هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يستمر القلق في لبنان من انفجار وشيك للوضع الاقتصادي والمالي؛ بفعل
انكشاف "العورات" الاقتصادية، أبرزها نقص السيولة النقدية الأجنبية من أسواق
العملات اللبنانية وفي مقدمها الدولار، ما أدى إلى حالة "بلبلة" وارتباك
واسعين على المستوى التجاري والمالي.
سرعان ما استحال ذلك أزمة بدأت
تعصف بأسس القطاعات الحيوية، عدا دخول محطات الوقود على خط الأزمة، وتلويحها بالتوقف
التام بعد تنفيذها إضرابا عن البيع؛ بفعل أزمة السيولة، وضعف المعالجات الحكومية.
يأتي ذلك وسط تحديات حكومية، منها "معضلة" إقرار موازنة
2020، وانعقاد "لجنة سيدر" في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، والشروع في عملية
التنقيب عن النفط قبل نهاية العام الحالي.
توصيف الأزمة
وحدّد الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة، في تصريحات لـ"عربي21"، أزمة السيولة بأنها "نتيجة تراجع تدفق دخول الدولار إلى لبنان، في الوقت الذي
ارتفعت فيه نسبة شراء المواطنين للدولار بفعل القلق والمخاوف، وسط تحليلات وتكهنات تتحدث
عن انهيار وشيك للعملة والتداعيات المحتملة لذلك".
وأكد حبيقة أن المعادلة النقدية
واضحة لجهة وجود أزمة "بفعل ارتفاع معدل الطلب وضعف وجود السيولة؛ لعدم توفر المداخيل
على غرار الفترات السابقة"، غير أنّه قلّل من حجم التداعيات التي يتم الحديث عنها،
قائلا: "هناك مبالغات وتحليلات في غير محلها، رغم الإقرار بوجود الأزمة التي لا
تعدو عن كونها أزمة اعتيادية تصاب بها السيولة النقدية في مختلف دول العالم بين حين
وآخر".
وشدد بأن الأمور "ليست متدحرجة نحو الهاوية كما يشاع، فلا مشكلة
بنيوية في الاقتصاد وفي توفر السيولة"، موضحا: "الوضع هو نفسه منذ شهر، ولم
تتجه الأمور إلى اتجاهات أكثر سوءا، وهذا يعني أنّ النقد يحافظ على قيمته، ومسيطر عليه
من قبل مصرف لبنان".
واعتبر حبيقة أن أساس الأزمة
يكمن في تخوفات اللبنانيين، الذين يقبلون على شراء الدولار بشكل كبير يفوق ما يتوفر
في السوق من العملة الأمريكية.
وحول ما إذا كانت تطمينات مصرف لبنان مجرد محاولة لعدم تفاقم الأمور
وانفلات الوضع المالي، قال حبيقة: "لا مصلحة لمصرف لبنان في أن يعطي الناس صورة غير
حقيقية عن الوضع المالي؛ لأنّ الأمور ستتكشف سريعا، وينفضح أمر إدارة المصرف، عدا أن
المصرف يمتلك احتياطات نقدية بالدولار، ما يوفر ضمانة حقيقية لا يمكن تجاهلها".
وتوقع أن يتراجع الطلب اللبناني على الدولار في الفترة المقبلة، كاشفا
عن وجود ما يقارب 2،5 مليار دولار في عهدة اللبنانيين، وهي التي سحبت من المصارف؛ تحسبا منهم لأي تداعيات وانهيارات، لكن هذا الأمر "لن يطول مع دخول الأمان إلى نفوس المواطنين، وعودتهم للتداول في سوق العملات بشكل طبيعي".
وحذّر حبيقة من الإشاعات "المغرضة" التي تستهدف النقد والاقتصاد
في لبنان، وقال: "يتصدر عدد كبير من الأشخاص المشهد الاقتصادي حاملين سمة الخبراء،
وهم بالحقيقة ليسوا كذلك، في الوقت الذي يلجأ بعضهم إلى التداول بإشاعات خطيرة بهدف
التأثير في المستوى المالي لغايات خاصة، ربما بعضها سياسي"، لافتا إلى أنّ
"الصعوبات التي يمرّ بها لبنان اقتصاديا واقعية، غير أنّ المبالغات فيها تؤثر سلبا
على مسار التنمية والإصلاح الذي تعمل عليه الحكومة من خلال مشاريعها ومخططاتها".
اقرأ أيضا: مصرف لبنان: اتخذنا إجراءات صارمة لمحاربة الفساد.. هذه أبرزها
"الوضع
دقيق"
لكن الخبير الاقتصادي، كمال حمدان، يرى أن الوضع الاقتصادي
في لبنان "دقيق للغاية، وعلى وشك الانهيار"، مضيفا: "لم يسبق أن يبلغ
العجز في الناتج المحلي اللبناني معدل 11 بالمئة تزامنا مع العجز في الحسابات الخارجية،
حيث تراجع معدل دخول الدولار والعملات الأجنبية قياسا إلى حجم الطلب في السوق اللبناني".
وأوضح حمدان لـ"عربي21" أنّ مصادر الدولة اللبنانية من العملات الأجنبية تأتي من
الصادرات المحلية والاستثمارات الخارجية والقروض والهبات والتحويلات التي يقوم بها
المغتربون، بينما تخرج العملة الصعبة عند شراء السلع، "والتي يتكبد فيها عجزا تجاريا
بقيمة 17 مليار دولار من أصل 20، إضافة إلى شراء الخدمات الخارجية التي تدخل في مجالها
السياحة اللبنانية في الخارج والطبابة والتعليم...".
واعتبر حمدان أنّ الأزمة الخالية مردُّها بالدرجة الأولى إلى "عدم
نمو الودائع في المصارف اللبنانية سوى بشكل محدود منذ عام 2010، بعد أن كان الوضع قبل
عشرين عاما من هذا التاريخ مستقرا"، موضحا: "هي أزمة تراكمية وصلت إلى حدها
الفاصل والخطير حاليا، الذي تتحمله السلطات النقدية؛ لأنها شجعت المصارف في السنتين
الأخيرتين على معالجة النقص في السيولة برفع معدلات الفائدة، وهو حل يرحل الأزمة إلى نقطة أكثر صعوبة".
ورأى أن المشكلة المالية في لبنان "بنيوية بفعل سياسة الاستدانة
التي عمدت إليها السلطات المتعاقبة، والتي لم تفلح في المعالجة، بل عمقت هوة الأزمة"،
مشيرا إلى أن الميزانية التي قدمتها الحكومة في عام 2019 "يشوبها الكثير من الثغرات
وليست إصلاحية كما عمد أقطابها إلى الترويج لها".
اقرأ أيضا: هل تنقذ "إصلاحات الحريري" اقتصاد لبنان من الإفلاس؟