هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في خطوة متوقعة سلم اللواء المتقاعد خليفة حفتر حقول وموانئ النفط شرق ليبيا، إلى المؤسسة الوطنية التابعة لمجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، آمرا قواته بفتح الموانئ أمام دخول البواخر لاستئناف عمليات التصدير.
وتعرض حفتر وحلفاؤه الإقليميون كمصر والإمارات ومن ورائهما فرنسا إلى ضغوط دولية، كان آخرها في اجتماع ضم كبار موظفي وزارات خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والإمارات وتونس ومصر والجزائر، في العاصمة روما.
وفي الاجتماع رفضت الولايات المتحدة شروط حفتر الرابطة بين تسليم وفتح الموانئ وبين إقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي الحالي، الصديق الكبير، واستبداله بالمحافظ محمد الشكري الذي انتخبه البرلمان في كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي.
وطلبت الولايات المتحدة من مصر والإمارات الضغط على اللواء المتقاعد لفتح حقول النفط والموانئ أمام التصدير تحت إدارة مؤسسة طرابلس، دون قيد أو شرط.
عصا أمريكية
وقال المستشار السياسي السابق للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا أشرف الشح، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بعث برسالة إلى رئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح ينتقد فيها دوره في أزمة الهلال النفطي الليبي، ويطالبه بضرورة إرجاعها تحت إدارة مؤسسة طرابلس.
وبرر الشح في تصريح لموقع "عربي21" تدخل الرئيس الأمريكي، بأن الإدارة الأمريكية حريصة على استقرار أسواق النفط العالمية بعد العقوبات التي فرضتها على تصدير الخام الإيراني، مع توقع ارتفاع الأسعار.
وأكد المستشار السياسي السابق، أن الولايات المتحدة رفضت بشكل قاطع محاولة مصر والإمارات مقايضة فتح الموانئ والحقول النفطية، بإجراء تغييرات على أي وظائف سيادية وعلى رأسها منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي.
وأوضح الشح، أن الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية لم تصر فقط على فتح تصدير النفط الليبي دون قيد أو شرط من حفتر، بل توعدت بفرض عقوبات دولية حازمة، في حالة إذا ما حاول اللواء المتقاعد بيع النفط من غير طريق المؤسسة الوطنية المعترف بها دوليا.
من جانبه رأى الأكاديمي في جامعة طرابلس، أحمد يونس، أن تسليم حفتر لموانئ الهلال النفطي، أبان أن القوات التي يسيطر عليها ليست نظامية، وغير خاضعة للدولة الليبية، وإلا لما ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا لتسليم عمليات الإنتاج والتصدير إلى المؤسسة الشرعية المعترف بها في العاصمة طرابلس.
اقرأ أيضا: "النفط الليبية" تعلن عودة الإنتاج وانتهاء سيطرة حفتر
وقال يونس لـ"عربي21"، إن المجتمع الدولي وخاصة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن تتعامل مع حفتر كطرف واقعي، إلا أنه أمامها منقوص الشرعية بسبب رفضه الاعتراف باتفاق الصخيرات السياسي الموقع في نهاية عام 2015، وانقلاباته الدائمة على أي تفاهمات مع المجلس الرئاسي، والتي كان أخرها مبادرة باريس برعاية الرئيس ماكرون، وإصراره على استمرار المؤسسات الموازية في شرق ليبيا.
وأضاف الأكاديمي الليبي، أن رضوخ حفتر في ملف النفط للإرادة الأمريكية لا يعطي مؤشرات على ضعفه، أو تحجيم دوره، وأدوار حلفائه في القاهرة وأبوظبي، بل سيبحث حفتر عن صيغ أخرى للمناكفة، وأن التدخل الأمريكي جاء نتيجة تغول حفتر على ملف يمس أمن الطاقة العالمي، وليس مشكلة ليبية محلية.
توحيد المسارات
أما الصحفي الليبي ياسين خطاب يرى أن الحضور الأمريكي بدا واضحا منذ تعيين الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني ويليامز نائبةً للمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، وهو ما قد يسمح بتوحيد المسارات الإقليمية تجاه ليبيا ووضوح الأجندات بشأنها، لاسيما من طرف فرنسا وإيطاليا، وعدم استمرار التضارب في المبادرات بخصوص ليبيا.
