هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رغم حجم الأسطول المتواضع الذي تملكه شركة "أجنحة الشام" السورية الخاصة، والذي لا يتجاوز في أحسن الأحول من أربع إلى ست طائرات مستأجرة، تردد اسمها كثيرا في الآونة الأخيرة، مقترنا بقضايا وملفات إشكالية، من أهمها مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وكذلك نقل مرتزقة من جنسيات مختلفة من سوريا إلى ليبيا.
وترصد "عربي21" في هذا التقرير، ملف هذه الشركة (أجنحة الشام) من الملكية وظروف التأسيس، وصولا إلى الاتهامات التي تطال عملها، ودورها في اغتيال سليماني، الذي أقلته إحدى طائراتها من دمشق إلى بغداد، حيث لقي حتفه مع عسكريين إيرانيين وعراقيين في بغداد، بضربة صاروخية أمريكية.
أجنحة الشام
وتتخذ "أجنحة الشام" وهي الشركة السورية الوحيدة الخاصة في مجال الطيران المدني، من مطار دمشق الدولي مقرا لها، وتصفها وسائل إعلام النظام بالناقل الوطني الثاني، بعد الناقل الجوي الحكومي الأول "السورية للطيران" المملوك للدولة.
وعن تأسيس الشركة الذي يعود إلى نهاية العام 2007، والظروف التي استدعت إدخال شركة طيران خاصة لسوريا، وكسر احتكار القطاع الحكومي للنقل الجوي المدني، يعيدنا الباحث بالشأن الاقتصادي يونس الكريم، إلى الحالة الاقتصادية التي كانت سائدة في سوريا في منتصف العقد الماضي.
وفي حديثه لـ"عربي21" يوضح الباحث، أن الاقتصاد السوري في تلك الفترة كان ينتظر مشاريع استثمارية أجنبية ضخمة، وتحديدا في ضواحي العاصمة دمشق، حيث كان من المخطط أن يتم تحويل مطار المزة العسكري إلى مطار مدني، ليكون بوابة للمستثمرين العرب والأجانب على سوريا، وكان لا بد من شركة طيران خاصة بجودة مرتفعة لهذا الغرض، بينما يتكفل مطار دمشق الدولي بالمسافرين العاديين.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، كان للعقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا آثار سلبية على شركة الطيران السورية منذ العام 2005 على خلفية قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وكان من الضروري الالتفاف على تلك العقوبات للحصول على قطع غيار للطائرات السورية، وفق الكريم.
مخلوف أم الأسد؟
يؤكد أكثر من مصدر سوري ومنهم الخبير الاقتصادي والمفتش المالي المنشق عن النظام منذر محمد، أن المالك الحقيقي لشركة "أجنحة الشام"، هو بشار الأسد شخصيا، بالشراكة مع قريبه رجل الأعمال رامي مخلوف، غير أن معرفات الشركة على وسائل التواصل الاجتماعي، لا تأتي على ذكر ذلك، وتكتفي بالإشارة إلى ملكية "مجموعة شموط" التجارية لها.
وحسب حديثه لـ"عربي21"، فإن من الصعب التمييز بين مقدرات الدولة السورية وبين المقدرات التي يمتلكها آل الأسد، موضحا بقوله: "يهيمن الأسد على كل مقدرات الدولة، ويضع شخصيات هنا وهناك كواجهة لإدارة الاقتصاد السوري، الذي هو أشبه بحالة اقتصادية، وليس اقتصادا بالمعنى المتكامل".
ومشاطرا محمد في الرأي، يؤكد الباحث يونس الكريم، أن "النظام يدير من خلال غرفة مالية حركة الأموال في سوريا، من خلال إقامة مشاريع ومنح تراخيص لبعض الشخصيات، وفي حالة "أجنحة الشام" وقع الخيار في إدارتها على رامي مخلوف"، وفق تأكيده.
لكن لماذا يحاول النظام الإيحاء بأن ملكية الشركة تعود لـ"مجموعة شموط" التجارية؟، يرد الكريم "لدى النظام هاجس من العقوبات الدولية التي قد يتعرض لها، ولذلك يحاول الالتفاف عليها من خلال التمويه، والتلاعب بملكية وتراخيص الشركات التابعة له".
ومدعما حديثه، شكك الكريم بقدرات "مجموعة شموط " الاقتصادية المتواضعة التي لا تخولها إدارة شركة طيران خاصة، على حد تقديره.
