ملفات وتقارير

مؤتمر بباريس عن الانتقال الديمقراطي في تونس

سياسيون ونشطاء تونسيون يناقشون في باريس تحديات الانتقال الديمقراطي في بلادهم- (عربي21)
سياسيون ونشطاء تونسيون يناقشون في باريس تحديات الانتقال الديمقراطي في بلادهم- (عربي21)

نظم "المركز الفرنسي للدراسات العربية والتطوير" مؤتمره السنوي الرابع عن تونس بالعاصمة الفرنسية باريس يوم السبت 29 شباط (فبراير) الماضي. 

كان عنوان المؤتمر "تونس وتحديات الانتقال الديمقراطي"، الذي ينعقد في فترة حساسة من عمر التجربة التونسية بعد المصادقة على الحكومة المقترحة برئاسة إلياس الفخفاخ، إثر سقوط حكومة مرشح حركة "النهضة" الحبيب الجملي.

شاركت في المؤتمر وجوه بارزة في المشهد التونسي وتشترك جميعها في دفاعها عن مكاسب الثورة وعن تثبيت المسار الانتقالي ديمقراطيا. حضر المؤتمر عبد اللطيف العلوي وسيف الدين مخلوف عن إئتلاف الكرامة وسليم بن حميدان الوزير السابق لأملاك الدولة في تونس وسمير بن عمر القيادي في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية.

 

وشارك في المؤتمر النائب عن المجلس التأسيسي البشير النفزي والباحث بالمعهد الفرنسي للدراسات الفلاحية عادل السالمي إضافة إلى مدير مركز الدراسات العربية الأستاذ المحاضر بجامعة باريس محمد هنيد. 

 



تمحور اللقاء والجلسات حول مساءلة المسار الانتقالي التونسي ورصد أهم الإنجازات والإخلالات التي عرفتها الثورة منذ سقوط نظام الرئيس السابق بن علي. وحاول المؤتمرون قراءة الأسباب الأساسية التي تعيق تفعيل المسار الانتقالي بشكل جدي وضبط أهم الشروط القادرة على رفع الحواجز أمام التجربة السياسية في تونس. 

انطلقت الجلسة الأولى للمؤتمر بكلمة لعبد اللطيف العلوي تمحورت حول دور النخب التونسية في صناعة التجاذبات السياسية التي تمرّ بها تونس. وقد عرّج النائب بمجلس نواب الشعب (البرلمان) على تاريخ نشأة وتكوّن النخب التونسية منذ الطور الحديث للبلاد التونسية في مطلع القرن الماضي وصولا إلى مرحلة الصراع مع القوى الاستعمارية وصياغة مضمون الخطاب السياسي لهذه النخب. 

وتناول المتدخل كيف تحول المثقف في تونس إلى بوق لوهم الدولة الوطنية عندما نجح النظام السياسي في دمج هذا المثقف بالأدوات السياسية لممارسة السلطة وأصبح وصيا عليها. 

أكدّ العلوي أن  مسؤولية البناء السياسي اليوم هي مسؤولية مشتركة بين كل الأطياف السياسية والفكرية التونسية وأن المسار الثوري يجب أن يشهد بطبيعته صراعات فكرية تسمح بتجدد النخب التونسية وبإعادة بناء مرجعياتها الفكرية.
 
أما الوزير السابق سليم بن حميدان فقد تعرض في مداخلته التي اختار لها عنوان "تونس.. هل الديمقراطية هي الحل؟"، إلى مجموعة من الثنائيات التحليلية التي يراها مستوعبة لمسار الانتقال النموذجي في تونس بعد حالة الإشباع الديمقراطي التي عرفتها البلاد. وانطلاقا من مرحلة القلق التي تعيشها البلاد شخّص ابن حميدان استثمار الأحزاب الشوفينية في حالة القلق الشعبي لاستدعاء حالة الاستبداد وتسهيل عودة آليات النظام القديم. وخلص المحاضر إلى أن الديمقراطية ليست حلا في مرحلة الانتقال الديمقراطي بقدر ما هي أرضية لإيجاد الحلول الملائمة لتجاوز مرحلة الديكتاتورية.
 
في الجلسة الثانية للمؤتمر تحدث سمير بن عمر القيادي بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية عن الحرب التي تخوضها تونس ضد شبكات الفساد باعتبارها مرحلة أساسية من مراحل الانتقال الديمقراطي وترسيخ دولة القانون والمؤسسات. وانطلقت المداخلة بالتذكير بأن الثورة التونسية انطلقت للتنديد بالفساد وأن الشعارات الأولى للثورة كانت شعارات ضد شبكات فساد النظام وأن جملة من الأسباب المتعلقة بهذه الظاهرة هي التي تفسر السبب في ما آل إليه الوضع في البلاد اليوم وعلى رأسها ثقافة الفساد والتهرب الضريبي.

