لم تفض المشاورات
الإضافية بين أعضاء مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار حول مستقبل آلية تقديم
المساعدات الإنسانية الأممية التي يتم إدخالها عبر الحدود (معبران مع
تركيا، ومعبر
مع الأردن ورابع مع العراق)، والتي سينتهي العمل بها في غضون أيام.
وحتى الآن لا زالت
روسيا تصر على حصر إدخال المساعدات بنقطتي العبور مع تركيا، وغلق النقطتين
الأخريين مع الأردن والعراق، والاكتفاء بتمديد آلية إدخال المساعدات لنصف عام فقط،
في حين يرفض النظام السوري حتى المقترح الروسي، متذرعا بأن دخول المساعدات عبر
الحدود لم يعد له مبرر، ويشترط إدخالها وتوزيعها بالتنسيق معه، من خلال مكتب الأمم
المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في دمشق.
وحسب الآلية السابقة،
يتولى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في غازي عنتاب التركية،
إدارة آلية إدخال المساعدات إلى الداخل السوري، وهي الآلية التي تواجه بمعارضة
شديدة من نظام الأسد.
ووسط ذلك، تثار
تساؤلات عن أسباب رفض النظام السوري إدخال المساعدات الأممية إلى الشمال السوري
الخاضع لسيطرة المعارضة.
احتكارها والتحكم
بتوزيعها
عضو الهيئة السياسية
في الائتلاف المعارض، ياسر الفرحان، قال إن نظام الأسد يريد احتكار المساعدات
الإنسانية وتوظيفها لأغراض سياسية وعسكرية واقتصادية، وبمعنى آخر يريد أن يفقدها
غاياتها الإنسانية.
وأضاف في حديثه
لـ"عربي21" أن النظام في معارضته لإدخال المساعدات عبر الحدود، يعتقد
واهماً أنه يستعيد اعتبارات السيادة لسلطاته على كامل الأراضي السورية، بعدما نُزع
عنها ذلك لسنوات.
وأوضح فرحان، أن
القرارات الأممية استثنت
سوريا من قواعد التعامل في إدخال المساعدات بواسطة
الحكومات، وسمحت للمنظمات الدولية بإيصال المساعدات بشكل مباشر للفئات المستهدفة،
الأمر الذي ينتقص من شرعية النظام القانونية بصورة عملية.
وأردف الإضافة أن
النظام يعمل على تسييس المساعدات الإنسانية في توزيعها لمؤيديه وحرمان السوريين
الأشد احتياجا في مناطق المعارضة منها، مستخدما ذلك في أغراض عسكرية للضغط على
أهالي مناطق الشمال المستهدفة بأعماله العدائية، ومن خلال حرمانهم من الغذاء
والدواء والمأوى، بعدما شرد قرابة المليون منهم في الأشهر الأخيرة انتقاما منهم على
مواقفهم السياسية بمعارضته، وضغطا عليهم كي يذعنوا لشروطه في الاستسلام والمصالحة
والمغادرة.
دوافع اقتصادية
ويهدف النظام، حسب
الفرحان، إلى تحريك عجلة الاقتصاد الراكدة في مناطقه وباستخدام مساعدات الأمم
المتحدة سلعة في الأسواق يبيعها من خلال أتباعه وسماسرته، وبتواطؤ من جمعياته ومن
الهلال الأحمر السوري المسيطر عليه أمنيا، وليترك الشعب السوري يعيش أسوأ مأساة
إنسانية يشهدها العالم في القرن الواحد والعشرين.
ومتفقا مع الفرحان،
أكد الخبير المالي والاقتصادي منذر محمد، أن النظام يريد الاستحواذ على المساعدات،
ليحصر توزيعها بالموالين الذين يقاتلون في صفوف قواته تحديدا، حتى يزيح عن كاهله
شيئا من الالتزامات الاقتصادية تجاهم.
وفي حديثه
لـ"عربي21" أردف محمد، أن الشواهد على توزيع النظام السوري للمساعدات
الإنسانية في المناطق العسكرية، حيث أظهرت العديد من الصور والمقاطع المصورة
استخدام جيش النظام والمليشيات المتحالفة معه، للمواد الإغاثية الأممية، من عوازل
مطرية، وسلل غذائية".
وحسب محمد، فإن النظام
السوري، يوزع هذه المساعدات على عناصر قواته، بدلا من إطعامهم، ليقلل من النفقات
ما أمكن، بسبب تدهور اقتصاده، والتكاليف الكبيرة التي تتطلبها آلة الحرب".
تجويع مناطق المعارضة
أما المحامي السوري
المعارض، عقبة باريش، العامل بالشأن الإنساني، ففسر موقف النظام السوري الرافض
لإدخال المساعدات الأممية، برغبته في تجويع السكان في المناطق الخارجة عن سيطرته،
كإجراء عقابي لهم بسبب خروجهم عن طاعته.
