هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تقود روسيا منذ أيام حملة سياسية وإعلامية كبيرة ضد السياسة الأمريكية في شرق الفرات السوري، ولم تعد تقتصر التصريحات على وزارة الخارجية فقط، بل شملت الكرملين ووزارة الدفاع مع اتهام رئيس هيئة الأركان الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف الولايات المتحدة بمحاولة إنشاء كيان كردي مستقل شمال سورية.
هذه الهجمة الروسية جاءت بعيد حصول تطورات أربعة شرق الفرات في الفترة الأخيرة:
1 ـ مذكرة التفاهم الموقعة بين الولايات المتحدة و"قوات سورية الديمقراطية" وما تضمنته من تدريب 30 ألف عنصر لمدة عام، ونشر نقاط مراقبة عسكرية على الحدود مع تركيا (3 أبراج في تل أبيض وبرجين في عين العرب/ كوباني، وأبراج في رأس العين وعامودا والدرباسية).
وليس معروفا إلى الآن ما إذا كانت الخطوة الأمريكية هذه مجرد تكتيك مؤقت لحين انتهاء الحرب على "داعش" بعد تهاون "قسد" في رد هجوم "داعش" على بلدة البحرة، وسيطرته عليها، ووصوله إلى قرى وبلدات الشعيطات، أم هي خطوة استراتيجية لمنع أية محاولة تركية مستقبلية لتغيير الواقع الجغرافي شمال شرق سورية، رغم إعلان واشنطن بقاء قواتها في سورية من أجل محاربة "داعش" ومنع عودته، وإخراج إيران، والدفع نحو حل سياسي سوري.
2 ـ عمليات تسلل واغتيالات تشهدها منطقة شرق الفرات ضحيتها أطراف من الجانب التركي والوحدات الكردية.
إقرأ أيضا: روسيا تتهم أمريكا بقصف دير الزور بالفسفور والبنتاغون ينفي
تشير هذه التطورات إلى اعتماد الأتراك والوحدات التركية العمليات الانغماسية في محاولة منهما لكسر الفيتو الأمريكي الذي يمنع تركيا من ضرب الوحدات الكردية، ويمنع الأخيرة من الاعتراض على التفاهمات الأمريكية ـ التركية في عفرين ومنبج.
3 ـ انعقاد مؤتمر الحوار السوري ـ السوري في مدينة عين عيسى شمالي الرقة برعاية "مجلس سوريا الديمقراطية" لبحث رؤية مستقبلية لسورية.
وتناول اللقاء الحواري نظام الحكم اللامركزي، وشكل الدستور المستقبلي في سورية، والملف الإنساني حول المعتقلين والنازحين، إلى جانب الملفات الاقتصادية وسبل توحيد رؤى المعارضة.
وشارك الكثير من القوى والشخصيات السياسية المعارضة، ولم يكن بالإمكان عقد مثل هذا المؤتمر لولا وجود دعم أمريكي من أجل تحقيق أهداف عدة، أهمها:
ـ ترسيخ الحضور الكردي في المشهد السياسي بعدما تم تثبيته في المشهد العسكري، وتشكيل تيار سياسي ثالث يجمع بين مطالب المعارضة من جهة ومطالب النظام من جهة ثانية.
ـ محاولة تشكيل قوى سياسية وازنة مرتبطة مع الولايات المتحدة لمواجهة روسيا وتركيا، وقطع الطريق عليهما في الاستفراد بطرفي المفاوضات السياسية، ووضع فيتو ضد الحضور الكردي المدعوم أمريكيا في مفاوضات التسوية، وقد أعلن المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرينتيف "أن بلاده ترغب في مشاركة القوى التي لا ترفض تركيا وجودها لكونها تهدد أمنها".
4 ـ تعزيز إيران وجودها العسكري غرب نهر الفرات في الميادين والبوكمال ودير الزور في محاذاة خطوط انتشار حلفاء واشنطن، حيث تعمل طهران منذ فترة على إنشاء تنظيمات محلية من العشائر لمحاربة الوجود الأمريكي وحلفائه.
وقد وصلت تعزيزات عسكرية إيرانية إلى بلدتي خشام والصالحية شمال مدينة دير الزور.
ويعتبر الشيخ نواف البشير شيخ عشيرة البكارة رأس حربة المشروع الإيراني، وترتبط عشيرة البشارة مع الإيرانيين بما يعرف بالشيعة السياسية، حيث يعود نسب العشيرة إلى الإمام "الحسين".
ومن الواضح أن إيران تريد تطبيق النموذج الأمريكي الذي طبق في العراق قبل أكثر من عشر سنوات والمعروف باسم الصحوات، من أجل ضرب وجودها في سورية عبر وسائط محلية.
ولا ينفصل عن ذلك القرار الأمريكي بتدريب قوات "سورية الديمقراطية"، إذ تعمل واشنطن على تعزيز قواتها لتكون رأس حربة في مواجهة إيران خلال المرحلة المقبلة، من دول حصول مواجهة أمريكية ـ إيرانية مباشرة.
ويبدو من مسار الأمور أن مواجهة عسكرية ستندلع بين العشائر المدعومة من إيران وبين "قسد" المدعومة أمريكيا ولو بعد حين.
الخطوات الأمريكية شرق الفرات استكملت بخطوات في قاعدة التنف، حيث وصلت تعزيزاتٍ عسكرية أمريكية جديدة.
تعزيز الحضور الأمريكي في الشرق السوري أربك روسيا التي أطلقت مجموعة من التصاريح خلال الفترة المقبلة تحذر من الخطوات الأمريكية في دعم مشروع "انفصالي".
ويكشف ما يجري في الشمال الشرقي من سورية حجم المأزق الروسي، فلا روسيا قادرة على مواجهة الأمريكيين وإعادة السيطرة على منابع النفط والغاز والثروة الحيوانية والزراعية، ولا هي قادرة على مد جسور التواصل مع الأكراد لعدم خسارة تركيا.
كاتب وإعلامي سوري
إقرأ أيضا: واشنطن تتهم موسكو بمساعدة دمشق في فبركة هجوم كيميائي