هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعث خبير القانون الدولي، أنيس فوزي قاسم، برسالة إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على خلفية التقارير التي تتحدث عن قرب زيارته إلى إسرائيل.
وقال قاسم، الذي يرأس المؤتمر الشعبي العام لفلسطينيي الخارج في مقابلة خاصة مع "عربي21"، موجها حديثه لولي العهد السعودي: "لا تسحب من رصيد القضية الفلسطينية كي تتمكن من الوصول إلى العرش، فإذا كنت تملك زيت النفط وتستطيع أن تغري به من تشاء، فأنا لا أملك سوى زيت الزيتون".
وتابع: "تريد أن تبدد الثروة السعودية فهذا لك وشأنك، لكن لا تسحب من رصيد الشعب الفلسطيني المقهور، ولا من رصيد القضية الفلسطينية، وإذا ما بدك تساعدني في مواجهة الصهيونية العالمية، ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية، فلا تجرحني أو تسحب من رصيدي".
وأكد خبير القانون الدولي، ومؤسس الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، أن" بعض الدول العربية يحكمها قيادات ساذجة تعتقد أن التقرب من أمريكا يمر عبر تل أبيب، ولذلك يخطبون ود القيادة الصهيونية حتى يكونوا قريبين ومرضي عنهم من قبل القيادة الأمريكية".
وعن تهافت وتسارع بعض الحكومات العربية إلى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي وفتح قنوات اتصال مباشرة معه، اعتبر قاسم أن التطبيع من حيث المبدأ يعني طلب حماية أجنبية لتوطيد حكم محلي، مضيفا: "غالبية الحكومات العربية جاءت إلى السلطة إما عن طريق الانقلاب أو عن طريق التواطؤ الأجنبي مع بعض العناصر الداخلية، ولذا فهذه الحكومات تشعر دائما بارتياب من شعوبها وترتمي في أحضان دول أجنبية كي تقدم لها الحماية".
وفيما يلي نص مقابلة "عربي21" مع أنيس فوزي القاسم، الذي حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في القانون من جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة، وهو محامٍ بالممارسة منذ العام 1973. وعمل قنصلا قانونيا للوفد الفلسطيني المفاوض في مدريد وواشنطن بين الأعوام (1991 – 1993). كما عمل بين الأعوام (1981 – 1984) قاضيا في المحكمة الإدارية التابعة للجامعة العربية. وكان عضوا في فريق محامي الدفاع الفلسطينيين أمام محكمة العدل الدولية في قضية جدار الفصل العنصري..
الدول العربية يحكمها قيادات ساذجة تعتقد أن التقرب من أمريكا يمر عبر تل أبيب
تركض بعض الدول العربية، في الوقت الحالي، نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي وإقامة علاقات مباشرة مع الاحتلال في مختلف المجالات.. كيف يقرأ أنيس قاسم ذلك؟
بعض الدول العربية يحكمها قيادات ساذجة تعتقد أن التقرب من أمريكا يمر عبر تل أبيب، ولذلك يخطبون ود القيادة الصهيونية حتى يكونوا قريبين ومرضي عنهم من قبل القيادة الأمريكية.
وسذاجة هذه القيادات العربية تكمن في أنها لا تعي أن الحركة الصهيونية تاريخيا لا تحترم أي التزام إلا الالتزام الذي يخدمها، فهي إذا رأت أن مصالحها انتهت مع هذه القيادات فسوف تلقي بها في سلة المهملات، ولا تعتبر بالمطلق أي قيمة لأي طرف إذا كان يتعارض مع مصلحة الحركة الصهيونية ومفهوم الشعب اليهوي. وهناك أسبقيات عديدة على ذلك في تاريخ الحركة الصهيونية خلال المئة سنة التي انقضت.
