هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اتسمت الهجمات التي يشنها النظام السوري على أرياف حماة وإدلب واللاذقية، منذ مطلع أيار/مايو الجاري، بتحريك أكثر من جبهة والتقدم المحدود فيها، بدلا من فتح جبهة واسعة مع المعارضة، فيما بات يعرف بسياسة "القضم البطيء" لمناطق المعارضة.
وأظهرت المعارك اعتمادا كليا من جانب النظام على ثلاث تشكيلات عسكرية رئيسية، وهي "الفيلق الخامس" المدعوم روسيا، و"الفرقة الرابعة" التي يقودها اللواء ماهر شقيق رئيس النظام السوري بشار الأسد، و"قوات النمر" التي يقودها العقيد سهيل الحسن.
وترصد "عربي21" في هذا التقرير انتشار هذه القوات وتوزعها على الجبهات.
في مطلع أيار/ مايو اختار النظام السوري جبهات ريف حماة الشمالي لبدء التصعيد، مستفيدا من ضعف تعزيزات المعارضة في هذه المنطقة التي تعتبر الخاصرة الرخوة للأخيرة.
وتتحكم روسيا بشكل كامل بالقوات المنتشرة في هذه الجبهات الواسعة البالغة نحو 80 كيلو مترا، حيث تنتشر "قوات النمر" بشكل كثيف فيها، إلى جانب "الفيلق الخامس".
ريف حماة
وتعتبر مليشيات "مجموعات الطرماح" التابعة لقوات "النمر" القوة الضاربة للنظام في ريف حماة الشمالي.
وتتألف هذه المليشيات من مقاتلين محليين من أبناء بلدة "قمحانة" (بوابة حماة الشمالية) والبلدات المجاورة، وأُسست في العام 2013، ومجهزة بمدرعات ثقيلة، وعربات بي أم بي، وصواريخ ثقيلة، ورشاشات ثقيلة ومتوسطة.
وأسهمت هذه المليشيا التي ينتسب معظم عناصرها إلى عائلتي النبهان والسباهي المقربتين من النظام السوري، في تقدم قوات النظام على محاور كفرنبودة والحويز، وقلعة المضيق بشكل رئيسي، حيث تولت مهمة اقتحام هذه المناطق.
وفي شباط/ فبراير 2017، كرمت قاعدة حميميم قائد "مجموعات الطرماح"، عمر أحمد النبهان، مختار بلدة "قمحانة".
وإلى جانب "مجموعات الطرماح"، سجلت معارك أرياف حماة وجودا لمليشيا "فوج طه- اقتحام"، و "قوات الغيث"، و"فوج حيدر"، وهي مجموعات تابعة لـ"قوات النمر".
وحتى اللحظة، غاب دور المليشيات المرتبطة بإيران عن جبهات ريف حماة، وأرجع محللون عسكريون ذلك إلى رغبة روسية.
اقرأ أيضا: ما حجم مشاركة روسيا في حملة التصعيد على إدلب؟
جاء ذلك، وفق ما أكده الخبير العسكري، العقيد الركن عبدالله الأسعد لـ"عربي21"، موضحا أن النظام بأوامر روسية عمد إلى تجميع بقايا الفرق العسكرية التابعة للنظام "الفرقة الأولى و الفرقة التاسعة"، وعناصر المصالحات "الفيلق الخامس" في جبهات حماة، حتى لا يكون هناك أي دور لإيران.
وبحسب الأسعد، فإن جبهات ريف حماة سجلت وجودا لمقاتلين روس، مؤكدا أن "الجنود الروس يشاركون في العمليات القتالية البرية، على نطاق واسع، وليس بصفة مستشارين كما درجت العادة سابقا".
ريف إدلب الشرقي
في جبهات ريف إدلب الشرقية، وباستثناء الوجود الكثيف لفيلق "القدس" الفلسطيني، لا تختلف هوية قوات النظام المتوزعة في هذه المناطق عن قرينتها في جبهات ريف حماة.
وإلى الآن لا زالت هذه الجبهات المتصلة بجبهات ريف حلب الجنوبي، تشهد هدوءا نسبيا، فيما تشير توقعات إلى احتمال قيام النظام بإشعال هذه الجبهات كعنصر مفاجأة للمعارضة، في الفترة القريبة القادمة.
وفي هذا الصدد، رجح العقيد عبدالله الأسعد، أن يواصل النظام سياسية القضم البطيء، موضحا أن "النظام يقوم بالتمهيد الناري في جبهات ريف إدلب الشرقي سعيا لإحداث خرق، يمكنه من السيطرة على العقد المهمة، مثل معرة النعمان وخان شيخون".
وهذا ما يؤكده تصاعد وتيرة الضربات الجوية لمدن وبلدات ريف إدلب الشرقي، وخاصة الملاصقة للطريق الدولي (حماة- حلب) مثل معرة النعمان، وخان شيخون.