تناولت مداخلة سيف الدين مخلوف النائب بمجلس النواب (البرلمان) عن ائتلاف الكرامة دور السياق الإقليمي والتدخلات الأجنبية في مسار ومآلات الثورة التونسية. نوّه المتدخل بمكتسبات الثورة وتأثير ذلك على دول الجوار والدول العربية بشكل عام وأساسا تلك التي عرفت ربيعا شعبيا. كما أكد على أهمية الثورات في التأثير على مختلف الملفات الإقليمية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وهو ما يفسر حجم المؤامرات على تطلعات الشعوب لإجهاض تجاربها التحررية مثلما حدث في مصر وليبيا برضى المجتمع الدولي وسكوته عن الجرائم المرتكبة. 

أشار المتدخل كذلك إلى خطورة التدخلات الأجنبية التي تهدف إلى شيطنة الثورات والعمل على تسهيل عودة الأنظمة العسكرية والحكم الاستبدادي. وختم السيد مخلوف بالإشارة  إلى حجم التدخلات الأجنبية العربي والدولية في تونس والتي جندت أذرعا إعلامية وأحزابا سياسية لضرب الثورة وترذيل تجربتها الديمقراطية ورموزها. كما أنه أشار إلى الدول الداعمة للثورة التونسية وعدّد مساهماتها في إسناد المسار الانتقالي ماديا ودبلوماسيا. 

في افتتاح الجلسة الثالثة تحدث عادل السالمي وهو باحث أول بالمركز الفرنسي للدراسات الزراعية والغذائية والبيئية في مداخلته عن "الانتقال الاقتصادي والاجتماعي في تونس الثورة". وركّز الباحث في مداخلته على تقديم أطروحته القائمة على تقديم فكرة الانتقال والتحول لا باعتبارها عملية سياسية فحسب بل وقبل كل شيء أساسا اقتصاديا واجتماعيا. وانطلق الباحث من التذكير بمقاربات الانتقال التي صاحبت ثورات دول أوروبا الشرقية سابقا وغيرها من التجارب الثورية. 

اختتم الباحث مداخلته بالتركيز على أن نجاح الانتقال الديمقراطي مشروط بتحقيق شروط التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تسمح بتحقيق النجاح السياسي. وهو نجاح يُبنى بالقيم وبتطبيق القانون في إطار الدولة المدنية وخاصة بالعمل باعتباره قيمة القيم ورهان الرهانات.

أما النائب بالمجلس التأسيسي بشير النفزي والذي عنون مداخلته بـ"المكاسب الدستورية بتونس" فقد عدد جملة المكاسب التي تمخضت عن المسار الانتقالي وأهمها دستور الثورة وما أفرزه من منظومة المؤسسات. هذه المكاسب الدستورية تعدّ حسب المتدخل أهم المكاسب النموذجية للثورة التونسية والتي يجب المحافظة عليها والتأسيس انطلاقا منها لبناء بقية المسار الانتقالي.  

وركزت المداخلة إثر ذلك على تحليل عمل لجنة بعينها داخل المجلس الوطني التأسيسي وهي لجنة  العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في سنوات ما بعد الثورة. 

واختتم مدير مركز الدراسات العربية والتطوير محمد هنيد، أعمال المؤتمر بمداخلة حول دور الإعلام في التأثير على مسار التجربة التونسية. وقد ركز المتدخل على الأدوار السلبية للمنظومة الإعلامية من خلال تشويهها لصورة الثورة والتنقيص من قيمة المنجز الانتقالي مدعومة بأذرع مالية وسياسية داخل أجهزة الدولة. كما أشار المتدخل إلى ارتباط هذه المنظومة بمنظومة الثورة المضادة في المنطقة العربية ككل والتي كانت مسنودة ماليا بالأنظمة السياسية الداعمة للانقلابات على ثورات الشعوب. 

وأشار المحاضر إلى أن ضرب الثورة التونسية واستهداف الدول التي ساندتها يدخل في إطار بث الفوضى وضرب السلم الاجتماعي من أجل تسهيل مشاريع استعادة البنى القديمة للسلطة السياسية. 

في الختام ثمّن المحاضرون مكاسب الانتقال الديمقراطي التونسي رغم كل التعثرات ورغم كل الانتكاسات مؤكدين على ضرورة مواصلة المسار بالطرق السلمية التي تبنتها الثورة التونسية وعلى رأسها الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. 

وأجمعوا على أهمية الالتقاء حول المشترك الفكري والثقافي والسياسي وتفادي الوقوع في ما وقعت فيه تجارب ثورية أخرى عربية وغير عربية.

 

التعليقات (0)