هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
زارني زائر أجنبي (غير عربي) في ليلة رمضانية ،وسألني ماذا يجري اليوم في خليج العرب؟ ودار بيننا حديث عن تاريخ المنطقة منذ القرن التاسع عشر، مرورا بالقرن العشرين، وصولا إلى الربع الأول تقريبا من القرن الحادي والعشرين الحالي.
ورحت أحدثه عن أهمية هذه المنطقة من العالم قبل عصر النفط، منطلقا من نظرة الإسكندر الأكبر لأهمية هذه المنطقة من العالم، وقلت في هذا الشأن إن الإسكندر الأكبر أول من أدرك الأهمية الاستراتيجية للخليج، بهدف الحفاظ على إمبراطوريته.
ويذكر المؤرخون أن الإسكندر الأكبر قال: "لن يكون بوسعي الاطمئنان على أمن جيشي في مصر وحوض البحر الأبيض المتوسط، طالما مد الفرس سيطرتهم على منطقة الخليج".
وفي تقديري أن تصريح الإمبراطور المقدوني إشارة إلى بدء الصراع الدولي على هذه المنطقة. وهذا الصراع ما برح مستمرا إلى يومنا هذا.
أردت من حديثي هذا أن يعرف زائري أهمية موقع هذه المنطقة منذ القدم، وأن الصراعات الغربية التي حدثت على صعيد الخليج ليست من أجل النفط، لأنه لم يكن معروفا في تلك الأزمان الغابرة وإنما على المكان الذي يعد الممر بين الشرق والغرب، وأن استقرار هذه المنطقة وسلامتها هو استقرار للعالم عامة.
وعلى ذلك، فلا بد أن تتضافر الجهود العربية والدولية للحفاظ على أمن وسلامة واستقرار الخليج العربي، من أجل استقرار النظام الاقتصادي والأمن العالميين.
(2)
اليوم ، يعتصر الخليج خلافات بين حكامه ، تؤججها الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، وكان آخرها إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، الرجل المتعطش للمال والحصول عليه بأي ثمن.
إنه يمارس الابتزاز بكل الوسائل، ولا أخفيك سرا إذا قلت لقد انصب ابتزازه على حكام الخليج العربي، واستطاع أن يحصل على أموال طائلة بذرائع بيع السلاح تارة، وتارة أخرى بذريعة حماية الأنظمة القائمة من الانهيار، أو البغي عليها من الخارج.
أدواته في هذا السلوك السياسي اللا أخلاقي: الإرهاب، وإيران.
ولو قدر لباحث منصف أن يتتبع التكاليف التي تحملتها معظم دول مجلس التعاون الخليجي منذ أول زيارة للرئيس ترامب في أيار/ مايو العام الماضي للشرق الأوسط، أعني الرياض عاصمة الدولة السعودية، وحضوره ثلاث قمم في يومي الزيارة (قمة سعودية - أمريكية، وقمة خليجية - أمريكية ، وقمة عربية إسلاميةـ أمريكية) لوجد أن التكاليف الكلية تزيد على اثنين تريليون دولار (تكاليف الضيافة، ونفقات قادة الدول الذين حضروا قمم الرياض المشار إليها أعلاه، والهدايا بكل أنواعها وأصنفها، أضف إلى ذلك نفقات شراء السلاح من أمريكا، ولا تنس التكاليف التي أنفقت من أجل حصار قطر على مؤسسات تجارية ذات علاقة بالرئيس الأمريكي ترامب) .
قال ضيفي: أليس الإرهاب الذي يجتاح المشرق العربي يستحق الإنفاق المالي من أجل اجتثاثه كي تعيشوا في هذه المنطقة من العالم في أمن وسلام؟
قلت: الإرهاب مشكلة عالمية ومسؤولية الحرب على الإرهاب واجتثاثه ليست مسؤولية الدول الخليجية، إنها مسؤولية الكل، لكن دعني أبين أنه إذا أردنا أن نقضي على الإرهاب والإرهابيين، فليس بملاحقتهم في البراري والقفار بكل ما نملك من سلاح.