وقال خطاب لـ"عربي21" إن عودة فتح الموانئ النفطية تأتي عقب ضغوط مارستها الولايات المتحدة الأمريكية على معسكر المنطقة الشرقية، وكان آخرها ما جرى أول أمس في اجتماع روما إذ حاولت القاهرة وأبوظبي مقايضة فتح الموانئ النفطية بموضوع تغيير محافظ مصرف ليبيا المركزي، لكن الرأي الأغلب كان بضرورة عزل موضوع فتح الموانئ عن أي ملف آخر وعدم ربطه به.
من جهته، قال عضو البرلمان الليبي، جلال الشويهدي إن "رسالة السراج لمجلس الأمن خطوة هامة وجريئة ومرحب بها، وأنه يتمنى أن يتعاطى معها المجلس عبر منظمة الشفافية الدولية وأن تشكل فعلا لجنة فنية دولية للإشراف على توزيع النفط".
وأشار في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، إلى أنه "من المتوقع أن تكون هناك حملة منظمة من "لوبي" الفساد في ليبيا ضد السراج ورسالته، كون هؤلاء يسعون دائما لعرقلة أي خطوة إيجابية من شأنها حل الأزمة الليبية لأن إطالة الأزمة وبقائها يصب في صالح فسادهم"، وفق قوله.
وبخصوص تراجع "حفتر" وقراره بإعادة تصدير النفط، قال البرلماني الليبي: "هذا التراجع جاء بعد التلويح بالعصا الأميركية خلال رسالة ترامب الأخيرة، خاصة أن واشنطن هي من تتحكم في الموقف والتعاطي الدولي مع الملف الليبي"، كما قال.
استقرار سياسي واقتصادي
وتوقع الكاتب الليبي، نصر عقوب أن "يترتب على إعادة تصدير النفط استقرار للوضع السياسي والاقتصادي المتأزم، لكن ربما لن تساهم في تبدله أو تحسنه، فقط الاستقرار".
وأوضح في تصريحه لـ"عربي21"، أن "تراجع "حفتر" عن قراره الذي ملأ الدنيا وشغل برقة والوطن، جاء بعد رسائل قوية تحمل في طياتها وعيداً وتهديداً بالعقوبات، ورجوعه عن قراره هو بداية انتهاء مشروعه، أما رسالة السراج لمجلس الأمن فلا أتوقع لها نجاحاً كلياً مع إمكانية حدوثها"، حسب تقديره.
اقرأ أيضا: رئيس "النفط الليبية" يدعو حفتر لتسليم حقول شرق البلاد
وقال الإعلامي الليبي، نبيل السوكني إن "خطوة السراج تعتبر من أهم القرارات الجريئة التى اتخذها منذ توليه السلطة، لكن لا أعتقد أن يوافق مجلس الأمن على مقترح تشكيل لجنة دولية قريبا، إلا إذا عاود "حفتر" أو الجضران غلق الموانئ مرة أخرى".
وأضاف: "رد فعل "حفتر" السريع جاء بعد تلويح أميركي بفتح ملف انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ارتكبتها قواته حال تعنته، وإعادة التصدير ستؤدي إلى استقرار الأمور بعض الشيء"، وفق قوله لـ"عربي21".
استهداف نفط "إيران"
لكن الباحث السياسي، علي أبو زيد رأى أن "إعادة تصدير النفط الليبي يأتي انسجاما مع سياسات أمريكا في المنطقة ومحاولتها تخفيف تداعيات عقوباتها الاقتصادية التي تستهدف النفط الإيراني وتعويض حصة طهران في السوق العالمي ومنع ارتفاع أسعار النفط".
وتابع لـ"عربي21": "أما مقترح السراج بتشكيل لجنة مراجعة دولية فهدفه إحراج "حفتر" حتى يوافق على توحيد السلطة التنفيذية، ولا أعتقد أن توزيع إيرادات النفط سيتم بشكل عاجل ما لم يحدث استقرار ويتم إقرار دستور هذا كله من وسائل الضغط بين أطراف الصراع السياسي"، حسب رأيه.