هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم يكن متوقعا من اجتماعات مجلس الأمن في شأن مطلب الحماية الدولية
للفلسطينيين، أن تخرج بنتائج غير تلك التي خرجت بها، فالانحياز الأمريكي لإسرائيل
ليس في حاجة إلى إثبات، والـ«فيتو» كان متوقعا.
أما
الإخفاق المتكرر في تمرير القرار، فلا يعني القول بعبثية المحاولة أو التشكيك في
جدواها. صحيح أن «الفيتو» الأمريكي دائما بالمرصاد، لكن الصحيح أيضا أن تكرار
المطالبة «جزءٌ من المعركة السياسية الفلسطينية في المحافل الدولية». فالنقاش حول
الوضع الفلسطيني في أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة مكسبٌ، يُبقي القضية حيّة على
جدول الأعمال الدولي، ويُحدث تغييرا، ولو بسيطا، في الاصطفافات داخل المنظمة
الدولية. الإنجازات الفلسطينية هي حصيلة تراكمات لتغييرات بسيطة.
في
جلسة التصويت على الحماية الدولية، بدَت أمريكا الطرف الأضعف، على رغم تعطيلها
بالـ «فيتو» صدور مشروع القرار. كانت الأضعف عندما وقفت وحيدة معزولة إلى جانب
دولة احتلال عنصري، فاقدة الصدقية تكيل الاتهام إلى الأمم المتحدة بـ «التحيّز
الشديد في شكل ميؤوس منه ضد إسرائيل»، وفق السفيرة الأمريكية نيكي هايلي. وبدت
الطرف الأضعف لأن أقرب حلفائها اختار أن ينأى بنفسه عن مواقفها.
الأنكى،
أنها طرحت في الجلسة ذاتها مشروع قرار مضادا لم يحظ بدعمٍ من أحد. وحدها أمريكا
صوّتت معه. ولا عجب، فمشروع القرار يبرئ إسرائيل من قتل المحتجين الفلسطينيين في
غزة، ويدافع عن حقها في الدفاع عن نفسها، ويُحمّل حركة «حماس» وحدها مسؤولية
التصعيد. لم يكن ينقصه سوى المطالبة بحماية دولية للاحتلال!
ذلك
لا يعني أن الدول الغربية أصبحت في صف الفلسطينيين، ولكن يبدو أنها أقرب إلى
موقفهم هذه الأيام مما هي إلى أمريكا التي تتجاهل مصالح حلفائها، سواء التجارية أو
في ما له علاقة بالاتفاق النووي مع إيران. لا ننسى أن مسألة الحماية الدولية
مسؤولية مجلس الأمن وفق المادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة، وهي مطلب كان يصطدم في
السابق بالتحيّز شبه الكامل للأعضاء الدائمين في المجلس لمصلحة إسرائيل، فكانت
مواقفهم أقرب إلى المساهمة في دعم الاحتلال منها إلى رفضه.
على
رغم طول نَفَس الفلسطينيين في خوض معركة الحماية الدولية، إلا أن المشكلة هي أنهم
لا يملكون خريطة طريق أو مخططا واضحا لما يريدونه من هذه الحماية. مثلا لم يربطوا
مراحل التطبيق بمنجزات إنهاء الاحتلال في فترة محدودة تنتهي بالاستقلال، وتحول دون
تصرف الاحتلال بالموارد الطبيعية، وبالمال الفلسطيني، ومن دون مصادرة الأراضي
وضمها وبناء المستوطنات، وتغيير المعالم. بل يكتفي الفلسطينيون بالمعنى العام
للحماية، أي وجود قوات دولية تحمي المدنيين من عسف الاحتلال وجرائمه. والأجدر،
نظريا، أن تكون الحماية الدولية مرحلة انتقالية تتسلم بها الأمم المتحدة ومجلس
الأمن مسؤولية إدارة البلد بدلا من القوة المحتلة، إلى حين إنجاز المؤسسات الوطنية
التي ستتولى الإدارة تحت راية الاستقلال.
وثمة
نماذج مجرَّبة في العقدين الماضيين. في تيمور الشرقية، وكوسوفو ثم في البوسنة. وفي
الحالات الثلاث، كان الإجرام في حق المدنيين بلغ ما يرقى إلى جرائم حرب، وأسال
دماء آلاف من المدنيين العزل.
هناك
أيضا تجربة فلسطينية لم يُبنَ عليها هي تجربة الرقابة الدولية في مدينة الخليل
(أصدرت الأمم المتحدة القرار الرقم 904 عام 1994) بعد مذبحة الحرم الإبراهيمي في
25 شباط (فبراير) حين أطلق المستوطن باروخ غولدشتاين النار على مصلين، فقتَل 27
قبل أن يقتُل جيش الاحتلال 23 آخرين في اليوم ذاته.
إسرائيل
نجحت في تمييع القرار وإبطال مفاعيله، بحيث صار حبرا على ورق. لكن الجديد اليوم في
توقيت المطالبة الفلسطينية بالحماية الدولية هو عضوية فلسطين في المحكمة الجنائية
الدولية، إلى جانب تزايد التعاطف الرأي العام وما تقوم به حملات المقاطعة وتزايد
جرائم الحرب الإسرائيلية، عسى أن يكون ذلك عنصر ضغط يوّلد قوة في المطالبة
بالحماية... للفلسطينيين.
الحياة اللندنية