هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
وصل عيد الميلاد إلى بيروت، في وقت تجتاح فيه لبنان عاصفة مالية اقتصادية أمنية منذ اندلاع الاحتجاجات في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وحلت شجرة الأمنيات التي صنعها المحتجون محل زينة العيد بوسط المدينة، فيما رفعت الفنانة ماجدة الرومي صلواتها من إحدى كنائس بيروت من أجل خلاص بلادها.
وخلت الشوارع والمتاجر كما كادت المطاعم أن تخلو من الزبائن؛ نتيجة أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها لبنان، التي تعود إلى استشراء الفساد وهدر الأموال العامة، منذ الحرب الأهلية التي جرت بين عامي 1975 و1990 .
وأثارت المشكلات الاقتصادية احتجاجات ضخمة ضد النخبة الحاكمة، وفرضت البنوك قيودا على الأموال، وتراكمت الضغوط على العملة المحلية المربوطة بالدولار، ودفع نقص العملة الصعبة المستوردين إلى رفع الأسعار.
وتراجعت حجوزات الفنادق والطائرات خلال موسم عادة ما يكون مزدهرا في لبنان، الذي يضم أكبر نسبة من المسيحيين مقارنة بعدد السكان في دول العالم العربي.
ورغم ذلك، لم تتردد الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي في اتخاذ قرار يرفع صوت المناجاة لخلاص لبنان، متوجهة إلى السيد المسيح في ميلاده "عينك ع وطنا بالأيام الصعبة".
وداخل كنيسة الأيقونة العجائبية للآباء اللعازريين في منطقة الأشرفية في بيروت، صلت الرومي ليومين متتاليين، وسط حضور ردد معها ترانيم وأغنيات من وحي عيد الميلاد.
وقالت الرومي على مسرح الكنيسة إنها قررت مع ظروف البلاد الصعبة أن تلغي الحفل، لكنها مع بدء شهر الأعياد شعرت "بحزن فظيع".
أضافت: "شو ما صار يصير، فنحن شعب مغوار، مين قدّنا تحمل منذ جدودنا إلى اليوم".
وطلبت الرومي من الجمهور الذي جاءها مستمعا في الكنيسة أن يظل مؤمنا، ولا يخاف المجاعة، وسألت الحاضرين: "ألستم أنتم أحفاد الناس الذين ماتوا بلبنان وقت المجاعة؟ وقت الذي جوعوا فيه اللبنانيين بحرب العام 1914؟ أنتم أحفادها. الناس قدروا أن يكملوا كانوا أهاليكم وناسكم".
وأعطت الفنانة اللبنانية أمثلة أخرى عن حروب عاشها اللبنانيون، وبينها الحرب الأهلية التي امتدت من عام 1975 إلى 1990، وقالت: "كيف عشنا كل حرب لبنان؟ بالليل وبالملاجئ، وفي الصباح نخرج لنجمع الزجاج. ألستم أنتم؟ نعم كلنا عملنا هكذا، وكنا نسهر على (ضوء) شمعة...نحن اخترعنا أسبابا لنعيش ونكمل ونفرح، ويظل في مطرح للضحكة". وبثوب أحمر يحاكي هدايا الميلاد، شدت الرومي بأغنيتها التي رافقت اللبنانيين طيلة الحرب الأهلية "يا نبع المحبة"، وأبكت الرومي الحاضرين في الكنيسة لدى شدوها مقطعا يقول: "وينك يا يسوع وطنا موجوع. وطنا يا ربي نسيتو المحبة".
وتحت فيء شجرة تحمل أماني الناس مصنوعة من حديد وخشب وقماش مضاد للمياه، كان ناشطون لبنانيون يجهزون عشاء فاخرا احتفالا بقدوم عيد الميلاد في ساحة الشهداء رمز اندلاع الانتفاضة.
ويقول لبنانيون كثيرون إنه ليس هناك أسباب تذكر للبهجة هذا العام، في ظل احتجاجات شابها العنف بعضها .
لكن أسماء اندراوس، وهي أحد منظمي العشاء في وسط بيروت، فكرت بطريقة معاكسة، وحاولت إضفاء لمسة فرح.
وقالت اندراوس إنها ومجموعة من المتطوعين فكروا في جمع اللبنانيين من كافة مناحي الحياة والأطياف في ساحة الشهداء، ذات الرمزية الخاصة. وقدم مطعم (الطاولة) الذي يوظف طهاة ومزارعين من شتى أنحاء البلاد أطباقا من الدجاج المشوي الساخن مع القمح المدخن، ويسمى (فريك)، في خيمة في الساحة على مقربة من شجرة ميلاد ضخمة. وقالت اندراوس لرويترز: "لأن عيد الميلاد هو عيد عطاء وفرح، وبما أن كتير من إخواننا بلبنان (أمورهم) صعبة ماديا، هالفترة قررنا نعمل هيدا العشا... هي دعوة مفتوحة من بيحب يتفضل هيك شوية حب وشوية دفى وشوية أكل طيب؛ منشان تنعيد كلنا سوا".
وقال زاهد زغيب، وهو أحد المعتصمين في ساحة الشهداء، من بعلبك، إنه يشعر مع الكثير من اللبنانيين بأن أحلامهم سحقها النظام السياسي على مدى العقود الماضية. لكنه أضاف أن الأشهر القليلة الماضية أثبتت أن اللبنانيين يستطيعون الوقوف معا جنبا إلى جنب.
وقال زغيب: "ما نأكله ليس مهما، الأهم هو أن نجتمع معا، ومن الصعب تفرقتنا".