هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مدونة "ديفيد دي بيرس" مقال رأي للدبلوماسي الأمريكي السابق ديفيد بيرس الذي بين ملامح الوضعية الحالية للمملكة السعودية عقب تورطها في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، فضلا عن مستقبلها المجهول في خضم توتر علاقات نظام بن سلمان مع أغلب دول العالم.
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن ضلوع النظام السعودي في عملية اغتيال جمال خاشقجي كانت له تداعيات سلبية على الاستقرار الداخلي في المملكة العربية السعودية، فضلا عن تأثيره الملموس على العلاقات السعودية الأمريكية، ومن المرجح أن حجم النفوذ الذي يتمتع به ولي العهد محمد بن سلمان سيتراجع بشكل ملحوظ، وستتقلص خياراته السياسية على نحو غير مسبوق.
وأورد سفير الولايات المتحدة السابق لدى كل من الجزائر واليونان أنه في حين يعمد المراقبون الخارجيون إلى انتقاد ابن سلمان على خلفية اغتيال خاشقجي، فإن هذه القضية تشكل مشكلة أكبر بكثير داخل المملكة.
ونظرا لاعتماد المملكة على نظامي الشورى والإجماع للفصل في القضايا الهامة، يبدو أن المجتمع السعودي على موعد مع تغيير ابن سلمان للطرق المعتمدة في صنع القرار، ومنح المزيد من الصلاحيات للحلفاء الخارجيين مثل الولايات المتحدة للتدخل في شؤون السعودية الداخلية.
اقرأ أيضا: النص الكامل لـ"وول ستريت" عن رسائل ابن سلمان للقحطاني
وبين الكاتب أن الملك سلمان بن عبد العزيز يرزح تحت ضغط كبير بسبب دعوة العديد من الشخصيات البارزة داخل المملكة إلى أخذ العدل بعين الاعتبار أثناء التعامل مع تجاوزات نجله محمد بن سلمان.
وتجدر الإشارة إلى أن ولي العهد استأثر لنفسه بالعديد من الصلاحيات والمناصب، خاصة على المستوى العسكري والاستخباراتي، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع التقسيم التقليدي للسلطة في المملكة.
وذكر بيرس أن تصرفات محمد بن سلمان لا علاقة لها بتعاليم الإسلام، حيث أنه يعتمد فقط على القوى الأمنية ليضمن سيطرتهم على هياكل الدولة ومعارضيها، وهو ما يتناقض مع التقاليد الراسخة. ونظرا لقدسية المملكة السعودية في نظر سكانها والعالم الإسلامي كافة، فإن التصرف بمنأى عن التوصيات القرآنية من شأنه توليد رد فعل سلبي.
وتطرق الكاتب إلى الرهانات المتاحة أمام المملكة السعودية في ظل التقدم التكنولوجي وظهور مواقع التواصل الاجتماعي. ويعتقد ولي العهد أن الطرق القديمة التي ينتهجها والده لم تعد نافعة وينبغي استخدام المزيد من القوة ضد المعارضين. وبناء على ذلك، تخلت المملكة عن بعض الضوابط في رحلتها نحو تغيير طرق إدارتها لشؤونها الداخلية والخارجية.
اقرأ أيضا: معارض سعودي يرثي حاله مع النظام باقتباسات شعرية
ومن هذا المنطلق، برزت العديد من الخيارات التي بإمكان المملكة اتباعها في ظل الأزمة الخانقة التي أفضت إليها حادثة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، ومن بينها إدراك أن غياب القيود عن سلطة محمد بن سلمان خطأ فادح، وضرورة التوجه نحو إرساء نظام ملكي دستوري يكون أكثر تكريسا لمبادئ الديمقراطية، والخضوع للمساءلة.
وأوضح الكاتب أن أول خطوات التقدم في المملكة، التي تطمح للخروج من الأزمة التي خلفها اغتيال خاشقجي وتلافي آثارها، تتمثل في إقرار محاسبة داخلية حتى لو استوجب الأمر مساءلة الملك سلمان لنجله بصفة مباشرة. ويعتبر الأمير أحمد بن عبد العزيز، شقيق الملك سلمان، أحد أبرز الوجوه التي يمكن لها قيادة هذه المساءلة، لاسيما أنه كان غير راض عن سياسة ابن شقيقه خارج السعودية، على غرار الحرب على اليمن والحصار المفروض على قطر.
وأشار الكاتب إلى أن إبقاء الملك على نجله في السلطة والفشل في معالجة قضيته المركزية سيضر به بشكل مباشر، لأنه الشخص الوحيد الذي يمتلك حق الإدلاء بالكلمة النهائية في ما يتعلق بمصير نجله محمد بن سلمان. ونظرا لأنه يضطلع بمنصب الوصي الأول على الحرمين الشريفين، فإنه من شأن أي قرار خاطئ التقليل من شأنه والتأثير بشكل سلبي على شرعية إشرافه على مكة المكرمة والمدينة.
وأفاد بيرس بأن الأمريكيين يمتلكون أسبابا وجيهة ليتمسكوا بعلاقاتهم مع السعودية على الرغم من جرائمها المرتكبة في اليمن وسوريا وغيرها، لكن ذلك لا يعد مبررا لعدم إجراء أي إصلاحات على هذه العلاقة التي تشوبها الاختلالات. وفي واقع الأمر، يبدو أن هذا الوقت الأنسب لإنهاء الحصار على قطر، ووضع حد للحرب الطاحنة في اليمن، وتوحيد صفوف مجلس التعاون الخليجي من جديد.
اقرأ أيضا: "نيويورك تايمز": النظام السعودي يعود لشراء ولاء حلفائه
ويأمل الكاتب أن يتوجه آل سعود نحو تحديد المسؤولية الكاملة في المستقبل، وتحديد الأطراف المسؤولين عنها، وإجراء بعض التغييرات بناء على الاستنتاجات التي يتوصلون إليها حتى وإن تضمن ذلك استبعاد ولي العهد ومحاسبته. وفي ظل استبعاد كل من وزير الخارجية مارك بومبيو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتواجد أدلة دامغة على تورط محمد بن سلمان، يجدر بنا انتظار ما سيقدم الملك سلمان على فعله.
وتطرق بيرس إلى تصريح أدلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ فترة، الذي أفاد بأن مشكلة التغيير السعودي لا تتمحور حول النفط أو صفقات الأسلحة أو مقتل خاشقجي، وإنما حول تجنب الفوضى المزعزعة للاستقرار في مهد وقلب الإسلام. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن تركيز السعوديين يجب أن يكون منصبا على الحفاظ على استقرار بلادهم بغض النظر عن تواجد محمد بن سلمان في المناصب القيادية أو غيابه.
وفي الختام، نوه الكاتب بأن التنظيمات الإرهابية تشكل خطرا محدقا بالمملكة العربية السعودية، حيث سبق لتنظيم الدولة السيطرة على مناطق إستراتيجية في سوريا والعراق، وهو قادر على فعل نفس الأمر في حال فقدان السعودية للسيطرة على منشآتها وقيادتها.