والدول العربية في غالبتها العظمى لم تأت حكوماتها بطريق ديمقراطي أو عن طريق الانتخابات، باستثناء الكويت ولبنان، فيما عدا ذلك هذه حكومات جاءت إلى السلطة إما عن طريق الانقلاب أو عن طريق التواطؤ الأجنبي مع بعض العناصر الداخلية، بمعنى أنها ليست حكومات ديمقراطية، وعادة الحكومات الديمقراطية لا تخشى شيئا، لأنها تستمد قوتها من شعوبها، ولذا تأخذ مواقف صلبة وقوية وتكون أوفى بمصالحها الوطنية وبمصالح القضية الفلسطينية لأنها تشعر بقوتها، أما حاكم يشعر بأنه أتى بالسيف أو بالانقلاب العسكري أوبحراب أجنبي، فتجده يشعر دائما بالارتياب من شعبه، وسوف يرتمي دائما في أحضان دولة أجنبية لكي تقدم له الحماية.
التطبيع معناه طلب حماية أجنبية لتوطيد حكم محلي
تقصد التطبيع مقابل الحماية؟
التطبيع معناه طلب حماية أجنبية لتوطيد حكم محلي.. ونطمح من بعض الدول العربية والإسلامية المشاركة في منتدى برلمانيون لأجل القدس أن تستصدر من برلماناتها قانون يحظر التطبيع، ويحظر إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل واعتبار القدس عاصمة لها، ونطمح أن تعترف هذه الدول بالقدس عاصمة لفلسطين.
وهل يمكن أن يتحقق ذلك في ظل ما ذكرته سالفا من أسباب الركض نحو التطبيع مع إسرائيل؟
يمكن أن يكون هناك موقف عربي وإسلامي أقوى إذا استصدرت برلماناتها قوانين تعلن عدم اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو تعلن أن القدس هي عاصمة الدول الفلسطينية، هذه الخطوات ربما لبعض الدول العربية والإسلامية أسهل في تبنيها من قضية التطبيع.
بخبرتكم الطويلة في القانون الدولي، ما هي آثار التطبيع على القضية الفلسطينية؟
التطبيع من الناحية القانونية يقتل جهاز المناعة في الدولة التي تقوم بالتطبيع، فالآن على سبيل المثال دولة مثل المملكة العربية السعودية تقوم بعملية تطبيع واسعة، وهذا يقتل المناعة لدى الشعب السعودي أو لدى بعض أفراده من محاربة إسرائيل ودعم النضال ضد إسرائيل.. وبطبيعة الحال هذا يشكل أثر سلبي على حركة التحرر الوطني الفلسطيني. كما أن مناعة الدولة السعودية تصبح ضعيفة ويستطيع العدو الصهيوني أن يتغلغل بها. فمن هنا تحدث الخلخة على الجانبين الجانب الوطني في الدولة المطبعة، وفي الجانب الفلسطيني الذي يشعر دائما بالاحتضان من قبل المجتمع العربي، فإذا انهار المجتمع العربي تنهار الحماية للقضية الفلسطينية.
المبادرة العربية للسلام كانت مبادرة قدمها كاتب صهيوني أمريكي وتبنتها السعودية
المبادرة العربية إحدى مراحل التطبيع، وسبق هذه المبادرة علاقات بين أجهزة الأمن السعودية والأجهزة الإسرائيلية، ولم تكن مبادرة سعودية خالصة، بل كانت مبادرة قدمها كاتب صهيوني أمريكي وتبنتها السعودية من أجل تحسين صورة المملكة عالميا بعد أحداث أيلول/ سبتمبر 2001.
كيف ذلك؟
المعركة الكبرى كانت بعد أحداث أيلول/ سبتمبر 2001، والذي شهد هجوما بربريا على برج التجارة العالمي، تبنته القاعدة، وهذه كانت خطوة حمقاء غبية ليس لها مبررات أو مقومات، اكتشفوا من الـ19 شخص الذين نفذوا العملية 15 سعوديا وهذا ألب الصحافة والإعلام الأمريكي على السعودية حينئذ، وأن السعودية هي التي تمول وتفرخ عناصر إرهابية، وبدأت محاولات قوية جدا لنزع الشرعية عن النظام السعودي.
في تلك الفترة خرج صحفي صهيوني أمريكي بمقال في "نيويورك تايمز" يقترح فيه على السعودية طرح مبادرات لتحسين صورة المملكة، ومنها مثلا التساهل في القضية الفلسطينية وطرح حلول لها تجعل اللوبي اليهودي يتبنى مثل هذه الاقتراحات.
