هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كان من الطبيعي أن يسدل عسكري الانقلاب الستار على عدة سنوات من التمثيل وأن يصارح الناس بالحقيقة في نهاية الأمر. انتهت مرحلة المراوغة والوعود وبدأت المرحلة المظلمة، والحقيقة أن مرحلة الظلام بدأت مبكراً جداً لكننا الآن نتحدث عن المكاشفة.
خمس سنوات مرت من بعد الانقلاب الذي خدر البعض بوعود رخاء مستحيلة ومر على جثامين شهداء المجازر في رابعة والنهضة ورمسيس وغيرها، وانكشف الوجه الحقيقي ولم تعد في جعبة الانقلاب وعود بالحنو على شعب لم يجد من يحنو عليه كما كان يقول السيسي منذ خمس سنوات وصارحهم أخيراً بأنه (مفيش حاجة ببلاش خلاص).
ولست أرى الحديث عن دفع عمال مصانع الأسمنت لنفقات سكنهم وعدم توفير نفقات توصيلهم لأعمالهم بالإضافة إلى الحديث عن إغلاق مصنع القومية للأسمنت وبيع أراضي المصنع لتسديد ديونه كما ادعوا، سوى بداية موجة من موجات الخصخصة لن تمس شريحة من المصانع فقط كما حدث في عهد المخلوع مبارك، بل أتصور أن تمتد هذه الموجة إلى الخدمات التي تقدمها الحكومة وبالتالي بدء موجة غلاء جديدة، أشد شراسة من سابقتها.
وليس من المتوقع إيجاد فرص عمل للعمال المتأثرين من قرار غلق المصنع وفي الوقت نفسه يتحدث عسكري الانقلاب عن ظروف عمل شديدة القسوة وهي معطيات تشير في مجملها إلى أن الانقلاب ينفذ برنامج تحول رأسمالي سينتج عنه بلا شك إفقار شريحة من الشعب يصعب تقدير حجمها نظراً لافتقارنا للأرقام.
والحقيقة أنني أرى هذه الحرب الاقتصادية التي يشنها العسكر على الشعب في مصر، من خلال التفسير التقليدي الذي يتحدث عن سيطرة العسكر على النشاطات الاقتصادية ومزاحمة الشعب وهذا بلا شك حقيقي. لكني أرى الأمر بصورة أخرى، خصوصا مع هذه اللهفة الظاهرة على إتمام (المنطقة الانقلابية الخضراء) أو ما يسمونه بالعاصمة الجديدة وسورها الذي يرتفع سبعة أمتار. بالاضافة إلى الوتيرة المتسارعة لعمليات بيع كل شيء في مصر، وتحويل مصر إلى مجموعة من الخدمات ربما ستُدار فيما بعد من داخل ما يسمى بالعاصمة الجديدة.
حادثتان وقعتا منذ أسابيع والفاصل بينهما يومان، الحادثة الأولى هي أن رجل أعمال اختُطف طفله واستطاعت داخلية الانقلاب استعادته، الملفت للنظر هو أن صحف الانقلاب حرصت على أن تؤكد أن والد الطفل المختطف رجل أعمال، ولم يمر يومان على هذه الحادث حتى نشرت صحف الانقلاب أنباء العثور على جثامين أطفال في أحد الأحياء.
والملاحظ في الحادثتين هو أن سلطات الانقلاب تعاملت بحالة من النشاط والإخلاص الكامل في الحادثة الأولى واستعادت الطفل بينما تصرفت بطريقة متراخية في الحادثة الثانية.
فهل تشير هذه الطريقة المتباينة في الحالتين، إلى نية الانقلاب في تقديم خدمات أمن بمقابل؟
والحقيقة أن لدينا من تسريبات عسكري الانقلاب نفسه ما يمكن أن يؤكد هذا، فقد تحدث في تسريب سابق عن ربط الخدمات بالدفع حيث نُشر له تسريب منذ أكثر من ثلاث سنوات يقول فيه (ادفع هوريك اللي عمرك ما شفته).
إن هذا الاهتمام الشخصي من عسكري الانقلاب بالحديث عن تصفية مصنع القومية للأسمنت لربما يكشف عن أن هناك في الأفق خطة لتصفية مصانع حكومية أكثر أو حتى قطاعات حكومية.
لا أحد يمكنه أن يعلم على وجه الدقة لكن ما نراه هو أن مصر مقدمة على موجة غلاء جديدة.