وفي حديثه مع
"عربي21" عدّ باريش ذلك، بأنه استمرار لنهج النظام السوري ضد المناطق
الخارجة عن سيطرته منذ اندلاع الثورة السورية، أو ما يعرف بشعار "الجوع أو
الركوع".
وقال، إن النظام يحاول
نزع الصفة الإنسانية عن المساعدات، والإدعاء بأن إدخال المساعدات من دون التنسيق
معه، يعد مساسا بالسيادة الوطنية، على الرغم من عدم وجود أي صفة سياسية لهذه
المساعدات.
وأردف، أن روسيا كذلك
تتخذ من موضوع المساعدات الإنسانية وسيلة للضغط على الدول الإقليمية المجاورة
لسوريا، وذلك لزيادة المعاناة الإنسانية على مقربة من حدودها.
وأضاف باريش، تحاول
روسيا الاستفادة من الملف الإنساني لزيادة الضغط على تركيا وغيرها، لتحصيل أكبر
قدر من المكاسب.
وعلى المنوال ذاته،
قال الخبير الاقتصادي والمالي منذر محمد، إن "النظام يرى أن إدخال المساعدات
الإنسانية إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، وتحديدا في الشمال الغربي المجاور
لتركيا، مساعدة للأخيرة في إنقاذ الوضع الإنساني، وهو يريد أن يزيد من حجم الإنفاق
التركي في الملف الإنساني، معتقدا أنه بذلك يزيد من الأعباء على الاقتصاد
التركي".
الائتلاف يطالب باتخاذ
التدابير
وفي 20 كانون
الأول/ديسمبر الماضي، كانت روسيا والصين قد استخدمتا حق النقض (الفيتو) لمنع إصدار
قرار يمدد لعام آلية المساعدات التي تعبر إلى الداخل السوري عبر أربعة معابر
حدودية.
وفي هذا السياق، كشف عضو الهيئة السياسية في
الائتلاف، ياسر الفرحان، عن إرسال الائتلاف لأكثر من مذكرة إلى مجلس الأمن، توضح
كيف أن نظام الأسد بات يشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين، وتطالب باتخاذ
التدابير الفعلية اللازمة لإنقاذ المدنيين في سوريا، وإنقاذ مصداقية الأمم
المتحدة.
وأطلع فرحان
"عربي21" على المقترحات التي قدمها الائتلاف في هذا السياق، وهي على
الشكل الآتي:
-تقديم
مشاريع القرارات بمواجهة روسيا باعتبارها طرفا في النزاع، تطبيقا لأحكام الفصل
السادس والفقرة 3 من المادة 52، وإعمال نص الفقرة الثالثة من المادة 27 من ميثاق
الأمم المتحدة، والتي تشترط امتناع الدول الطرف في النزاع عن التصويت.
- إيجاد صيغة
بإحالة الملف إلى تحالف دولي أو إلى الأمم المتحدة لاتخاذ تدابير رادعة للنظام في
حالات عدم امتثال النظام وداعميه للقرارات الدولية.
- إدخال
المساعدات الإنسانية عبر الحدود بتمديد قراري مجلس الأمن 2165 (2014) و 2449
(2018) أو بإيجاد بصيغة أخرى تحقق الغاية بتلافي حق النقض (الفيتو) المستخدم
لتعطيل الإجماع الدولي في مجلس الأمن.
- زيادة
وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية المقدمة، بما يلبي الاحتياجات الأساسية والطارئة،
في مجالات المأوى والغذاء والتعليم والصحة والخدمات، للنازحين والمقيمين في تلك
المناطق.
- دعم جهود
المسار السياسي وصولاً للانتقال السياسي وعدم السماح للنظام بإفشاله مرة أخرى، مع
النظر إلى أن الحل الجذري للأزمة الإنسانية في سوريا يستدعي الوصول إلى الحل
السياسي بالتنفيذ الكامل للقرار 2254 (2015).
- إدانة
الأعمال العدائية وإحالة المتورطين باستهداف المدنيين إلى محاكمات شخصية عادلة
بموجب التشريعات الوطنية وبتفعيل الاختصاص الشامل للنظر في جرائم الحرب.
- حماية
الأعيان المدنية والمستشفيات استناداً للقرار 2286 (2016) والمحاسبة المشددة على
استغلال آلية تبادل المعلومات ومخالفة نظام تفادي التضارب المعتمد من الأمم
المتحدة والمعمول به في منطقة خفض التوتر.
ومن المنتظر أن يتم
التوافق على آلية جديدة لإدخال المساعدات الأممية إلى سوريا، وحسب مصدر خاص
لـ"عربي21"، فإن المشاورات ستمتد حتى العاشر من كانون الثاني/يناير
الجاري.
وأردف المصدر، أن
المرجح أن يتم إلغاء إدخال المساعدات من معبر اليعربية مع العراق، والاكتفاء
بمعبرين مع تركيا، وثالث مع الأردن.