الفيلق الخامس
ويبدو أن روسيا، قد أوكلت مهمة تثبيت النقاط التي يتم التقدم إليها إلى "الفيلق الخامس"، كونه التشكيل الأكثر انصياعا لها من بين تشكيلات النظام الأخرى.
وتحرص روسيا بالمقابل على عدم إظهار مشاركة الفيلق إعلاميا، كون عناصره ينتمون إلى "فصائل المصالحات" التي كانت محسوبة على المعارضة.
في هذا الوقت، أكدت تقارير محلية فرار عناصر الفيلق من المواجهات، بسبب ضراوة المعارك، وكثرة أعداد القتلى في صفوف الفيلق.
وذكرت وكالة "خطوة" أن العناصر يدفعون رشاوى للضباط في قوات النظام مقابل الحصول على إجازة يعودون فيها إلى منازلهم، ليقوموا بعدها بالتخفي في منازلهم أو داخل مدنهم وقراهم، ولا يعودون إلى الجبهات مرة أخرى.
وأضافت أن عدد الشبان المتسربين من الخدمة في صفوف قوات النظام بلغ أكثر من 100 شاب، معظمهم من مدن وبلدات طفس والشجرة والمزيريب بريف درعا الغربي.
وأوضحت أن القوات الروسية وجهت عبر قيادة الفيلق الخامس المدعوم من قبلها رسالة شديدة اللهجة إلى عناصر الفيلق الخامس، الذين تسربوا من الخدمة في صفوف الفيلق.
اقرأ أيضا: تركيا تحذر: هجوم النظام السوري بإدلب قد يفسد كل شيء
وبحسب الوكالة، فإن مفاد الرسالة الروسية كان بضرورة التحاق العناصر بعملهم على جبهات ريفي حماة وإدلب، خاصة أن روسيا تحميهم من الخدمة في صفوف قوات النظام وتمنحهم رواتب أعلى، بالمقارنة مع راتب الجندي في جيش النظام.
ريف اللاذقية الشمالي
وإذا كانت إيران غائبة عن جبهات ريف حماة، فإنها حاضرة وبقوة في جبهات الساحل السوري، حيث يتولى حزب الله اللبناني مهمة قيادة قوات النظام، التي يغلب عليها "الفرقة الرابعة" وبعض المليشيات المرتبطة بها.
وبحسب مصادر محلية، فإن إيران دفعت مؤخرا بتعزيزات عسكرية وصفت بـ"الضخمة" إلى جبل الأكراد، شمال اللاذقية.
وحتى اللحظة لم تجد كل محاولات قوات النظام في التقدم ولو جزئيا في محور تل الكبانة الاستراتيجية.
وفي تصريح سابق لـ"عربي21" أوضح المحلل السوري أحمد زريق، أن لتل الكبانة أهمية عسكرية استراتيجية تتمثل بأنها تعد من أعلى المناطق في الساحل السوري، وتشرف جبالها على مناطق مهمة لا تزال خارج نفوذ النظام السوري.
وبيّن زريق أن في مقدمة هذه المناطق سهل الغاب في ريف حماة، ومدينة جسر الشغور وقراها في ريف إدلب، مضيفا أن سيطرة النظام على تل الكبانة تمكنه من رصد معظم قرى ريف اللاذقية الخارجة عن سيطرته.
لماذا حزب الله وإيران؟
ومجيبا على هذا التساؤل، اعتبر الإعلامي في "شبكة الثورة السورية" مجدي أبو ريان، أن الجغرافيا الصعبة والمعقدة في الساحل السوري، تحتاج إلى مقاتلين يقاتلون عن عقيدة.
وأشار في حديثه لـ"عربي21" إلى تكبيد المعارضة خسائر كبيرة للقوات المهاجمة، وقال: "إيران تولي هذه المعارك أهمية كبيرة، ولمليشياتها وجود عسكري كثيف إلى جانب الفرقة الرابعة".
وأنهى أبو ريان قائلا: "حتى الساعة، لا تقدم يذكر في هذه المناطق، وذلك على الرغم من ضراوة القصف الجوي الذي تتولاه المقاتلات الروسية".
ولا يعني وجود إيران، أن معارك الساحل ثانوية بالنسبة للحسابات الروسية، حسبما أكد المحلل السياسي فواز المفلح.
وأوضح لـ"عربي21" أن "روسيا تولي مناطق الساحل أهمية كبيرة، لأن السيطرة على هذه المناطق يعني زيادة في تأمين قاعدة حميميم، من الضربات الصاروخية، وهذا ما يفسر تغطية روسيا جوا للمعارك".
وفي سياق متصل، رجح المفلح، أن تكون مدينة "جسر الشغور" الهدف المقبل لروسيا والنظام.
لكنه استدرك بالقول: "التقدم نحو جسر الشغور ممكن في حال سيطر النظام على تلة الكبانة، لأن التلة تخول الطرف المسيطر عليها السيطرة على مدينة جسر الشغور، موضحا أن "تلة الكبانة تطل على جسر الشغور وتكشفها ناريا".