يواصل تيار اليمين الألماني المتطرف الاعتداءات
على
اللاجئين منذ أكبر موجة لجوء دخلت البلاد عام 2015 وهو العام الذي سُجل فيه
أكبر نسبة اعتداءات بدوافع
عنصرية.
وفي ظل الحديث عن تراجع هذا النوع من الجرائم
في النصف الأول من عام 2018 الذي شهد هجوماً كل يومين على أقل تقدير، بحسب بيانات
مكتب الشرطة الجنائية الاتحادي، إلا أن 74 اعتداء على نزل للاجئين وقع خلال الأشهر
الستة الأولى من هذا العام.
واستناداً إلى بيانات الهيئة
الاتحادية الألمانية لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) فإن الجرائم ذات
الدوافع اليمينية التي أفضت إلى إصابات جسدية تراجعت بنسبة تزيد عن 30 بالمئة
العام الماضي، بينما تراجعت جرائم الحرق العمد لأكثر من 60 بالمئة، وكذلك جرائم
العنف الموجهة ضد نزل اللاجئين بنسبة تزيد عن 70 بالمئة.
وأرجعت هيئة حماية الدستور السبب وراء تراجع
الجرائم ذات الدوافع اليمينية المتطرفة إلى أحكام الإدانة الحازمة التي أصدرتها
الكثير من المحاكم في قضايا تتعلق بهذا النوع من الجرائم.
وقد سجل خلال عام 2015 لاسيما مع بداية موجة
اللاجئين التي اجتاحت البلاد مع نهاية الصيف 1000 حالة اعتداء خلال العام بزيادة
427 في المئة مقارنة بالأعوام السابقة بحسب إحصائيات رسمية، شملت اعتداءات بدنية
ولفظية وتجاوزا وحرقا عمدا.
أما في عام 2016 فقد تعرض اللاجئون لأكثر من
3500 اعتداء، وهو ما يعادل عشرة اعتداءات في اليوم الواحد تقريبا، بحسب تقرير
لوزارة الداخلية الألمانية.
الجدير بالذكر أن عدد اللاجئين الوافدين إلى
ألمانيا تراجع على نحو ملحوظ الأعوام الماضية مقارنة بعام 2015 الذي دخل فيه قرابة
المليون لاجئ للأراضي الألمانية.
أجراءات غير كافية
ويرى الكاتب والباحث في الشأن الألماني وسام
أبوالهيجا أنه ما زال من المبكر التبشير بنتائج المتابعات القضائية والإجراءات
الأمنية التي شهدتها ألمانيا خلال الشهور الماضية لاحتواء خطر الجماعات اليمينية
المتطرفة.
وقال في حديث لـ"
عربي21": "إن
الاستجابة من قبل السلطات الأمنية في ألمانيا جاءت بناء على الدعوات الشعبية
والسياسية المطالبة بمكافحة الخطر الذي تشكله تلك الجماعات على المجتمع عامة، وعلى اللاجئين على وجه التحديد بفعل الهجمات
المتصاعدة التي ينفذها أعضاء تلك الجماعات".
وتحاول هذه الجماعات بحسب الباحث استنساخ تجارب
جماعات البيض العنصرية في الولايات المتحدة، كما هو حال جماعة مواطني الرايخ التي
لا تعترف بالدولة الألمانية، وقوانينها، بل ويحمل كثير من أعضائها السلاح.
لكن أبو الهيجاء اعتبر في الوقت ذاته أن تلك
الخطوات ما زالت غير كافية لردع الجماعات اليمينية التي تتبنى العنف في ألمانيا.
ولفت إلى أنه "أصبح من الضروري تصنيف تلك
الجماعات كمنظمات إرهابية، ولابد من حظر أنشطتها، واعتقال أعضائها المتورطين
بتنفيذ وتمويل هجمات إرهابية، وعلى صناع القرار في أوروبا وضع تلك الجماعات
المنتشرة في عموم القارة على قائمة الإرهاب، على غرار النهج الأمني الذي تتعامل
بموجبه الأجهزة الأمنية و الاستخباراتية مع الجماعات التي ترفع شعارات إسلامية
وتنتهج العنف كتنظيم الدولة الإسلامية وغيرها".
العبرة بالتطبيق
واتفق أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هامبورغ
عزيز القزاز مع الباحث أبو الهيجا باعتباره أن الإجراءات لمكافحة الجرائم بحق
اللاجئين غير كافية.
وقال القزاز في حديث لـ"
عربي21":
"إن العبرة في التطبيق للأحكام المغلظة على من تورطوا بالاعتداءات على
اللاجئين، وليس في سن القوانين والتشريعات لأن هذا موجود ومكفول في القانون
الألماني".
وأعرب القزاز عن مخاوفه من التنكر لحقوق
الإنسان لاسيما بحماية اللاجئين في ظل الضرورات الأوروبية، معبراً عن تشكيكه بوجود
جذور عميقة للسياسات الإنسانية.
وأوضح أن دخول اليمنيين في البرلمان، وحصولهم
على القوة الثالثة داخله، وجعلهم ضمن مؤسسات الدولة الرسمية كجزء من النظام جعل
نشاطهم بالاعتداء على اللاجئين أقل من الأعوام الماضية.
حلول جذرية
ولفت إلى أن عناصر اليمين المتطرف اعتمدوا على
التخويف من ظاهرة اللاجئين، وأظهروا بأنهم يفعلون ولا يتكلمون فقط، وقد لبس بعض من
عناصرهم كخطوة رمزية زيا شرطيا وحاولوا طرد اللاجئين عن الحدود، وقد كانت الهجمات
جزءاً من هذا الجانب الذي استغلته الجماعات اليمينية.
وأكد أستاذ العلاقات الدولية أن وزير الداخلية
الحالي هورست زيهوفر قد يؤثر على بعض القرارات ويتساهل في بعض الأحكام مع الجماعات
اليمنيية المتطرفة أو يخفف الضغوط عليها، مستدركاً: "لكنه ليس لوحده، فهناك
وزارة العدل".
وأشار إلى أن وزير الداخلية لديه هدفان أولهما:
إبعاد اللاجئين عن الحدود وعدم السماح لهم بدخول البلاد، وثانيهما إعادة اللاجئين
الموجودين داخل الأراضي الألمانية إلى بلدانهم.
واعتبر القزاز بأن الحل الفعلي لمسألة
الاعتداءات على اللاجئين تكون بمعالجة الأسباب الجذرية المؤدية لذلك، وليس بمعالجة
الظواهر فقط.