هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ربع قرن مضى على توقيع أبرز اتفاقية بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، والشهيرة باتفاقية "أوسلو"، نسبة للمدينة التي احتضنت هذا الاتفاق التاريخي في النرويج في الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر عام 1993.
وكثيرا ما اعتبرت هذه الاتفاقية على مدار تلك السنوات وما تزال بأنها المتسببة بما آلت إليه الأوضاع حاليا في الأراضي المحتلة، وخصوصا في ظل رفض معظم
الفصائل الفلسطينية لها، وأبرزها حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجهاد
الإسلامي.
وتنص أبرز بنود الاتفاقية على اعتراف المنظمة بإسرائيل دولة قائمة بحد
ذاتها مقابل اعتراف الأخيرة بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا للشعب
الفلسطيني، وليس بدولة فلسطين.
وأعقب الاتفاقية الكثير من التفاهمات التي قسمت أراضي الضفة المحتلة إلى
ثلاثة أجزاء حملت رموز مناطق "أ" والتي تعني سيطرة السلطة المطلقة
عليها، و"ب" وهي مناطق مشتركة السيطرة بين السلطة وإسرائيل، و"ج" وهي المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال بشكل كامل وتشمل
المستوطنات وأراض شاسعة من القرى والبلدات الفلسطينية.
القدس المحتلة
وضمن ما عرف بتفاهمات أوسلو تغير واقع مدينة القدس المحتلة؛ حيث نصت
الاتفاقية على أن مواضيع الحدود والاستيطان واللاجئين والمياه والقدس تؤجل للمرحلة
النهاية التي كان من المفترض أن تنتهي عام 1997.
كما لا يجوز لأي طرف القيام بأي
إجراء على الأرض يؤثر على الوضع النهائي، ولكن الاحتلال استغل هذه الفترة في
الاستيلاء على الأراضي وإقامة المستوطنات بحيث أصبحت المدينة مكونة من تجمعات
فلسطينية تنخلها المستوطنات والبؤر الاستيطانية.
وبحسب دراسات محلية مقدسية فإن عدد المستوطنين في القدس كان قبل الاتفاقية
153 ألفا، بينما ازداد عددهم بعد توقيعها إلى أكثر من 220 ألفا موزعين على 15
مستوطنة وعدد من البؤر الاستيطانية داخل المدينة.
اقرأ أيضا: السلطة تتخذ إجراءات لـ"إفشال" توجهات نتنياهو لضم الأغوار
ويرى الخبير المقدسي في شؤون الاستيطان د. جمال عمرو بأن أوسلو "قدمت
للفلسطينيين نكبة فوق نكبة"، موضحا "كانت نكبة 1948 ثم نكبة عام 1967
وبعدها جاءت الاتفاقية لتشكل النكبة الأسوأ على الإطلاق".
وبرر ذلك بقوله: "نكبة 1948 حفزت الفلسطينيين على المقاومة ونكبة 1967
جعلتهم أكثر صلابة وزرعت فيهم عدم الرحيل عن أرضهم، ولكن "نكبة أوسلو"
وضعتهم مع مفاوضات الوضع النهائي والتي تشمل المياه والصرف الصحي ومقارعة الذباب".
ويكمل في حديثه لـ"عربي21" "أوسلو ذبحت الفلسطينيين من
الوريد إلى الوريد وحطت رحالها بكل ما فيها من نكبات على القدس تحديدا والتي حظيت
بالحظ الأوفر في نكبة أوسلو، حيث استهدفت الجانب المعنوي وحققت هزيمة معنوية هائلة
وتركت المدينة بلا رعاية ولا موازنة ولا متابعة فلسطينية رسمية، كما أنها جعلت من
غير المسموح لأي جهة خارجية أن تتدخل لتغيير واقع المدينة المأساوي باعتبار أن
السلطة هي الممثل الوحيد للقدس والأقصى".
ويضيف:"شكلت أوسلو منعطفا خطيرا جدا في تاريخ القدس وما زالت
تأثيراتها لم تكتمل"، معتبرا بأن "كل النكبات التي حلت بالقدس من نقل السفارة
الأمريكية وإعلان القدس عاصمة لليهودية القومية، وإحاطتها بجدار الفصل النازي، وعمليات
الترحيل وهدم البيوت بهذه الطريقة تابعة لاتفاق أوسلو".
ويعرب عمرو عن اعتقاده بأن "اتفاقية أوسلو محطة أظهر الإسرائيلي فيها
البراعة المطلقة والعبقرية منقطعة النظير في المفاوصات، بينما كان المفاوضون
الفلسطينيون كما وصفتهم رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة "تسيبي
ليفني" بأنهم لا مبالين وشديدي الحماقة، حيث أدى ذلك إلى تقسيم القدس والضفة
وحتى مدينة الخليل".