لكن ثمة سبب هام آخر، يفسر إدعاء النظام بملكية "مجموعة شموط" لشركة "أجنحة الشام"، يشرحه الخبير منذر محمد بقوله "بدأت مخاوف النظام تزداد من سطو روسيا على الشركات في سوريا، وخشية ذلك يخفي الأسد ملكيته لكثير من الاستثمارات، خوفا من وضع موسكو اليد عليها، ومنها شركة "أجنحة الشام" الخاصة".
تحت الحجز الاحتياطي
وفي منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي، قامت وزارة النقل التابعة لنظام الأسد بـ"الحجز الاحتياطي" على الأموال المنقولة وغير المنقولة لرجلي أعمال في شركة "أجنحة الشام"، وهما محمد أنور شموط ومحمد عصام شموط.
وأوضحت أن الحجر جاء نتيجة عدم تسديدهما الديون المترتبة عليهما لصالح مؤسسة الطيران السورية والتي تبلغ قيمتها 14.5 مليون دولار.
وحول أسباب ذلك، عزا الباحث يونس الكريم ذلك إلى الصراع بين أجنحة النظام السوري، بين حرس قديم وآخر جديد تديره أسماء زوجة بشار الأسد، منوها بحالة انقسام حاد داخل الغرفة الاقتصادية التابعة للنظام.
اتهامات بالجملة
ومنذ اندلاع الثورة السورية، والاتهامات تتجدد لشركة "أجنحة الشام"، من نقل عناصر المليشيات المرتبطة بإيران إلى داخل سوريا، مرورا باتهامات بالمساهمة بتجارة غير مشروعة لـ"حزب الله"، وصولا إلى نقل مرتزقة من شركة "فاغنر" الروسية من سوريا إلى ليبيا، وانتهاءا بالتورط بمقتل قاسم سليماني.
وفي آخر التطورات المتعلقة بمقتل سليماني، تضاربت الأنباء حول اعتقال عدد من الموظفين في شركة "أجنحة الشام"، ففي حين كشفت تقارير إعلامية عن اعتقال عدد منهم ، بطلب من إيران ، بسبب الاشتباه بتواصل عدد منهم مع الولايات المتحدة، وتزويد الأخيرة بلحظة سفر سليماني من دمشق وموعد وصوله إلى بغداد، نفت مصادر أخرى ذلك.
مقتل سليماني
وقبيل اغتياله، وصل سليماني، إلى بغداد على متن طائرة "إيرباص أي320" تابعة لشركة "أجنحة الشام" للطيران متجهة إلى بغداد.
وأوضحت تقارير صحفية، نقلا عن مصدر في شركة طيران النظام أن سليماني طار من دمشق إلى بغداد على متن الرحلة التي تحمل الرقم 6Q 501 وأن الطائرة أقلعت من مطار دمشق، من دون أن يكون أحدا من موظفي الشركة أو موظفي مطار دمشق على علم بأن سليماني سيكون على متن هذه الرحلة.
وكانت وكالة "رويترز" للأنباء، قد أشارت إلى احتمال تورط موظفين في "أجنحة الشام" بتصفية قاسم سليماني، لافتة إلى وجود شكوك متزايدة بالتورط بإبلاغ السلطات الأمريكية بتحركات قاسم سليماني، قبيل تصفيته بضربة صاروخية من طائرة مسيرة أمريكية.
وحسب مصادر أمنية عراقية فإن "المشتبه بهم بينهم موظفان أمنيان بمطار بغداد وموظفان في أجنحة الشام هما جاسوس بمطار دمشق وآخر يعمل على متن الطائرة".
نقل "مرتزقة" إلى ليبيا
وفي السياق ذاته، أكد المتحدث الرسمي باسم قوات حكومة الوفاق الليبية، مصطفى المجعي، أن لدى حكومته أوراق ووثائق تثبت وصول رحلات من دمشق إلى شرق ليبيا، مبينا أنه " منذ أيام ونحن نرصد وصول رحلات لشركة سورية تسمى "أجنحة الشام" تحط في مدينة بنغازي التي يسيطر عليها "حفتر" هذه الرحلات قادمة من سوريا، وهذه الرحلات لم تتوقف من فترة طويلة".
وفي تعليقه على ذلك، تساءل الخبير الاقتصادي منذر محمد، عن الجدوى التجارية من فتح خط جوي يربط بنغازي بدمشق، في هذا التوقيت، وذلك على الرغم من عدم وجود حاجة لهذا الخط.
وكان مصدر في "أجنحة الشام" قد نفى هذه الاتهامات، مشيرا في حديث لقناة "روسيا اليوم"، إلى أن الغرض من هذا الخط الجوي هو خدمة الجالية السورية في ليبيا، والتي تقدر أعدادها بالآلاف.