هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشهد الساحة السياسية بتونس حراكا غير مسبوق بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، وفيما أعلنت وجوه سياسية مستقلة وحزبية ترشحها، فلايزال البعض الآخر لم يحسم أمره بعد.
ويجمع مراقبون على أن السباق نحو قصر قرطاج، عرف تغيرات عميقة، مقارنة بأول انتخابات رئاسية بعد الثورة في 2014، حيث حرصت أحزاب على التمهل في الإعلان عن مرشحها، فيما ينتظر أن يشكل المستقلون طفرة انتخابية قد يحدث بعضها المفاجأة.
النهضة والنداء
وكان الرئيس الباجي قايد السبسي قد أعلن في وقت سابق، عن عدم رغبته في الترشح لولاية ثانية، غير أن حزب نداء تونس المحسوب على شق السبسي الابن، دعاه رسميا ليكون مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وقال القيادي في النداء خالد شوكات في تصريحات إعلامية إن السبسي يبقى "الجواد الرابح" الذي يراهن عليه الحزب في الانتخابات الرئاسية.
اقرأ أيضا: السبسي يعلن عدم رغبته بالترشح لولاية ثانية
بالمقابل، لم تعلن حركة النهضة عن مرشحها، رغم تأكيد قياداتها العزم على خوض الرئاسية، خلافا لانتخابات 2014 التي قررت خلالها الحركة التزام الحياد وترك حرية الاختيار والتصويت لقواعدها.
وفي هذا الإطار، أكد عضو مجلس شورى النهضة زبير الشهودي في تصريح لـ"عربي21" أن الحزب بصدد التشاور لحسم مسألة ترشيح أحد قياداته للانتخابات الرئاسية، مشددا على احتفاظ الحركة بحظوظها كاملة لنيل هذا الاستحقاق.
وأوضح أن خيار النهضة في 2014 عدم تقديم مرشح لها، واتخاذ موقف الحياد وعدم توجيه أنصارهم، كان بهدف الحفاظ على مناخ الانتقال الديمقراطي، وتخفيف حدة الشحن والاحتقان التي شابت فترة حكم "الترويكا".
وأضاف:" تقييم قيادات وهياكل الحركة عدم تقديمنا مرشح في 2014 كان سلبيا، وكان هناك شبه إجماع على أنه من غير المعقول أن يترك حزب بحجم النهضة خزانه الانتخابي دون أن يوجهه لمرشح بعينه، وهو ما سنتداركه في انتخابات 2019".
وشدد الشهودي، على أن الحركة ستحسم خلال اجتماع مجلس الشورى المزمع عقده أواخر الشهر، في تقديم مرشح على الأغلب سيكون نهضويا أو أن يتم التوجه لمرشح توافقي.
اقرأ أيضا: الجبالي لـ"عربي21": سأترشح للرئاسة دون شقّ "النهضة"
المرزوقي والتمساح
بدورها أعلنت هياكل حزب "حراك تونس الإرادة" عن ترشيح المنصف المرزوقي لخوض الانتخابات الرئاسية، وهو الذي لايزال اسمه يتواتر ضمن المتنافسين على كرسي الرئاسة في استطلاعات الرأي، كما يعول بحسب مراقبين على الخزان الانتخابي للنهضة بحال لم تقدم مرشحها الخاص.
وسبق أن دعا المرزوقي حليفته السابقة، للتوافق معه خلال الانتخابات القادمة وقطع علاقاتها بنداء تونس، محذرا بقوله: "أنصح أصدقائي في حركة النهضة أن يسيروا معنا لنأكل التمساح بدل أن يأكلنا..".
من جانبه، أعلن حزب التيار الديمقراطي المعارض، خلال مؤتمر عقده في العاصمة منذ أيام، عن ترشيح أبرز قياداته محمد عبو للانتخابات الرئاسية.
وأكد الأمين العام السابق للتيار غازي الشواشي لـ"عربي21" أن الحزب قرر على خلاف انتخابات 2014 أن يتقدم بمرشح من الحزب بعد أن دعم سابقا المرشح التوافقي المنصف المرزوقي في مواجهة منافسه السبسي.
وشدد على أن هذا التوجه الجديد، "دعمته النتائج الباهرة التي حققها التيار خلال الانتخابات البلدية والتي بوأته المرتبة الثالثة، فضلا عن وجود اثنين من قيادات الحزب -محمد وسامية عبو- في المراتب الأولى لاستطلاعات الرأي".
اقرأ أيضا: حوار ساخن مع الجبالي حول الرئاسة وموقفه من دول الإقليم (ج2)
وأعلنت الجبهة الشعبية عن ترشيح حمة الهمامي بشمل رسمي للانتخابات الرئاسية، لتنهي خلافا وانقساما غير مسبوق شاب بعض الأحزاب المكونة لها، والتي طرحت بدورها مرشحا ثانيا للانتخابات بدعوى التجديد وفشل الهمامي في الرهانات الانتخابية السابقة.
وبدأت بعض الوجوه السياسية والنخب الفكرية، بإعلان ترشحها بشكل مستقل للرئاسيات على غرار الخبير الدستوري قيس سعيد الذي أضحى بحسب مراقبين رقما صعبا، ونجح في استمالة فئة الشباب والنخب المؤمنة بمبادئ الثورة.
ويحظى سعيد بمكانة علمية مرموقة، حيث نجح بخطابه المنحاز للثورة والمنتقد للمنظومة السياسية برمتها، في كسب تعاطف شريحة كبيرة من التونسيين، وصعد نجمه في استطلاعات الرأي لينافس وجوها سياسية بارزة.
لا شيء محسوما
ويرى المحلل السياسي، جوهر بن مبارك، في تصريح لـ"عربي21" أن المشهد الانتخابي لم يتبلور بعد في ظل عدم تقديم مرشحين جديين لخوض الانتخابات الرئاسية باستثناء المرشح عن التيار الديمقراطي محمد عبو، واصفا البقية بالترشحات الفلكلورية.
وذهب للقول بأن حظوظ مرشح حركة النهضة، إن قدمته للرئاسية، قليل جدا في ظل عجزها طيلة هذه السنوات عن تقديم قيادات قادرة على تجاوز القاعدة الضيقة للحزب إلى قاعدة تحظى بإجماع شعبي.
واعتبر ابن مبارك أن رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، ورغم كل ماقيل حول رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية، لايزال مترددا في الحسم بالنظر للصلاحيات المحدودة التي منحها الدستور الجديد لرئيس الجمهورية مقارنة برئيس الحكومة.
وأضاف أن "الشاهد يعلم جيدا أن تموقعه اليوم في رئاسة الحكومة أفضل بكثير من تموقعه غدا في رئاسة الجمهورية، لذلك لم يحسم بعد في المسألة".
وذهب للقول بأن دعوة نداء تونس للباجي للترشح مجددا، هي من قبيل "البروبغندا" السياسية، مرجحا اعتزال الباجي الحياة السياسة بالنظر لعامل السن ولحصيلة الحكم السيئة التي ساهمت في تراجع شعبيته مقابل ارتفاع شعبية خصمه الشاهد.
ولا يخفي الخبير الدستوري، مخاوفه من المناخ المشحون محليا والتدخلات الإقليمية دوليا، والتي من شأنها أن تهدد العملية الانتخابية في البلاد، معلنا قلقه من تدفق المال السياسي الفاسد والتمويلات المشبوهة للأحزاب في ظل غياب الرقابة والمحاسبة.