بعد 11 يوم من نشر هذا المقال في نيويورك تايمز الأمير عبد الله بن عبد العزيز (العاهل السعودي الراحل.. كان وقتها أميرا) أرسل طائرة خاصة إلى نيويورك لإحضار الكاتب توماس فريدمان وطلب منه كتابة ما اقترحه، فكتب توماس فريدمان المبادرة وتم ترجمتها للعربية، وعدلها الرئيس اللبناني حينئذ حتى يحول دون فكرة التوطين.
وطرحت المبادرة على مؤتمر القمة في بيروت وبضغط أمريكي وسعودي وبتآمر عربي رسمي حينئذ تم تبني المبادرة. والمبادرة في أساسها أنها جعلت من قضية اللاجئين قضية قابلة للتفاوض، ومن هنا بدأت الصحافة الأمريكية والغربية تمجد الموقف السعودي وتتحدث عن المبادرة، وأصبحت السعودية تحسن من صورتها على حساب القضية الفلسطينية.
محمد بن سلمان يحاول من خلال صفقة القرن أن يضمن وصوله إلى العرش
ألا ترى أن هذا الأسلوب السعودي يتشابه إلى حد كبير مع ما يقوم به حاليا محمد بن سلمان وخاصة فيما تسمى بـ"صفقة القرن".. فهل صفقة القرن امتداد أو تطور للمبادرة العربية للسلام ؟
السعودية أو الأمير محمد بن سلمان تحديدا يحاول من خلال صفقة القرن أن يضمن وصوله إلى العرش، ولم يجد أسهل من ركوب القضية الفلسطينية، فهو تبرع من خلال هذه الصفقة بإعادة صياغة الاستراتيجية السعودية على أن العدو الرئيسي للعرب هي إيران وليست إسرائيل، وقضية اللاجئين تم شطبها بالجملة، والقدس تصبح لإسرائيل واحنا راضيين، وبدأ في بيع القضية الفلسطينية تدريجيا بما يخدم مصلحته الشخصية في الوصول إلى العرش لأنه يعلم أن الوصول إلى العرش يمر عبر تل أبيب.
والنظام السعودي الآن يخدم نفسه أيضا على حساب القضية الفلسطينية، وأنا أقول للنظام في السعودية أن يفعل ما يشاء لخدمة مصالحه، ولا أحد ينكر عليه ذلك، لكن أنا أنكر عليه أن يخدم مصالحه سحبا من رصيد القضية الفلسطينية، وهذا لا يجوز، فالسعودية دولة غنية وأعطت ترامب نصف تريليون دولار، وتبرعت لمؤسسة إيفانكا ترامب (زوجة كوشنير ) بـ 100 مليون دولار، ثم تأتي وتتبرع لللاجئين بـ 50 مليون فقط.
أقول لمحمد بن سلمان، تريد أن تبدد الثورة السعودية فهذا لك وشأنك، لكن لا تسحب من رصيد الشعب الفلسطيني المقهور ولا من رصيد القضية الفلسطينية، وإذا كنت لا تريد أن تساعدني في مواجهة الصهيونية العالمية ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية فلا تجرحني أو تسحب من رصيدي.
هناك تقارير إعلامية تتحدث عن زيارة قريبة لولي العهد السعودي إلى إسرائيل.. فهل يعني ذلك تتويجه رسميا لعرش المملكة؟
إذا وصل محمد بن سلمان إلى تل أبيب فستكون الخطوة الأولى في الوصول إلى العرش السعودي، وهذا وشأنه، وشأن الشعب السعودي، واعتقد أن هناك تقارير تكشف وجود صراع داخل العائلة الحاكمة في السعودية قد ينجح وقد يسقط، لا يعنيني ذلك، ما يعنيني أن السعودية لا تسحب من رصيدي لأن رصيدي ضعيف جدا، فهي تمتلك أرصدة هائلة وتستطيع أن تغري من تشاء وتشتري من تشاء، وأنا ما عندي شيء، هو عنده زيت نفط وأنا ما عندي سوى زيت زيتون.
