هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يعد المعارض الإسلامي الجزائري، عباسي مدني، الذي وصل جثمانه السبت إلى الجزائر، من السياسيين الإسلاميين القلائل الذين جمعوا بين المشاركة في الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي، ومعارضة النظام الحاكم في البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي.
وتوفي مدني مؤسس حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظور، الأربعاء، بمنفاه الاختياري بدولة قطر، عن عمر ناهز 88 سنة وشيع جثمانه، السبت، إلى مثواه الأخير في مقبرة "سيدي أمحمد" بالعاصمة، بعد موافقة السلطات على دفنه ببلاده تنفيذا لوصيته.
ولد مدني في 28 فبراير/شباط 1931 في مدينة سيدي عقبة قرب ولاية بسكرة (جنوب شرق) وباشر تعليمه في المدارس الفرنسية، ثم تتلمذ في مدارس جمعية العلماء المسلمين، ليتخرج من كلية التربية.
وفي منتصف السبعينات (1975-1978) نال منحة دراسية إلى بريطانيا، وحصل على شهادة الدكتوراه في التربية المقارنة (مقارنة الأديان)، وعمل أستاذا بجامعة بوزريعة بالجزائر العاصمة.
مجاهد من الرعيل الأول ضد الاستعمار
انخرط مدني في العمل السياسي إبان الاستعمار الفرنسي؛ حيث التحق بـ"الحركة الوطنية الجزائرية" سنة 1948.
وانضم من أول يوم للثورة التحريرية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1954، ضد الاستعمار الفرنسي وعمره حينذاك 23 سنة.
ألقى القبض عليه وأدخل السجن بعد 20 يوما من اندلاع الثورة، وتعرض مثل غيره من السجناء الجزائريين إلى أشد أنواع التعذيب، ولم يطلق سراحه إلا سنة 1962 بعد نيل الاستقلال.
اقرأ أيضا: صلاة الجنازة على عباس مدني في الدوحة بحضور أمير قطر (صور)
النشاط السياسي
يعد مدني من بين أبرز الوجوه السياسية التي صنعت جزائر التعددية خلال الفترة بين عامي 1988 و1992 وما أعقبها من أحداث عنف سميت بـ"العشرية السوداء".
فبعد عودته من بريطانيا عام 1978، باشر مدني نشاطه السياسي، داعيا إلى حكم "إسلامي" في البلاد؛ ما كلفه السجن في ثمانينيات القرن الماضي، خلال عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد.
وفي سنة 1988، أسس مع قادة إسلاميين حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" للمطالبة بإصلاحات ولا سيما التعددية السياسية.
ونظمت الجبهة، حتى قبل اعتمادها بشكل رسمي كحزب سياسي، عدة مسيرات بالعاصمة ومختلف محافظات الوطن.
قاد مدني، رفقة نائبه علي بلحاج، "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، إلى فوز ساحق في الانتخابات البلدية عام 1990، وبعدها التشريعية عام 1991.
وتدخل المجلس الأعلى للأمن، معلنا توقيف المسار الانتخابي، وتبع ذلك استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد في 11 يناير/كانون الثاني 1992، لتدخل البلاد دوامة عنف، خلفت 200 ألف قتيل وخسائر اقتصادية ناهزت الـ30 مليار دولار، حسب إحصائيات رسمية.
وكان مدني دعا إلى النضال بجميع أنواعه بعد أن أبطل الجيش الجزائري في 1992 نتيجة الانتخابات التي فاز بها حزبه.
وفي 1992، حكمت عليه المحكمة العسكرية في البليدة، بالسجن 12 سنة بعد إدانته بـ"المساس بأمن الدولة".
وفي 1997، أُطلق سراحه لأسباب صحية لكن بقي تحت الإقامة الجبرية حتى انقضاء مدة سجنه سنة 2004.
انتقل بعدها إلى دولة قطر كمنفى اختياري؛ حيث استقر حتى وفاته الأربعاء 24 أبريل/نيسان 2019.
مدني والأزمة الأمنية
تفاعل الجزائريون، على مواقع التواصل الاجتماعي كثيرا، مع وفاة مدني.
وتباينت الآراء، بين من لا يزال يحمله مسؤولية "العشرية السوداء"، وبين من يرون أن الجزائر بموته "فقدت مجاهدا شارك في تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي وسياسيا ورجل دين".
وقال الرئيس السابق لحركة "مجتمع السلم" (أكبر حزب إسلامي في البلاد)، أبو جرة سلطاني، عبر صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك"، إن مدني نصحه بعدم تكرار تجربة الجبهة الإسلامية للانقاذ.
أما الوزير الأسبق للاستثمار عبد القادر سماري، فقال على صفحته بموقع "فيسبوك": "عباسي مدني من القلائل الذين نادوا بالحريات وتطبيق الشريعة، رغم أنه كان عضوا بالمجلس الشعبي الولائي لولاية (محافظة) الجزائر العاصمة في الحزب الواحد".
واعتبر أنه من بين "الذين ساهموا في نشر الوعي الاسلامي في الجزائر التي كانت تسير نحو الشيوعية والانحلال"، كما شهد له بـ"أسلوبه الخاص في الاقناع والحوار والمناظرة بأدب جم وشجاعة".
رئيس حزب العدالة والتنمية (إسلامي) عبد الله جاب الله، قال على هامش اجتماع لقوى معارضة، الخميس، إن "الجزائر فقدت بوفاة عباسي مدني عالم دين ورجل سياسي أصيل".
أما رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي)، عبد الرزاق مقري، فقال في منشور له عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك" إن "لمدني دورا كبيرا في الصحوة الإسلامية ونشر الوعي ونقد الأفكار العلمانية بطريقة علمية مقنعة".