هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع تزايد مواقع التواصل الاجتماعي أصبح الناس
يتواصلون عليها أكثر من تواصلهم بالواقع، وكثيرا ما يتناقشون من خلالها حول قضايا
عدة سواء سياسية أو اجتماعية وغيرها، ولكن يترافق مع هذه النقاشات زيادة
بالمشاحنات والخصومات الشخصية أحيانا.
وكثيرا ما يتحول النقاش حول أمور بسيطة لسوء
فهم وخلافات عميقة بين الأصدقاء، بحيث أصبحت المشاكل التي تحدث خلال الحوار على
مواقع التواصل الاجتماعي أكبر وأعمق من التي تحدث بالواقع، ولذلك عدة أسباب بحسب
الخبراء.
وأجمع خبراء على أن سوء الفهم يحدث على مواقع
التواصل الاجتماعي أكثر منه في الواقع، وأحد أهم أسباب ذلك هو غياب لغة الجسد.
وأشار أخصائي الطب النفسي زهير الدباغ إلى أن
"الحوار الفعال هو تفاعل الأفكار والعواطف، فإذا طغى أحدهما على الآخر، يؤدي
ذلك إلى خلل في هذا الحوار ونتيجة غير مكتملة من ناحية التقبل أو التفهم أو
الالتزام فيه".
اقرأ أيضا: كيف تحمين زوجك من محتالات مواقع التواصل الاجتماعي؟
وتابع في حديث لـ "عربي21": "فمثلا لا يستمر
حوار يرتفع خلاله صوت أحد المتحدثين، ولا يقنع حديث لا يشارك ويتفاعل فيه
المتحاورون بحواسهم وعواطفهم وحركات جسدهم مع الموضوع".
وأكمل: "ولذلك فالحوار في وسائل التواصل
الاجتماعي حتى وإن كانت مرئية، إلا أن الجانب الحسي فيها غير مكتمل، وبالتالي
تُفهم الأفكار بطريقة غير مكتملة، والطرح على غير المراد له أن يكون، وهذا كله
يؤدي إلى أن يصبح الحوار أكثر عنفا وتوترا".
وختم حديثه بالقول: "وقد سمعنا كثيرا عن
رسائل الطلاق من خلال هذه الوسائل، فالخطأ ليس من المتحاورين ولكن العلة في
التكنولوجيا، التي تفتقد لعناصر التواصل البشري، من تعابير الوجه وحركات الجسد".
من جهته قال المحاضر في علم الاجتماع بالجامعة
الأردنية، راكان أبو عرابي: "تتيح وسائل التواصل الاجتماعي فرصة أكبر للأفراد
للتعبير عن أنفسهم، إلا أنها لا تتيح فرصة لتعرف الأفراد على إيماءات الجسد أثناء
التفاعل والتواصل، مما يجعل آلية الرمز والمعنى تحتمل سوء الفهم أكثر بينهم مما قد
يولد الصراع والعنف".
وتابع في حديث لـ "عربي21": "فتواصل
الأفراد وجها لوجه يبرز التعاطف والتفاهم بطريقه لا يمكن إيجادها عبر وسائل
التواصل الاجتماعي".
وأضاف: "كما أن الخلايا العصبية (المرآتية) المرتبطة بمسألة التعاطف مع الغير تعطي الإنسان القدرة على اختبار
الأمور نفسها مع الغير مما يجعل الفرد يشترك مع الآخرين بشكل أسلس وأوضح وأكثر
فهمًا وتناغما".
وأوضح بأن "تفادي حدوث العنف أثناء
التواصل والحوار على البدائل الإلكترونية، قد يعتمد على ثقافة المتلقي والمرسل بالدرجة
الأولى، ومدى تمكنهما من مهارات التواصل اللفظي (كالتغليف التوكيدي)، وفقه
التجاوز، وتقبل الرأي الآخر، ومهارات الإقناع، وإدراك ثقافة الآخر وتجاوز الألفاظ
والمفردات التي تحمل المعاني المثيرة للصراع".
بدورها قالت أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، ميساء رواشدة إنه "لا شك أن الحوار وجها لوجه هو الأكثر تأثيرا بالمرسل والمستقبل، حيث تلعب فيه لغة الجسد دورا كبيرا في التعبير عن فكرة أو إيصال رسالة لطرفي الحوار".
وتابعت ميساء في حديث لـ"عربي21": "وقد تكون لغة الجسد هذه من خلال المشاعر والأحاسيس بعيدا عن الكلام فالصمت بحد ذاته وسيلة تواصل، لذا الاتصال المباشر دائما أكثر فاعلية في إيصال الرسالة الواضحة بعيدا عن سوء الفهم أو التأويل".