أقذر قيادة سياسية يشهدها التاريخ قديما وحديثا هي القيادة الأمريكية
هذه القوانين تستطيع الإدارة الأمريكية أن تلعب بها لابتزاز السعودية في الوقت الذي تراه مناسبا. والسعودية من وجهة نظرها تواجه ذلك بضخ الأموال وإعطاء نصف تريليون دولار لترامب وعقود سلاح كوسيلة تستهدف وقف الغضب الأمريكي، وتمهد في الوقت ذاته طريق الوصول إلى العرش.
لكن أقذر قيادة سياسية يشهدها التاريخ قديما وحديثا هي القيادة الأمريكية التي لا ترعوي عن فعل شيء في سبيل الوصول إلى أهدافها، هذه قيادة نفعية فلسفتها فلسفة نفعية، إذا وجدو أن قانون جاستا سوف يأتي لهم بالمكاسب الكبرى سيفعلوه، وفي الواقع هو مفعل الآن ، فهناك نحو 12 قضية موجودة في المحاكم الأمريكية لكن المؤسسة الأمريكية لم تدفع بها رسميا، وتدفع فقط في ابتزاز النظام السعودي.
والنظام السعودي واضح أنه جاهز للابتزاز وقابل بالابتزاز، لأن المبالغ التي ضخها النظام السعودي في رحلة ترامب أراه نوعا من تبديد الثورة وترامب يظل يقول لولا حمايتنا لكم لن تظل بالحكم أسبوعين، وهذا التصريح يفضح العقلية الأمريكية، ومعناها أنها مرتزقة، أنت لم تأتي لحماية المصالح الأمريكية كما تدعي أنت تبتزني مثل عصابات المافيا التي تفرض إتاوات على أصحاب الشركات والمحلات الكبرى مقابل حمايتها.
فشل المشروع الأمريكي في إدانة حماس يعني رخصة قانونية وشرعية لما تقوم به المقاومة الفسطينية
هذا قرار يعني أن العالم يؤمن إيمانا راسخا أن هناك مقاومة مشروعة يقوم بها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، وهذا ترخيص وشهادة من العالم بمشروعية النضال الفلسطيني، حتى النسبة التي قالوا عنها إنها مرتفعه، صحيح، وقد نلوم الدبلوماسية الفلسطينية بأنها لم تعمل بما فيه الكفاية، إلا أن المشروع في النهاية نجح بعدم إدانة حركة المقاومة الفلسطينية، وعدم الإدانة يعني مباركة ما تقوم به المقاومة الفلسطينية، وهذه رخصة قانونية وشرعية لما تقوم به المقاومة الفسطينية.
وماذا تعني هذه الرخصة للمقاومة الفلسطينية؟
أن تلتزم المقاومة الفلسطينية بمبادئ القتال النظيف، ويجب ألا تنخرط في أعمال تمس مدنيين وتمس أهداف مدنية، يجب أن تركز عملياتها على الجوانب العسكرية، لأن نضالها نضالا مشروعا ويجب الحفاظ على نظافة هذا النضال والتأكيد على مقاتليها أن يحافظوا على هذه النظافة.
هل يمكن أن تشكل هذه الرخصة سندا قانونيا للمقاومة الفلسطينية في المحافل الدولية؟
سبق وأن كان هناك مشروعية ثورية مشروعية الثورة الفلسطينية.. لكن بعد احتلال 67 هذه المشروعية أصبحت مشروعية قانونية بعد أن تحولت منظمة التحرير إلى دولة وانخرطت في العملية السياسية، وهذه العملية أصبحت الممثل القانوني للثورة الفلسطينية، هم مسؤولو منظمة التحرير، ومن يستطيع أن يذهب إلى المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية هم المسؤولون الفلسطينيون من منظمة التحرير باعتبارهم الممثل القانوني للقضية الفلسطينية.
أما المقاومة الفلسطينية فهي تمثل مشروعية ثورية، لكنها لا تستطيع أن تمثل مشروعية قانونية، وليس لها حق الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية ولذلك نأمل ( ولو أنه أمل ضعيف جدا ) أن يتم تحرير الصف الفلسطيني وإعادة هيكلة منظمة التحرير وتصبح كل الحركات المقاومة جزء من إطار منظمة التحرير حتى يكون الجهد الفلسطيني مركزا وجماعيا.