هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
(1)
دخلت المسألة المصرية في مسارها الموروث، ويبدو أن كل الظروف تخدم الاتجاه القديم ذاته.. اتجاه الحاكمين من فوق ظهور الخيل، حيث لا يكون هناك مساحة للحوار، ولا مكانة للعقل ولا للعدل، حيث ينمو الخوف في الشوارع والبيوت والنفوس، وحيث لا يعلو صوت فوق صوت السيف.
(2)
لا أريد أن أبخس قيمة "القوة" في الحياة، ولا أحب أن أضعها في الطرف المعاكس للعقل، وإذا كان "الحصان" هو رمز القوة منذ القدم وحتى الآن، فيمكن تقريب المعنى بتشبيه "القوة الغاشمة" بالحصان قبل ترويضه، والقوة العاقلة بالحصان النافع بعد ترويضه. ولهذا، يهمني أن أسأل: لماذا نجحت مجتمعات كثيرة غيرنا في حرق أزماتها وحروبها الداخلية، بحيث تحولت المآسي إلى فرصة سانحة لصهر المعدن وتطهيره من الخبائث، والوصول إلى سبيكة حديثة أكثر مقاومة وقدرة على مقاومة الصدأ والتآكل؟ ولماذا فشلت مصر في ذلك وتعثرت مشاريع تحديثها كدولة دستورية عصرية، حتى أنها ظلت لأكثر من تسعة قرون تدور في نفس الدائرة الملعونة التي يلخصها الدستور المملوكي الشفوي "الحُكم لمن غَلَبْ"؟
(3)
لماذا ظل الحكم في بلادنا للسيف، كأننا غابة جاهلية أبدية؟
لماذا لم يصبح الحكم في بلادنا لمن عَقِل، أو لمن عَلِم، أو لمن عَمِل، أو لمن عَدِل؟
ألم تتبن القبائل المتناحرة في الغرب مقولة ابن خلدون "العدل أساس المُلك"، فتحولت من ميادين صراع واقتتال؛ إلى ممالك ودول عصرية ناجحة ومتفوقة، بينما لا نزال نحن نعيش تحت حكم البطش والخوف وهيمنة القوى الغاشمة؟!
(4)
رأيي أن الخطأ الأكبر في الحالة المصرية هو خطا الأسئلة، قبل أن نذهب إلى مناقشة الإجابات؛ لأن الأسئلة الخاطئة تهدر الزمن والجهد والأمل، وتذهب بنا دوما لخطيئة الاقتتال على لا شيء.. تذهب بنا إلى نزاعات الافتراق والتكسير والتضاد الفوضوي، فتذبل قضايانا، وتتفكك وحدتنا، وتنهار عزيمتنا. والخطأ المركزي الذي يبرز للعيان وللعميان هو أننا نريد بناء هرم قاعدته لأعلى ورأسه لأسفل؛ لأن القاعدة كلها تريد أن تكون رؤساً، بحيث يتجلى يوميا القول المصري الشائع "100 عمدة على فلاح واحد"، كما رددها الفلاح المتذمر في مسرحية محمود دياب، ساخرا من فرط السلطة عند الناس ورغبتهم في الحكم والتحكم أكثر من رغبتهم في الحياة.
تفشي الرغبة في الحكم بين أفراد مجتمع ما؛ تعكس حالة التمييز وغياب القانون واختلال منظومة العدالة، بحيث تصبح السلطة هي السبيل الوحيد للثراء والأمان وتحقيق الرفاه المعيشي
الصورة تكشف لنا جذور فكرة الاعتماد على القوة الغاشمة في تسيير الحياة داخل الحارة المصرية
لا شك أن مرجعية "حكم النبوت" لن تتيح الحكم أبداً لقاض نحيل أو عالم جليل أو خبير اقتصادي من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو رجل إدارة ناجح يرتدي نظارة طبية ولا تنطبق عليه شروط الالتحاق بكلية الشرطة أو الكليات العسكرية، لذلك يظل الحكم حكرا على الحصان البري قبل ترويضه، وهو حصان قوي فعلاً، لكنه غير نافع للإنسان.
(9)
رأيي أن تخرج المعارضة المصرية من مركزية الصراع على السلطة، وأن توسع من اهتمامتها بقضايا المجتمع بهدف جودة الحياة وتحسين معيشة المواطنين، والعمل الملموس لإيجاد آليات تضغط من أجل تصحيح موقع السلطة ودورها، وضبط أدائها على مؤشر الالتزام بالدستور والقوانين وحقوق الإنسان، وانتزاع حق الأفراد في محاسبة المسؤولين، حتى نتمكن في يوم من تأسيس قضاء مستقل قادر على إقامة العدل كأساس للملك.
رأيي أن تخرج المعارضة المصرية من مركزية الصراع على السلطة، وأن توسع من اهتمامتها بقضايا المجتمع بهدف جودة الحياة وتحسين معيشة المواطنين