمريكية، ولكن أيضا الصينية وجشعها أحد اسباب خطر كورونا..

سنة 2015 قام بيل غيتس، أحد أثرى أثرياء العالم وأحد مجددي الاقتصاد التكنولوجي، وهو أيضا من بين أكثر من استثمر في صناديق خيرية لدعم البحث الطبي، بتقديم محاضرة في إطار سلسلة "تيد توك". المحاضرة كانت حول وباء الإيبولا الذي انتشر في أفريقيا جنوب الصحراء.. والدروس المستخلصة منها:

- أولا، العالم لم يكن متهيئا لمواجهة الإيبولا، ولولا عزل عدد من الدول عبر إجراءات منظمة الصحة العالمية ودور منظمات غير حكومية مثل "أطباء بلا حدود".. لكن لولا الصدفة لانتشر عالميا.

- ثانيا، أهم دروس الإيبولا أنها كانت تحذيرا مبكرا.. وعوض الاستثمار المكثف في الإنتاج العسكري، فإن ما يجب أن يحدث هو الاستثمار بكثافة في الصحة العمومية والبحث الطبي؛ لأنه إذا كان هناك عدو حقيقي يمكن أن يظهر ويقتل الملايين فسيكون فيروسا (وأشار خاصة إلى فصيلة فيروسات الإنفلونزا).

- ثالثا، أهم استتباع لفيروس الإيبولا في دول أفريقيا جنوب الصحراء هو تزايد الاهتمام بالصحة العمومية، مما جعل أفريقيا جنوب الصحراء أكثر تهيؤا لمواجهة الأوبئة بما في ذلك كورونا؛ من دول أفريقية أخرى ومنها تونس.

في مقابل هذه التوصيات ماذا حدث؟ استمر العالم كما هو.. بل أسوأ..

- لدينا شخص مثل ترامب على رأس الولايات المتحدة، قطب الرحى الذي يدور حوله النظام الدولي، قام بكل الخطوات لإضعاف العلاقة مع منظمة الصحة العالمية، وأنهى وجود مكتب مكافحة الأوبئة (الذي أحدثه أوباما) في مجلس الأمن القومي. وهو لا يؤمن بالصحة العمومية، بل برنامجه قائم على التقليص من أهميتها ومحاربتها.. والآن يقوم بمحاولة احتكار إنتاج لقاح كورونا لأنه ينظر لما يحصل فقط وحصرا من باب كسب حروبه التجارية والاقتصادية..

- الصين وهي مصدر عدد من فيروسات الإنفلونزا في التاريخ القريب؛ لم تقم بما يكفي للاكتشاف المبكر لها، بل حاولت التعتيم في البداية وكانت بطيئة في مواجهة الفيروس في البداية، بما أدى لانتشاره خارجها، وكانت مشكلتها الرئيسة عدم التأثير على الاقتصاد.. الصين المحكومة من "حزب شيوعي" ونظام شمولي هي دولة رأسمالية في الأساس والجوهر.. أيضا الصين تعلم أن أسواق الحيوانات البرية "wet markets" يمكن أن تكون مصدر ظهور نوع جديد أو تجدد ظهور نوع قديم من فيروسات الإنفلونزا لكنها لم تفعل شيئا لمحاصرتها وإنهائها.. أيضا هل استثمرت بما لديها من فائض مالي ما يكفي من المال في البحث الطبي في الأوبئة؟ لم تفعل، بل استمرت في سوق السندات المالية الأمريكي لأسباب جيواستراتيجية، والحرب الباردة الاقتصادية مع واشنطن..

وعلى هذا الأساس، نشهد الآن حربا كلامية في المرحلة القادمة لتبادل الاتهامات حول منشأ فيروس كورونا، فيلقي كل طرف بمسؤولية "إنتاجه" على الآخر.. وقد تصاعدت الحرب في الأسبوع الأخير كما يلي:

- 11 آذار/ مارس: مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين يحمّل الصين مسؤولية انتشار الفيروس، نظرا لعدم تعاملها بشفافية معه ولردها البطيء عليه.

- 12 آذار/ مارس: تغريدة عبر الحساب الرسمي في تويتر، للناطق الرسمي للخارجية الصينية زهاو ليجيان، بأن واشنطن هي التي تفتقد الشفافية، وطرح أسئلة تشكك في أن "المريض رقم صفر" كان في مدينة ووهان، وأن وفدا عسكريا أمريكيا شارك في الألعاب العسكرية الأولمبية في الصين هو مصدر الفيروس.

- في ذات اليوم: الناطق الرسمي الآخر للخارجية الصينية، قانق شوانغ، تجنب خلال ندوة صحفية رسمية التعليق على أسئلة تستوضح ما ورد في تغريدة زميله، لكنه هاجم تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي ووصفها بأنها "غير مسؤولة"، وأن على الولايات المتحدة أن تركز طاقتها على مواجهة الفيروس في أراضيها، وأكد أنه "فقط العلم" يمكن أن يجيبنا على سؤال أين بدأ الفيروس.

- 14 آذار/ مارس: واشنطن تستدعي السفير الصيني في أمريكا احتجاجا على تصريحات الناطقين باسم الخارجية الصينية.

- 16 آذار/ مارس: الخارجية الصينية تقول إن استدعاء السفير الصيني في واشنطن من قبل الإدارة الأمريكية عمل "غير معقول"، و"لا يساهم في علاقات جيدة" بين البلدين..

بالمناسبة، كل مستهلكي المؤامراتية الفجة سيكونون قطيعا مناسبا لهذه الحرب الكلامية التي تستجيب لمصالح الدولتين ليس إلا، خاصة على خلفية حربهما التجارية والسباق الرمزي الحالي للحصول على لقاح..

لكن في المقابل أيضا، لولا مكاسب الصحة العمومية التي تحققت في تجارب رأسمالية توازن بين الإنسان والاقتصاد الربحي لما أمكن الحد من تأثير كورونا، خاصة أوروبيا.. وحتى في تونس..

- لولا إمكانات ولوجيستيك الصحة العمومية التي تأسست خاصة بعد الحرب العالمية الثانية في عدد من الدول الأوروبية، مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، لكان تأثير كورونا أكثر كارثية بكثير..

- حتى في تونس، منظومة الصحة العمومية على هناتها ونقائصها والتي تأسست منذ ستينيات القرن الماضي؛ هي الهيكل الرئيسي الذي ينظم بنسبة من النجاح مواجهة كورونا، ولولا نقص الإمكانيات (نقس أسرّة الإنعاش) لأمكن الحديث بتفاؤل أكبر عن قدرتنا على مواجهة كورونا..

بيل غيتس ومثله الكثير يمثل الرأسمالية الأخرى البديلة.. مقابل رأسمالية الجشع..
التعليقات (1)
adem
الجمعة، 20-03-2020 08:53 م
أنت واهم إن اعتقدت أنّ بيل غاتس يمثل الرأسمالية الرّحيمة ؟! هو جزء لا يتجزأ من المنظومة التي تقول عنها متوحشة ومنها و معها كسب ثروته لا يغرّنك تصريح أو مقال هو أساسا للاستهلاك الإعلامي مثلما حاولت هوليوود تلميع صورة الرجل الأبيض القادم من أوروبا في مواجهة الهنود الحمر المتوحشين؟!! في أفلام رعاة البقر ، ستسقط الرأسمالية و هذه حتمية تاريخية السؤال المطروح ما البديل ؟ وهذه قصة أخرى.