أثارت التغييرات التي أجرتها الحكومة
العراقية
داخل قيادة الأجهزة الأمنية، عقب إعلان الرئيس برهم صالح رفض تكليف مرشح كتلة
"البناء" أسعد العيداني بتشكيل الحكومة، تساؤلات عدة حول أسبابها
وتوقيتات إعلانها.
وطالت تلك القرارات، ثلاثة مواقع أمنية مهمة،
أولها، تعيين قائد جديد لقوات جهاز
مكافحة الإرهاب خلفا للفريق الركن المبعد عبد
الوهاب الساعدي، والثاني، تغيير قائد القوات الخاصة، أما الثالث فقد تضاربت حوله
الأنباء، وهو تعيين قائد مقرب من مليشيا بدر مسؤولا عن حماية المنطقة الخضراء
ببغداد.
تلك الإجراءات سبقها إعلان قوات الحشد الشعبي
حالة التأهب والاستنفار الأمني القصوى، والتي بررها مصدر أمني في حديث لمواقع
محلية، بأنه يأتي تحسبا لتحركات أمريكية "متوقعة".
"تخشى الانقلاب"
وتعليقا على هذه التطورات والأهداف المتوقعة
منها، قالت مصادر سياسية طلبت عدم كشف هويتها في حديث لـ"عربي21" إن
"الأحزاب والمليشيات القريبة من
إيران تعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية
تحاول فرض واقع سياسي جديد في العراق، مستغلة بذلك المظاهرات الشعبية".
المصادر أكدت أن "تخوفات الجهات الشيعية
هذه ذهبت إلى أبعد من ذلك، فهي تعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تهيئ لانقلاب
عسكري يقوده قادة في جهاز مكافحة الإرهاب، الذي شكلته واشنطن وتشرف على تدريبه
وتسليحه حتى اليوم".
وأشارت إلى أن "الهجمات الأخيرة على مقر
قوات جهاز مكافحة الإرهاب في محيط مطار بغداد الدولي، والتي اتهمت فيها واشنطن
مليشيات عراقية موالية لإيران، تدل أيضا على تلك المخاوف".
وأوضحت المصادر ذاتها أن "القوى السياسية
الشيعية التي تدير دفة الحكم في البلاد من 16 عاما، في الوقت الذي تصعد فيه الخطاب
ضد الولايات المتحدة الأمريكية لكنها تخشى من حدوث فوضى ينفرط فيها الأمن،
وبالتالي الإطاحة بسلطتهم".
ولفتت إلى أن "السياسيين الشيعة وقادة
المليشيات تعتقد أن قادة كبار في الدولة العراقية، يتواطؤون مع الولايات المتحدة
الأمريكية للإطاحة بالنظام السياسي الحالي في البلد، الذي يدين بالولاء لجارة
العراق الشرقية إيران".
فرض السيطرة
من جهته، قال الخبير العسكري العقيد الركن حاتم
الفلاحي في حديث لـ"عربي21" إن "القيادة السياسية التي تحكم البلد
هي جاءت بإرادة أمريكية وإيرانية، وهي تحظى بدعمهما منذ 2003 وحتى اليوم، وبالتالي
فإن مسألة الانقلاب على النظام السياسي بدعم أمريكي غير واردة، لأسباب متعددة".
وأوضح الفلاحي، أن "تعدد مراكز القوى
والقرار في العراق، يجعل من مسألة الانقلاب العسكري غير وارد وصعبة جدا، لأن
المؤسسات العسكرية والأمنية ليست بقبضة مسؤول واحد، وإنما هي مراكز متعددة للقوى، فالبيشمركة بيد
الأكراد، وجهاز مكافحة الإرهاب لرئاسة الوزراء، والحشد الشعبي بيد أبو مهدي المهندس
وإيران، ووزارتي الدفاع والداخلية مخترقة من المليشيات منذ التأسيس، بعدما دمجهما
عام 2003".
ورأى الخبير العسكري أن "التغييرات
العسكرية هي جزء من السيناريو الذي يعده الحشد الشعبي تحسبا للسيناريو الأسوأ الذي
يمكن أن يتعرضون له خلال الفترة المقبلة، لذلك هم يحاولون السيطرة على المفاصل
المهمة في الأجهزة الأمنية والعسكرية، وهو يعكس حالة الحرج الكبير والتخبط التي
يمرون بها بسبب الاحتجاجات الحالية، ومطالبها المرفوعة".
وبحسب قول الفلاحي، فإن "القيادة السياسية في العراق تشهد تخبطا
واضحا للقيادة، وهذا بدا جليا من خلال تنسيب عدد من القيادات الأمنية إلى
المحافظات الجنوبية التي اندلعت فيها المظاهرات منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي".
ولفت إلى أن "هذه القيادات العسكرية
ارتكبت مجازر كما حصل في الناصرية وكربلاء والنجف وحتى في بغداد، وهذا يعبر عن
مشكلات حقيقة في القيادة العراقية وولاء القيادات العسكرية للقيادة السياسية
الحاكمة بالبلد، وخصوصا أن من يحكم اليوم هم مليشيات موالية لإيران".
وأوضح الفلاحي أن "القيادة السياسية الموالية
لإيران، لا تريد أن تكون هناك قيادات عسكرية خارج النفوذ الإيراني، لذلك هي تحاول
السيطرة الآن على المفاصل المهمة في الدولة، فالمنطقة الخضراء فيها سفارات كثيرة
ومنها سفارة واشنطن، إضافة إلى مواقع الدولة الحساسة، وبالتالي فإن السيطرة عليها
تعتبر مسألة مهمة لإيران والمليشيات المسلحة".
سيناريو احترازي
وبخصوص التركيز على جهاز مكافحة الإرهاب، أكد
الفلاحي لـ"عربي21"، قائلا: "هناك خشية من جهاز مكافحة الإرهاب،
الذي شكل بعد عام 2003 بدعم وتسليح وتدريب من الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا
التشكيل مدرب على القتال الداخلي والخارجي، وبالتالي فإن المليشيات تعتقد أنه ليس
مخترقا بما فيه الكفاية بحيث يمكن تأمينه".
وتابع الخبير العسكري العراقي: "لذلك هم
يحاولون الآن تنسيب بعض القيادات الأمنية التي تتبع للحشد الشعبي والنفوذ
الإيراني، لمعرفة تحركات هذا الجهاز".
وشدد الفلاحي على أن "تعيين عبد الكريم
التميمي قائد لقوات الجهاز مكان الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، هو جزء من
احتراز الحشد الشعبي، خصوصا وأن هناك مشكل حقيقي مع الرئاسة العراقية، واتهام برهم
صالح بأنه مشترك بمؤامرة كبيرة جدا فيما يخص دعم المتظاهرين بالعراق".
وأردف العقيد الركن في الجيش العراقي السابق،
قائلا: "بالتالي هذه الأسباب تدفع الحشد إلى التحسب لوجود مؤامرة لمسك زمام
الأمور في البلد، واستخدام القوة لإخراج النفوذ الإيراني".
وأعلن الرئيس العراقي برهم صالح، الخميس،
الماضي رفض تكليف مرشح كتلة "البناء" أسعد العيداني، مبديا استعداده
لتقديم الاستقالة أمام البرلمان في حال لم تقدم الكتل السياسية مرشحا يحظى بقبول
المحتجين.