الإرهاب في عالمنا العربي له أسباب تعود إلى عوامل عديدة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الظلم والقهر والفقر والاستبداد، والعبث بالمال العام، وغياب العدالة والمساواة بين الناس، الذي يمارسه الحكام على الشعب، فإذا قضيت على هذه الأسباب، فلن تجد إرهابا في هذه المنطقة إطلاقا.
وماذا عن إيران ألا تهدد أمن الخليج واستقراركم، قلت: لا شك إيران مخيفة بالنسبة لنا، ولكن بالحكمة واليقظة نستطيع أن نحول خوفنا إلى أمن واستقرار، وذلك عن طريق التعاون بيننا وبناء مصالح يرتبط بعضها ببعض.
إيران عندما تشعر أن العرب يملكون إرادة واحدة وقرارا واحدا تجاه من يتربص بهم، فإنها سرعان ما تحول طموحها نحو الهيمنة إلى سلام، وكبح الجموح على حساب جوارها العربي.
إيران سكانها لا يزيدون على 80 مليون إنسان، والعرب تعدادهم يزيد على 350 مليون إنسان، نملك من الموارد والمال أكثر مما تملك، ونستطيع أن نبني قوة رادعة تهابها إيران وغير إيران، لكن بكل أسف أستطيع القول إن معظم حكامنا العرب لم يقرأوا التاريخ، ولم يتعلموا من تجارب الأمم.
الزعماء العرب الذين قرأوا التاريخ كان لهم بصمة في السياسة الدولية، لكنهم رحلوا إلى الدار الآخرة، أما اليوم، فإن معظم الحكام مهمومون بقضايا تثبيت سلطانهم، وليس الارتقاء بالأمة.
(3)
الإدارات الأمريكية المتتابعة تأخذ على عاتقها دون مشورتنا تحديد أعدائنا والأصدقاء، وتخيفنا دائما بإيران، وبعض حكامنا يصدقون ما يقال لهم دون تمحيص.
لكن الأمريكيين لا يتحدثون عن تهديد وإرهاب إسرائيل لنا، بل يفرضون علينا صداقتها والتطبيع معها.
قاطعني مضيفي قائلا: إسرائيل لم تأت إليكم ، أنتم ذهبتم إليها، وأنتم تنشدون تعاونكم معها لتحميكم من إيران.
قلت له ألم أقل لك أن معظم حكامنا إن لم يكن كلهم لم يقرأوا التاريخ وسير العظماء ليعتبروا، ويرسموا مسارهم نحو التفوق على ما عداهم في هذا الشرق.
إسرائيل كما تعلم دولة تحت التكوين، عمرها سبعون عاما، قابلة للزوال مهما ملكت من قوة التسلح، لأنها نسيج شاذ في مجتمع عربي، لن يكون هناك تطابق.
والذين ذهبوا إليها من حكامنا ينشدون ودها لا يدركون تلك الحقيقة، فهم ضعاف في داخل أقطارهم ومعظمهم بلا شرعية أو شرعية مزيفة كما هو الحال في العراق وسوريا ومصر، ودول أخرى.
أحد الحكام صرح بأن "لإسرائيل الحق في إقامة دولتهم على أرضهم التاريخية"، هل يدرك صاحب القول المشار إليه أن إسرائيل تطالب بدولة من النيل إلى الفرات، وزد عليها يثرب أي المدينة المنورة، وبيشة، ونجران، وأماكن أخرى من جزيرة العرب.
ولن أتحدث عن يهود تونس والمغرب والبحرين.
آخر القول، لا يجوز أن نفاضل بين إيران وإسرائيل، الأول لنا معه عوامل مشتركة دين وتاريخ وثقافة وجوار أبدي، والثاني عدو توسعي مؤقت، هو امتداد لثقافة غربية وعادات وتقاليد يرى فينا نحن العرب العدو الذي يجب إبادته، فاحذروا يا عرب النفط التطبيع مع إسرائيل، فإنها مادة سقوط هيبتكم وأنظمتكم.
(عن بوابة الشرق القطرية)