قضايا وآراء

نتنياهو.. الزعامة السلطوية إذ تغزو إسرائيل

أحمد أبو الهيجاء
1300x600
1300x600
تبرز شخصية رئيس الوزراء الإسرائيلي وهو يقاتل باستماتة من أجل الفوز بولاية جديدة في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، المزمع عقدها الشهر الجاري، بعدما لم تشبع نهمه سنوات طوال قضاها في رئاسة الوزراء؛ جاوزت مجتمعة 13 عاما متتالية (أي 19 في المئة) من عمر إسرائيل، وهو ما لم يسبقه إليه رئيس وزراء إسرائيلي آخر، بمن فيهم أطول رؤساء وزراء إسرائيل مكوثا في الحكم، وهو المؤسس بن غوريون، والذي احتفل نتنياهو قبل أشهر بتفوقه عليه في مدة الحكم في إسرائيل.

قد يبدو ذلك الأمر اعتياديا في منطقتنا، ولكنه ليس منطقيا ولا مقبولا بالطبع في المجتمعات التي تصنف نفسها على أنها ديمقراطية. 

فنتنياهو المهووس بالسلطة حتى النخاع ، بدأ بتكسير قواعد اللعبة، والتصرف كزعيم مطلق بسبب تأثير البقاء لسنوات طويلة على الكرسي، وهذا مرتبط بتحليل العلاقة النفسية بين القائد والكرسي حين يجلس عليه لفترة طويلة، فيتحول كلاهما إلى توأم للآخر، وأحيانا يصعب التفريق بينهما عند مقارنة أوجه الشبه والاختلاف.

قال رئيس أركان جيش الاحتلال السابق بيني غانتس، لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في نيسان/ أبريل الماضي، قبيل الانتخابات الماضية: "نتنياهو بعد قضائه 13 عاما في السلطة فقد عقله، وحان الوقت لترك مكتب رئاسة الوزراء. عندما تبقى في المنصب لفترة طويلة، تفقد الحنكة السياسية، وتفقد الرغبة لخدمة الآخرين وإحداث تغيير.. لقد كان نتنياهو شخصا مختلفا، ولكن 13 عاما في السلطة فعلت به هذا.. لقد فقد شيئا كان يمتلكه في السابق، وبدلا من غرس الوحدة المدنية، بدأ يتسبب في حرب أهلية، وينبغي علينا أن نكون حذرين من ذلك".

لا يختلف كثيرا ما قاله غانتس عن الذي قاله الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قبيل إنهائه فترته الرئاسية الثانية: "عندما يحاول القائد تغيير القواعد في منتصف الطريق من أجل البقاء في منصبه، فإن هذا يقود لعدم الاستقرار والاضطرابات كما رأينا في بروندي، هو طريق محفوف بالمخاطر. وتجدون شخصا يقول أنا الوحيد القادر على الحفاظ على وحدة الأمة. إذا كان ذلك صحيحا فهذا يعني أنه فشل في بناء أمته. لا يحق لأحد أن يبقى رئيسا مدى الحياة".. بالطبع كلام أوباما كان موجها للعرب.

كسر نتنياهو كثيرا من قواعد اللعبة السياسية في إسرائيل. فالقائد مع مرور السنوات يبدأ بالشعور أنه فوق القانون، ولا يستطيع التمييز حينها بين مصلحته الشخصية ومصلحة شعبه وأمته، بل يختلط عليه الأمر لدرجة أنه يقرن بين الاثنين بتداخل غريب. ففي عام 2018 وفي ذروة أزمة نتنياهو مع ملفات الفساد التي تلاحقه، بدأ حملة عسكرية وإعلامية واسعة على أنفاق حزب الله المكتشفة شمال فلسطين المحتلة، ليدخل في غمار حركة استعراضية أثارت انتقاد المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيلية اللتين اعتبرتا إعلانه عن اكتشاف الأنفاق تصرفا أرعنا، فوبخه بشكل غير مباشر وزير الدفاع السابق موشي يعلون، حين قال: "نحن في الجيش نعلم بأمر هذه الأنفاق منذ عامين"، ووجه كلاما محرجا لنتنياهو في الوقت الذي تفترض فيه الاستراتيجيا العسكرية أن يبقى أمر اكتشاف الأنفاق طي الكتمان، حتى يظن حزب الله أن هذه الورقة ما زالت بيده ويباغت بأنها مكشوفة في أية مواجهة مباشرة، لا أن يقدم لحزب الله على طبق من ذهب أنها كُشفت، فقط لتخدم نتنياهو انتخابيا. وتكرر الأمر في امتعاض المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مؤخرا من كشف نتنياهو، وهو في ذروة حملته الانتخابية الأخيرة، عن العمليات ضد العراق وإيران وحزب الله، حيث خرجت تصريحات منتقدة تقول: "اعتدنا على القيام بذلك طوال الوقت دون إعلان يضر بمصالح إسرائيل العليا".

يقول الصحفي الإسرائيلي حامي شاليف في صحيفة هآرتس: "نتنياهو بدأ هجوما على الديمقراطية والجمهور يرد بلا مبالاة مثيرة للاستغراب، شأنه شأن القادة المستبدين يمتطي رئيس الوزراء الإسرائيلي موجة قومية متصاعدة، من ضمن هذه الخطوات التي تقوض العملية الديمقراطية تعيين مراقب عام للدولة موالي له وضعيف، تقويض ثقة الجمهور بوسائل الإعلام والقضاء ومحاولة تخويف الجمهور العربي من الذهاب لصناديق الاقتراع..".

توجد تصنيفات عديدة للقادة العظماء (وهم قلة) والطبيعيين، ولكن يوجد صنف مهم، وهم ورجال الصدفة ممن لا تتوافر فيهم أحيانا صفات القيادة؛ بقدر ما تخدمهم مرحلة أو رأس مال اجتماعي شكل لهم رافدا لصعود قمة السلم الاجتماعي دون عناء، ولا داعي لذكر قائمة طويلة من الأمثلة. ودون التقليل من القدرات الشخصية لبنيامين نتنياهو، فهو رجل صدفة. فنتنياهو ليس صاحب تاريخ عسكري، ومن يعرف نشوء القادة لدى دولة الاحتلال يعرف أن هذا مدخل القيادة الأول، ولكنه صعد السلم على أكتاف سمعة أخيه العسكري يونتان نتنياهو، الذي قُتل في عملية عينتيبي في أوغندا عام 1976.

لا يتوقف الأمر عند ما سبق، فالمتلازمات في حالة البقاء في السلطة لفترة طويلة عديدة، ومنها متلازمة الفساد والاستبداد، تلك المتلازمة التي لا داعي لتقديم شروحات كبيرة حولها في ملف نتنياهو؛ الذي قد لا يجد مكانا للذهاب إليه في حال فشل في النجاح في الانتخابات القادمة سوى السجن، إضافة إلى متلازمة جنون العظمة التي أصابت زعماء كثرا مكثوا لفترات طويلة في الحكم.

ويبدو أن نتنياهو قد دخل القفص الذهبي فيها أسوة برفاق له في مناطق مختلفة من العالم، فهل ستصل إسرائيل في مرحلة ما إلى استخدام ذات مصطلحات دول العالم الثالث على قادتها (الأعظم، الأوحد، قائد بحجم وطن، الزعيم الذي لا مثيل له ودونه تضيع البلاد والعباد). نتمنى حدوث ذلك في إسرائيل أيضا؛ لأن ذلك أحد ممرات الانزلاق نحو الحضيض.
التعليقات (0)