اقرأ أيضا: "واتس اب" يمنح مديري المجموعات ميزة جديدة.. تعرف عليها
وأكملت: "أما بالنسبة للاتصال الالكتروني فهو يفتقد مؤثرات التعبير أو اللغة الحسية المرافقة للحوار كحركة اليدين أو لغة الجسد ولغة العيون وحتى حس الفكاهة، ويتصف بالجمود، إلا أن سوء الفهم وعدم القدرة على التعبير عن الحالة النفسية للمرسل وللمستقبل من اهم صفات هذا النوع من الاتصال".
وأردفت رواشدة: "ولا ننسى أن الإتصال الالكتروني لديه خاصية الاحتفاظ بالمحادثات، وفي بعض المواقف تكون هذه الخاصية سلبية فعند الغضب لا يدرك الشخص ما يخرج منه من كلمات أو الفاظ قد تجرح من يقابله في حالة الاتصال المباشر، وكلما عاد المستقبل واطلع عليها تجدد في نفسه الغضب والحزن".
وأوضحت بأن الإتصال الالكتروني جيد لأنه يتسم بالسرعه ويختزل الوقت والمسافات، لكن عند الحديث في مواضيع حساسة الحوار وجه لوجه أكثر إيجابية وأكثر تأثيرا".
وختمت رواشدة حديثها بالقول: "لتفادي سوء الفهم يجب التريث واستخدام كلمات واضحة لا تحتمل التأويل، وعدم الحديث باللغة العامية التي قد تفهم حسب البيئة الاجتماعية والثقافية للمستقبل".
ووافق مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي الخبراء
في رأيهم بأن سوء الفهم أثناء الحوار عليها يكون أكثر منه لو كان النقاش على أرض
الواقع، وأكدوا على أن غياب لغة الجسد له دور في ذلك.
فبحسب رأي الشاب مأمون العبد يسبب غياب لغة
الجسد وتعابير الوجه سوء فهم بين الطرفين المتحاورين.
وتابع العبد في حديث لـ "عربي21": "يساهم
أيضا عدم القدرة على التعبير أحيانا، مثل انتقاء الألفاظ والمصطلحات المناسبة
للحوار من قبل أحد طرفيه، في زيادة نسبة حدوث سوء فهم من قبل الطرف الآخر".
وأكد على أنه شخصيا يفضل الحوار والنقاش وجها
لوجه، أفضل من الحوار كتابيا، حتى يتخلص من التوتر الذي قد يحدث بينه وبين الطرف
الأخر.
من ناحيته يرى أحمد عبد الله أن جلوس الشخص مع آخر والحديث معه وجها لوجه، يساهم في تفاعل الحوار بناء على مستوى الصوت وتعابير
الوجه وحركات الجسد.
وتابع عبد الله في حديث لـ "عربي21": "تؤثر
كل هذه الأمور في طبيعة النقاش بين المتحاورين، ولكن إذا غابت كل هذه الخصائص
وبقيت الكلمات المكتوبة فقط هي من تعبر عن الأشخاص، بالتأكيد يفقد الحوار الكثير
من عناصر التفاعل".
وعن تجربته الشخصية قال عبد الله: "مثلا
أكون أحيانا أتكلم بكل أريحية وأمازح البعض في مجموعات "الواتس اب" أو
على انفراد، لكن الشخص المقابل قد يكون متضايقا في الوقت ذاته، وأنا لا أعلم ذلك،
الأمر الذي يُحدث نوعا من التشنج في الحوار".
وأضاف: "ويتطلب الأمر أحيانا وقتا لينسجم
المتحاورين في الحديث حتى يتفهم أحدهم الأخر، وقد تحدث في بعض الأحيان أنك تريد
توضيح ما طرحه الشخص المقابل فربما يفهم ذلك أنك تريد أن تفرض رأيا مغايرا لما
طرحه".
اقرأ أيضا: الانطباعات الأولية عن جهاز ماك برو الجديد
"وهذا ما يسبب توترا في الحديث، وهنا أبادر إلى إنهاء الحديث لتجنب
الدخول في جدال قد يعكر العلاقة مع الأصدقاء المقربين وهذا ما لا أريد أن يحدث".
بدوره قال أنس السنجري: "سوء الفهم أثناء
الحوار على مواقع التواصل الاجتماعي له أسباب عديدة، جزء منها مرتبط بأن التواصل
عن طريق الكتابة يخلو عادة من العواطف وتعبيرات الوجه سواء كانت المازحة أو
الجادة، وجزء آخر مرتبط بتوقيت الكتابة والحالة النفسية سواء للمرسل أو المتلقي".
وتابع في حديث لـ "عربي21": "صحيح أن
التعبيرات الإلكترونية (الايموشن) ساهمت نوعا ما في إظهار بعض العواطف والتعبيرات،
ولكنها برأيي ليست كافية ولا يمكنها أن تغني عن العواطف والتعبيرات البشرية سواء
الصوتية أو الجسدية".
وخلص بالقول: "لهذا أحاول تجنب الحوار في
المواضيع الجدلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى لا يتسبب عدم تواصلي بلغة
الجسد مع الشخص المقابل بحدوث سوء فهم بيني وبينه".