في بداية شهر آب/ أغسطس الماضي، نقلت وسائل إعلام يونانية أن دولة
قطر عرضت القيام بوساطة مع الجانب التركي، من أجل المساعدة على إطلاق سراح جنديين
يونانيين كانت السلطات التركية قد اعتقلتهما أثناء تواجدهما على أراضيها في شهر
آذار/ مارس الماضي.
الجانب
اليوناني قال إنهما دخلا بالخطأ آنذاك إلى الأراضي التركية، بسبب سوء الأحوال
الجوية، فيما يعتقد الجانب التركي أنهما دخلا منطقة عسكرية محظورة، من أجل التجسس.
وفقا
لما نقلته وسائل الإعلام اليونانية حينها، فإن نائب رئيس الوزراء، وزير الدولة
لشؤون الدفاع في قطر الدكتور خالد العطية، كان قد عرض عقب محادثاته مع وزير الدفاع
بانوس كامينوس في أثينا القيام بمبادرة للتوسط لدى
تركيا، من أجل إطلاق سراح
الجنديين اليونانيين، وأنّ الوزير اليوناني رحّب بهذا الأمر.
وأشار
إلى حجم العلاقات التي تربط الدوحة بتركيا. ولم يصدر أي تأكيد من أي جهة حتى الآن
حول وجود هذه المبادرة أو صحّة المعلومات التي نقلتها وسائل الإعلام اليونانية
بهذا الشأن.
لكن
واستنادا إلى مصادر رسمية، لم يحصل أن اقترح الجانب القطري مثل هذه المبادرة على
اليونان إطلاقا.
الجانب
التركي لم يمانع يوما في الاستماع إلى ما لدى الآخرين، لكن جوابه كان يتمحور دوما
على أمور عدة، من بينها أن على القضاء أن يستكمل إجراءاته أولا –في حال لم يكن قد
استكملها- لأنه لا يمكن التدخل في أحكامه.
أما
المسألة الأخرى، فهي ضرورة التعامل بالمثل. في الحالة اليونانية، يرى الجانب
التركي أنّه لا يجوز لليونان تقديم العون واللجوء إلى مجموعة من الجنود الأتراك
ممن شاركوا في الانقلاب، وأن على أثينا تسليمهم بدلا من تقديم الحماية لهم، الأمر
الذي ترفضه الأخيرة.
بعد
يوم واحد فقط من الحديث عن وجود مبادرة قطرية، ردت الخارجية التركية على تصريحات
لوزير الدفاع اليوناني، كان قد أدلى بها لإحدى القنوات التلفزيونية، وأشار فيها
إلى أن الجنديين اليونانيين محتجزان في تركيا بتعليمات من الرئيس أردوغان نفسه.
وجاء
في رد الخارجية التركية أن تصريحات الوزير اليوناني مثال آخر على التصرفات
اللامسؤولة وغير الجدية للشخص المذكور، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن محاولة البقاء
في الأضواء من خلال الاستمرار في إطلاق إدعاءات لا معنى ولا أساس لها، هدفه توجيه
الرأي العام اليوناني لاتجاهات أخرى.
بعض
المعلومات أشارت سابقا إلى أن رئيس الوزراء اليوناني ليس من أنصار تأمين اللجوء
للعناصر الانقلابية التركية، لكنه لا يستطيع أن يدفع بهذا الاتجاه، خوفا من انهيار
حكومته الائتلافية التي تحتاج إلى حزب وزير الدفاع اليوناني، الذي يؤمّن لها
الأغلبية البسيطة المطلوبة.
ولهذا
السبب بالتحديد، فإن مواقف وزير الدفاع غالبا ما تكون حادة ومعادية لتركيا، ولذلك
فإن الجانب التركي حساس جدا إزاء كل ما يتعلق بوزير الدفاع اليوناني.
أيا
يكن الأمر، وبعد أيام من التصريحات والتصريحات المضادة، وفي قرار لافت، أفرجت
السلطات التركية عن الجنديين اليونانيّين.
الحكومة
اليونانية رحّبت بالأمر، وأتبعت ذلك بعدد من التصريحات والمبادرات الإيجابية، كان
من بينها إعلان استئناف النقاشات الثنائية مع تركيا، المتعلقة بإجراءات بناء الثقة
بين الطرفين بعد تعليقها في بداية العام.
وبالرغم
من أن القرار لاقى صدى إيجابيا لدى الحكومة اليونانية، إلا أنه لم يحظ باهتمام كاف
لدى وسائل الإعلام الأجنبية، على اعتبار أن النزاع الأمريكي- التركي حينها كان قد
طغى على جميع الأحداث الأخرى.
علما
بأن الإفراج عن الجنديين قد يكون مرتبطا إلى حد كبير بالمعركة الجارية مع الولايات
الأمريكية.
الإفراج
عن الجنديين هو مؤشر على أن السلطات التركية سلطات براجماتية قادرة على خوض نقاشات
إيجابية، واتخاذ قرارات ترتبط بمدى تحقيقها لمصالحها العليا، وربما قُصِدَ من
الإفراج إرسال رسالة إلى الحكومة الأمريكية، بأن ملف الخلاف حول برونسون قابل للحل
في نهاية المطاف، لكنه يرتبط بضرورة تغيير واشنطن لسلوكها والتخلي عن سياسة
التهديد والابتزاز.
فما
تم تحقيقه مع اليونان وهي الخصم اللدود، من الأسهل تحقيقه مع أمريكا، إذا ما
توافرت الظروف الملائمة لذلك.
نقطة
أخرى، قد يكون الجانب التركي عزم على استهدافها من خلال الإفراج عن الجنديين
اليونانيين، وهي محاولة استقطاب الاتحاد الأوروبي أكثر فأكثر، في أمور تتجاوز
المصالح الاقتصادية، ونزع الذرائع من أيدي من يريدون عرقلة هذا التقارب في هذا
التوقيت بالتحديد.
تركيا
اليوم في أشد الحاجة إلى علاقات سياسية واقتصادية وأمنية مهمة في وجه البلطجة
الأمريكية، وإفراجها عن الجنديين في هذا السياق، يخدم هذه الأجندة بشكل جيد، ويسمح
بإفساح المجال للطرفين للبناء عليها لاحقا.