هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في مثل هذه الأيام من سنة 1988، كانت الجزائر العاصمة والمدن الكبرى في البلاد تعيش على وقع انتفاضة عارمة تفجرّت بخلفيات اجتماعية لكنها سرعان ما تحوّلت إلى فعل سياسي مطالب بالديمقراطية.
تأتي ذكرى انتفاضة تشرين أول/ أكتوبر 1988 أو ما بات يعرف بالربيع الجزائري المبكر، هذه السنة، في ظرف سياسي شبيه، يُميّزه حراك الجزائريين المتواصل منذ 7 أشهر للمطالبة بالتغيير الجذري للنظام السياسي.
ولم يمر هذا التقاطع بين الحدثين، دون أن يُخلّف ردود فعل كثيرة، استحضرت تجربة انتفاضة أكتوبر وسلوك النظام في التعامل معها وردة فعل الجزائريين، وأسقطتها على الوضع الحالي.
نقاط التلاقي
وفي نقاط التلاقي بين الحدثين، قال الباحث في التاريخ محند أرزقي فراد، إن سبب الانفجار كان واحدا، وهو العامل السياسي المتمثل في غياب الديمقراطية وما نجم عنه من مظالم وتعسف وفساد وتعطيل طاقات الشباب وحرمانها من المشاركة في التسيير الشؤون العامة للوطن.
يضاف إلى ذلك، وفق ما قاله الباحث في مساهمة مكتوبة له، انهيار أسعار المحروقات السابق للحدثين، الأمر الذي أدّى إلى انفجار مشاكل اجتماعية حادة كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير في أحداث أكتوبر، وأدّى إلى انتشار تململ كبير في الأوساط الشعبية بالنسبة لحراك فبراير.
أما الميزة المشتركة الأخرى بين الحدثين، فهي بحسب فراد تتمثل في كون الشباب العابر للأيديولوجيات هو المبادر إلى تفجير هذين الحدثين قصد تحقيق تحوّل سياسيّ جذري ينجب دولة ديمقراطية.
مسار لم يكتمل
وأدت انتفاضة أكتوبر إلى إطلاق مسار سياسي جديد، انتهى بالجزائر مع عهد الحزب الواحد من خلال وضع دستور جديد سنة 1989، فتح أبواب التعددية السياسية والإعلامية.
لكن ذلك المسار، تعرض للعرقلة بعد إيقاف المسار الانتخابي سنة 1992 ودفع الرئيس الشاذلي بن جديد إلى الاستقالة، ثم دخول البلاد في دوامة أزمة أمنية وسياسية لا تزال آثارها ظاهرة إلى اليوم.
ورغم عودة الجزائر بعد سنوات الأزمة الأمنية الطاحنة إلى المسار الانتخابي سنة 1995، إلا أن المعارضة ظلت تعتبر أن البلاد تعيش ديمقراطية صورية، بفعل تحكم النظام في عملية صناعة الرؤساء وعدم منح الجزائريين الفرصة لاختيار ممثليهم في انتخابات حقيقية.
ورسم حزب جبهة القوى الاشتراكية، بمناسبة الذكرى، صورة قاتمة عن الوضع السياسي الحالي في الجزائر، فقال إنه بعد 30 سنة من هذه الانتفاضة الشعبية يجد الشعب الجزائري والبلاد أنفسهم، رهينة لأزمة متعددة الجوانب تهدد حياتهم وسيادتهم.
وأبرزت قوى البديل الديمقراطي المشكلة من الأحزاب العلمانية واليسارية، أن الحراك الجاري اليوم يمثل امتدادا لانتفاضة أكتوبر، كونه لا يطالب فقط بتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولكنه مسار يضع مسألة الشرعية في سلم أولويات الشعب.
السلمية بدل العنف
غير أن الجزائريين في عودتهم إلى الميادين بعد 30 سنة من ذكرى أكتوبر، بدا أنهم استفادوا من تلك التجربة بعدم اللجوء إلى العنف والتأكيد على السلمية إلى غاية تحقيق كل المطالب.
وكانت أحداث أكتوبر قد خلّفت 500 قتيل، رغم أنها استمرت لـ5 أيام فقط، بفعل المواجهات العنيفة التي حدثت بين المتظاهرين وقوات الأمن التي تفاجأت بالمظاهرات.
ويُحسب للسلطة الحالية، رغم الانتقادات القوية التي تطالها، أنها حافظت على السلمية في تعاطيها مع المظاهرات، إذ لم يسجل على مدار 7 أشهر وقوع ضحايا، وهو التعهد الذي قال رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، إن الجيش قد قطعه على نفسه.
واللافت وفق الباحث في علم الاجتماع السياسي، ناصر جابي، أن الجزائريين تفادوا الكثير من الأخطاء التي وقعت في أكتوبر، فبالإضافة للتمسك بالسلمية، رفضوا استغلال مظاهراتهم في صراع العصب داخل النظام السياسي، واستمروا في التظاهر ككتلة واحدة حتى بعد إسقاط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، للدعوة إلى المطلب الأهم وهو تغيير النظام.
وأبرز جابي في تصريحه لـ"عربي21"، أن مظاهرات أكتوبر 1988، اقتصرت على شباب المدن الكبرى ولم تستمر لأكثر من أسبوع، عكس حراك 22 شباط/ فبراير الذي تحرك فيه غالبية الجزائريين وهو لا يزال متواصلا إلى اليوم، ما يعطي للحدث الثاني زخما أكبر في حال المقارنة بين الحدثين في التاريخ الجزائري الحديث.
لكن جابي في سياق تحليله، يشير إلى أن النظام السياسي، في تعامله مع حراك فبراير، يبدو أنه لم يستوعب الدرس، فهو يكرر نفس الأخطاء من خلال محاولة الالتفاف على مطلب التغيير الجذري الذي يطالب به الجزائريون، عبر التعنت في رفض الحوار وكل المبادرات والإصرار على تنظيم الانتخابات بشروطه.
مخاوف باقية
ويخشى رابح لونيسي أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، من محاولة النظام السياسي، استعمال نفس سيناريو "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بعد أكتوبر 1988، لكن بإخراج آخر، لإجهاض حراك فبراير.
وأوضح لونيسي، في حديثه مع "عربي21"، أن ظهور مرشحين محسوبين على تيار أيديولوجي معين، قد يكون الغرض منه جلب المهووسين بقضايا الهوية ومعاداة مناطق معينة إلى صناديق الاقتراع، واستغلال خطاب هؤلاء الإقصائيين من جهة أخرى، لجلب معارضيهم للانتخاب على مرشح تريده السلطة لقطع الطريق أمامهم.
وتابع لونيسي: "بهذا الشكل تكون السلطة قد حققت هدفها، وهو ارتفاع نسبة التصويت الذي يُعطي الانطباع بأن الشعب راض على النظام القائم إضافة إلى تمرير مرشحها، أو إيجاد مبرر لتوقيف الانتخابات وفرض الحالة الاستثنائية في حال فاز أحد المرشحين الإقصائيين كما حدث سنة 1992 مع الانتخابات التشريعية".
اقرأ أيضا: احتدام الجدل بالجزائر بين مؤيدي انتخابات الرئاسة ورافضيها