فنون منوعة

"خيال مآته"... الدور الذي لا نرضاه لأحمد حلمي

حلمي
حلمي

 يحتاج صانعو الأفلام الكوميدية –في الغالب- أن يتنازلوا عن كثير من فنيات أفلامهم وعن البناء المنطقي والهادف لأفلامهم لصالح تقديم مادة كوميدية قادرة على رسم الابتسامة على وجه الجمهور. هذا ما يحصل في الكثير من الأفلام الكوميدية العربية، وإذا حاولنا البحث عن استثناءات فستكون أفلام الفنّان المصري أحمد حلمي أحد أبرز هذه الاستثناءات. إذ إنه يسعى إلى تقديم مادة ذات محتوى متين فنيًا في قالب كوميدي قادر على الإضحاك دون أن يضطر إلى ابتذال السيناريو أو إلى كسر منطقية بناء العمل. ولا نستطيع أن ننكر الأصول العالمية لأغلب أفلامه، لكنه في المقابل نجح في تمصير هذه الأفلام وتقديمها في إطار بيئة جديدة وبشكل يعبّر عن المجتمع الذي تتناوله هذه الأفلام أكثر من تعبيرها عن الأصل.

مثل هذه الأفكار المسبّقة تحضر في ذهن المشاهِد قبل مشاهدة أي عمل جديد يحمل بصمة حلمي، غير أنه سيصدم بعد أن ينتهي من مشاهدة فيلمه الأخير "خيال مآته" –إخراج خالد مرعي 2019- لأنه لن يخرج بنفس الانطباع الذي يخرج به بعد كل مرة يشاهد فيها أداء حلمي. ولمعرفة ما الذي فعله هذه المرة في فيلمه علينا إعادة ترتيب الأمور في الذهن لعلنا نعرف أين أخطأ كي يخرج لنا بهذا الفيلم المتهافت.

لقد جمع في فيلم واحد مجموعة من أبرز نجوم السينما والدراما المصرية الذين قاربوا على ختام مسيرتهم الإبداعية: حسن حسني ولطفي لبيب وعبدالرحمن زهرة وتوفيق رشوان وإنعام سالوسة، وذلك إلى جانب عدد من الفنانين الذين لا يزالون في عز عطائهم مثل منة شلبي وخالد الصاوي وبيومي فؤاد وحلمي نفسه. وربما أتى حشد هذا العدد من الفنانين الكبار في إطار تكريمي لمجهودهم وعطائهم، وهي لفتة جيدة على المستوى الإنساني ولكن كثرة العدد مقارنة بالأدوار الصغيرة التي مُنحت لهم فرّغت حضورهم من أي معنى حتى بدا حضورا مقحمًا.

يقوم حلمي بدور الشخصيتين الرئيسيتين (الجد يكن والحفيد عزيز) في الفيلم الذي يتمركز حول زمنين (الستينيات والزمن الحاضر) وحول الذكريات والأحداث التي تجعل الزمنين يتقاطعان من جديد، وعلى الرغم من القطيعة بين الجد البخيل الذي جمع ثروة طائلة من النصب والاحتيال والحفيد الفقير المستقيم الذي يعيش خارج دائرة جده، فإن حادثة مفصلية تضعهما وجهًا لوجه. ولكن قبل الحديث عن الحادثة يجب أن نعيد ترتيب الأحداث في الذهن علما بأنّ المشاهِد لن يخسر كثيرًا فيما لو حرقنا له أحداث القصة:

يقوم يكن في عام 68 بسرقة إيرادات إحدى حفلات أم كلثوم (الشهيرة بالست) برفقة صديقه خليل وخطيبته، كما أنه يسرق روج الست (عقدها) كشبكة سيقدمها لخطيبته. لكنه في طريق العودة إلى البيت سيصطدم بمجموعة من الأشخاص يطلقون على أنفسهم اسم "الكيان" يطلبون منه الانضمام إلى كيانهم الذي سيأخذه إلى قمة المجد والثراء، ولكن بشرط أن يدفع ثمن الانضمام إليهم الذي هو روج الست. يوافق يكن ويطلب من صديقه خليل تزوير نسختين من الروج؛ واحدة سيخدع بها حبيبته والثانية يخدع بها الست للحصول على المكافأة المرصودة من قبلها لمن يعثر على الروج (وهو ما لم يحصل وسيحتفظ خليل بالنسخة لأسباب لا يعلمها إلا الله والمخرج). ستختفي حبيبته بعد حصولها على الروج وسيظل يكن يعتقد طيلة تلك السنوات أنها خدعته حتى تغيّر تطورات الأحداث رأيه. وسيظل الروج المحفوظ في الكيان الذكرى الوحيدة التي تقربه من ماضيه ومن محبوبته.

