هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
خسرت حركة "أحرار الشام الإسلامية" كثيرا من مناطق نفوذها في إدلب وأرياف حماة وحلب حتى مطلع هذا العام، لصالح "هيئة تحرير الشام" التي باتت تسيطر على ما يقارب 80 بالمئة من مساحة المناطق التي تخضع لسلطة فصائل المعارضة السورية المسلحة في الشمال السوري، بحسب مراقبين.
وكان لافتا إعلان "حركة أحرار الشام" في 9 كانون الثاني/ يناير الماضي حل نفسها في منطقة الغاب وجبل شحشبو بريف حماة الغربي، على أن تتبع هذه المناطق لـ"حكومة الإنقاذ" إداريا وخدميا، ونص الاتفاق بين "أحرار الشام" و"هيئة تحرير الشام" على أن "يتم ترتيب الرباط والأعمال العسكرية بإشراف هيئة تحرير الشام".
ووفقا لتقارير ميدانية، فإن "أحرار الشام" أُجبرت على التخلي عن تلك المناطق وقرى الحواش، الحويجة، الحويز، الحمرا، باب الطاقة، والشريعة في سهل الغاب، وقيام عناصرها بتسليم سلاحهم لـ"هيئة تحرير الشام" بعد أن بسطت الهيئة نفوذها على تلك المناطق، وسيطرت عليها.
اقرأ أيضا: بغداد تكشف اتفاقا مع واشنطن لانسحاب الأخيرة من سوريا
وقد أثارت خسارة "أحرار الشام" لكثير من مناطق نفوذها في الشمال السوري، التي تعكس ضعف قوتها، وتراجع حضورها وتأثيرها في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل السورية، جملة من التساؤلات حول أسباب ضعفها وتراجعها وتفككها بعد أن كانت من الفصائل الكبرى المؤثرة في المشهد السوري، فهل أسدل الستار عليها لتصبح من ماضي الثورة السورية أم سيكون لها دور في قابل الأيام؟
يورد المحللون جملة من الأسباب الذاتية والموضوعية المفسرة لما آلت إليه حركة "أحرار الشام الإسلامية" من التراجع والتفكك وتقلص النفوذ، يأتي في مقدمتها تغييب قيادتها الكاريزمية في ذلك التفجير الغامض الذي وقع في مقر تابع للحركة في بلدة رام حمدان، والذي أودى بحياة مؤسسها وقائدها العام الأول حسان عبود، وعشرات من قيادة الصف الأول فيها، وهو ما فتح المجال لتفككها الداخلي.
في هذا السياق ذكر الناشط السوري، وائل عبد العزيز أنه إضافة إلى غياب قيادة الحركة الكاريزمية بعد حادثة الاغتيال في 9 أيلول/ سبتمبر 2014 فإن "الهوية الملتبسة للحركة، كانت أحد الأسباب التي ساهمت بشكل أساسي في انهيار الحركة وتفككها".
وأوضح عبد العزيز أن هوية أحرار الشام كانت ضائعة منذ نشوئها بين أيدلوجية السلفية الجهادية (تمثلها جبهة النصرة)، وأيدلوجية المقاومة الوطنية (يمثلها الجيش الحر) فالحركة كانت تسعى لتكون حالة وسطية، وكذا حالها في وسط العاملين للإسلام فهي، كما قال أحد قادتها علي العمر (أبو عمار) في إحدى محاضراته كانت تريد أن تكون مدرسة إسلامية خامسة، أي حالة مستقلة عن الحركات الإسلامية المعروفة كالإخوان والسلفية والتبليغ وحزب التحرير.
وتابع عبد العزيز سرده لـ"عربي21" أسباب تراجع الحركة وضعفها بالقول: "طبيعة أداء مجلس الشورى، ومجموعة الحرس القديم فيها المتصلب، ساهم بشكل كبير فيما آلت إليه الحركة، فهم في غالبهم لا يريدون الإصلاح، ولا يتراجعون عن الخطأ ولا يعتذرون عنه، إضافة إلى تمسكهم الشديد بمناصبهم، ووقوفهم بقوة في وجه أي صوت قادر على الإصلاح كما حدث مع قيادات تركت الحركة وخرجت منها، وهو ما حصل مع قائد الحركة حسن صوفان مؤخرا".
وشدد عبد العزيز على أن "عدم وجود نواة صلبة داخل الحركة، وهو أمر ضروري لأي حركة عسكرية، هو أحد أهم أسباب انهيار الحركة وعدم قدرتها على مواجهة التحديات" ذاكرا أنه نبه بعض قيادات الحركة وكوادرها إلى ضرورة الاهتمام بهذا الأمر والعناية به.
من جهته، قال الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية "إن حادث التفجير الغامض الذي أودى بحياة مؤسس الحركة وعشرات من قيادات الصف الأول فيها يعد تاريخا مفصليا في مسيرة الحركة، لأنه بتغييبه لتلك القيادات القادرة على رسم مساراتها بصرامة، فتح المجال لبروز الخلافات والتشرذمات داخل الحركة".
وأضاف أبو هنية في ذكره لأسباب ضعف "أحرار الشام" وتراجعها "أن ما طرأ على الحركة من تحولات، وتوجهها للمشاركة في المفاوضات السياسية أثر على تماسكها الداخلي، نتيجة عدم التوافق التام على ذلك المسار داخل الحركة".
ولفت في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "عمليات الاستقطاب الإقليمي حولت الحركة لأداة في أيدي قوى إقليمية، كمطالبتها بمحاربة جبهة النصرة وتنظيم الدولة وهو ما أثار خلافات داخلية في صفوف الحركة لعدم التوافق في داخلها على مثل ذلك الدور".
اقرأ أيضا: مقتل جنديين و4 مسلحين لداعش بنينوى وخطف 12 مواطنا
وردا على سؤال حول قراءته لمستقبل الحركة، وما ستؤول إليه بعد انحسار قوتها، وتقلص مساحات نفوذها ذكر أبو هنية أن الحركة بصورتها التي عُرفت بها أصبحت من ماضي الثورة السورية، والصورة الجديدة لها ستحددها اتفاقيات وتفاهمات الأتراك والروس على الأرض، وأن من تبقى من مجموعاتها وأفرادها سيصبحون جزءا من درع الفرات.
بدوره، رأى الباحث الفلسطيني في شؤون الحركات الجهادية، أحمد أبو فرحة أنه "كان باستطاعة هيئة تحرير الشام القضاء بشكل كامل على أحرار الشام في الاقتتال الأول حينما رفضت الأخيرة الاندماج مع فتح الشام حينذاك قبل أن يتولد مشروع هيئة تحرير الشام".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وعندما رأى أبو محمد الجولاني، أن غالبية الأحرار قد يغادرون إلى درع الفرات أوقف القتال، محافظا على حواضنهم".
وخلص أبو فرحة في نهاية كلامه إلى أن "حركة أحرار الشام ستبقى موجودة، لكن بحسب المواصفات التي تحددها لها هيئة تحرير الشام"، متوقعا أن "تكون طبيعة العلاقة بين الأحرار والهيئة كالعلاقة بين الجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين"، بحسب وصفه.