ويعلق عمرو على بعض المقترحات بإلغاء تقسيم الأراضي في الضفة بأن "الاحتلال
لا يعترف بكل ذلك وما زال يعربد في مناطق "ج" ويقتحم مناطق
"أ" و"ب" ويفعل ما يحلو له، وقام بهدم منطقة واد الحمص جنوب
شرق القدس مؤخرا ويوسع الاستيطان ويبني مستوطنات جديدة دون أن يحرك أحد ساكنا".
ويتابع: "نحن أمام مرحلة سوداوية بكل المقاييس حيث لا توجد رؤية
استراتيجية لإنقاذ العاصمة الفلسطينية، وهناك أيضا تراجع بالاهتمام بالمدينة على
مستوى الأنظمة العربية، فحتى الشعارات الرنانة والخطابات المنددة بجرائم الاحتلال في
القدس أصبحت شحيحة".
ويشير إلى أن المقدسيين، وبعد مرور كل هذه السنوات، "باتوا يشعرون
بتواطؤ العرب والمسلمين والقيادة الفلسطينية والتي هي منتجات لاتفاقية أوسلو،
وازدادت الأمور بعدها سوءا، حيث أصبحت القدس حقلا للمخدرات والمخططات التهويدية
وتهويد التعليم والمقدسات والمدينة بأكملها".
الضفة الغربية
ووفقا لإحصائيات عديدة حسب دائرة الإحصائيات المركزية الإسرائيلية لعام
2018 فإن "عدد المستوطنين تضاعف في الضفة المحتلة أربع مرات منذ توقيع
اتفاقية أوسلو، حيث بلغ 413 ألف مستوطن على الأقل بعدما كان عددهم لا يتجاوز 110
آلاف".
كما أظهرت الإحصائيات "أن عدد المستوطنات والبؤر الاستيطانية تضاعف كذلك خلال هذين العقدين وصل إلى 130 مستوطنة و103 بؤرة".
اقرأ أيضا: فصائل المقاومة ترد على إعلان نتنياهو حول "غور الأردن"
ومن جهته، يعتبر أستاذ دراسات بيت المقدس د. عبد الله معروف بأن "اتفاقية
أوسلو لم تقدم للفلسطينيين شيئا إيجابيا، ولم تزد على أن قسمت المجتمع الفلسطيني
إلى قسمين كبيرين وخلقت صراعا فلسطينيا داخليا يتمحور حول الموقف من الاحتلال نفسه
وليس على آلية دحر الاحتلال".
ويقول في حديث لـ"عربي21" بأنه "يوجد اليوم مشروع متكامل
مبني على مخرجات أوسلو وأخطرها التنازل عن جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام
1948، والتعايش مع الاحتلال باعتباره شيئا طبيعيا، ووضع القضايا الحساسة الكبرى
كحق العودة والقدس على طاولة المفاوضات"، والتي تؤدي إلى "فتح المجال للتنازلات
ضمن منطق المفاوضات المعروف في السياسة الدولية"، وفق رأيه.
ويضيف:"أوسلو اتفاقية في غاية الغرابة، إذ لم يسبق في التاريخ أن عقدت
اتفاقية سلام تقضي باعتراف طرف بدولة مقابل اعتراف الطرف الآخر بمنظمة".
وشدد على أن "دولة الاحتلال لم تعترف في أوسلو بدولة اسمها فلسطين، بل
اعترفت فقط بمنظمة التحرير ممثلا للشعب الفلسطيني، وهذا من أشد الغرائب في تاريخ
النضالات التحررية في العالم".
ويرى معروف "من أخطر ما تسببت فيه اتفاقية أوسلو للفلسطينيين أنها
خلقت طبقةً جديدةً في داخل المجتمع الفلسطيني كل مصالحها وحياتها متعلقة بالاحتلال
والتنسيق الأمني معه، مما خلق حالة "تدجين" إن صح التعبير، خاصةً في
الضفة الغربية، واخترعت وهما مصطلحيا اسمه "الحياة الطبيعية تحت
الاحتلال"، وهو ما لم يحدث في التاريخ".
ويشير في إطار ذلك إلى أن "الاحتلال حالة غير طبيعية في أي مجتمع،
ومحاولة إقناع المجتمع أنه يمكنه أن يحيا حياة طبيعية تحت الاحتلال لا يعد أكثر من
وهم ومضيعة وقت".
ووفقا لمعروف "يمكن إطلاق مصطلح "الاحتلال الرخيص"
على الاحتلال الإسرائيلي، حيث أصبحت السلطة المنبثقة عن الاتفاق تقوم بكافة أعباء
الاحتلال، مقابل بطاقات "في آي بي" لمسؤولي هذه السلطة يمكن للاحتلال
نزعها متى يشاء".