 

اقرأ أيضا: ثلاثون عاما على فيلم رابطة الشعراء الموتى.. اقطف زهورك متى استطعت

وذلك يحصل حينما يقرر الكيان –رغما عن الجد- بيع الروج للأمير الذي يدفع به مبلغًا طائلاً في باب صراعه مع القيصر (خالد الصاوي) الذي يدفع به مبلغًا طائلاً، فيقرر يكن تنحية مشاعره والبحث عن صديقه خليل كي يزور له الروج مرة أخرى، فيبيعه مرتين (للأمير والقيصر). وستشاء ظروف السيناريو وصدفه أن يكون خليل (الفنان حسن حسني) مصابًا بنوع من فقدان الذاكرة متوقفة عند اليوم الذي كان يستعد فيه لسرقة الحفل، وبما أنه لن يتعرّف على يكن العجوز فلا بد من استعادة يكن الشاب كي يقوم بمسرحية سرقة حفل الست وكي يعرف يكن العجوز أن يخبئ خليل النسخة المزورة.

وهنا يأتي دور الحفيد عزيز ليقوم بهذا الدور، ولإقناعه بالدور سيمثل الجد دور التوبة وتصحيح الأخطاء وسيقنع حفيده بمساعدته على التوبة ومحاولة استعادة الروج –يوهمه أن روج خليل حقيقي- في سبيل إعادته إلى مكانه الحقيقي في المتاحف. وسيدخل الحفيد في اللعبة وستتطوّر الأحداث حينما يكتشف الحفيد أنه كان مخدوعا وأنه مجرد "خيال مآته". هنا ستتطوّر الأحداث ويدخل الجد في سلسلة أحداث وتغييرات حقيقية في شخصيته تدفعه في النهاية إلى مساعدة حفيده على سرقة جميع مقتنيات الكيان من التحف والآثار وإعادتها إلى أصحابها.

 لقد عمد المخرج خالد مرعي إلى تغطية ثغرات الفيلم بطريقة تستخف بذكاء المشاهِد؛ فحينما أراد معرفة مكان الروج المزوّر لجأ إلى تجميد الزمن في ورشة/ شقة خليل؛ فتظهر الشقة بعد كل هذه السنوات الطويلة كما هي دون تغيير أو تحريك شيء من مكانه باستثناء مسحة الغبار وخيوط العنكبوت التي تتطلبها اللحظة السينمائية. وحينما أراد أن يقنع يكن بأن حبيبته لم تغدر به، لكنها اكتشفت حيلته من خلال صديقه خليل الذي أفشى سره، لجأ إلى تجميد الزمن أيضًا في شقتها كي يتاح له زيارتها وليجد رسالة خليل على الطاولة كما هي.

وكي يخدم يكن خدمة عمره التي ستساعده على التوبة الحقيقية وعلى إخراج حبكة الفيلم من مأزقها ترك له النسخة المزوّرة الثانية من الروج في شقتها، ليأتي يكن ويمرر النسختين على المشتريين (الأمير والقيصر) ويعيد روج الست إلى مصر. متناسيًا أن الحبيبة كانت شريكة في السرقة وأنّ غضبها كان سببه عدم حصولها على الروج وليس سرقته.

 على المستوى الكوميدي جاءت كثير من القفشات الكوميدية باهتة ومنفصلة عن سياق الفيلم، كما أن كثرة عدد الفنانين الساخرين في الفيلم أضعفت الهالة الكوميدية التي عادة ما يحيط حلمي نفسه بها. إنّ حضور هذا العدد من أصحاب الدور الكوميدي الثانوي نجح جماهيريًا في أفلام عادل إمام ولكنه فشل في أفلام حلمي؛ ربما لأن إمام (الزعيم) قادر على المحافظة على مركزيته في أفلامه فتشكل الكثرة إضافة إلى الفيلم، على العكس من حلمي الذي شتّت هذه المركزية وأضعف حضوره رغم قيامه بدور شخصيتين في الفيلم.

إضافة إلى أنّ قصص الحب في الفيلم ظهرت غير مقنعة كما في أفلام حلمي السابقة، إذ سيتساءل المشاهِد عن منة شلبي؛ هل هي نفسها التي وقف حلمي أمامها في فيلم "آسف على الإزعاج"؟ أو أنها فنانة أخرى؟ وهذا ينطبق على الجد ومحبوبته الهاربة التي كان يستذكرها من خلال الاستماع إلى أغاني الست التي اشتركا في سرقتها!

التعليقات (1)
ربيع اليمن
الأحد، 29-12-2019 07:43 ص
احمد حلمي انتهى بسبب التكرار والسهوكة! كل ابناء جيلة انتهو بسرعة هاني رمزي محمد هنيدي محمد سعد اللمبي. حتى الفنان تامر حسني بسبب السهوكة والتكرار انتهى رغم وسامتة وعضلاتة. السهوكة: هي التميلح او الغنج والمسكنة والنعومة . السيسي احد الممثلين الذين مارسوا السهوكة على الشعب المصري كالبكاء وانتم نور عنيا... يبقى الزعيم عادل امام الاستثاء عربيا وعالميا