نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا حول العلاقات السرية بين
الإمارات، ورئيس حركة
طالبان السابق الملا
أختر منصور.
ويشير التقرير الذي أعده كل من ميسي رايان وكريغ جيف، وترجمته "عربي21"، إلى أنه في ربيع عام 2016، علم المسؤولون الأمريكيون في البيت الأبيض أن زعيم حركة طالبان وصل إلى إمارة
دبي؛ لقضاء أيام يتسوق فيها ويجمع التبرعات، حيث مثّل وجود ملا أختر منصور يتجول في شوارع المدينة التجارية فرصة لا تعوض للقبض على عدو، إلا أنها كانت فرصة محفوفة بالكثير من المخاطر السياسية والدبلوماسية.
ويكشف الكاتبان عن أن وجود ملا أختر منصور في دبي، كان بعد فترة قصيرة من مشاركة مسؤولين في حركة طالبان في مفاوضات سرية مع المسؤولين الأمريكيين والحكومة الأفغانية، وهو اللقاء الوحيد الذي تم خلال الحرب الطويلة التي تخوضها الولايات المتحدة منذ أكثر من ستة عشر عاما، حيث كان قرار ملا أختر منصور السماح لمسؤولين في حركته بالمشاركة في هذه اللقاءات مهما في تحديد الطريقة التي تعامل بها مسؤولو إدارة باراك أوباما مع الفرصة في دبي.
وتكشف الصحيفة أن مسلسلا من سوء الحسابات واحتمال حصول خيانة، سمحت لزعيم طالبان بمغادرة دبي دون أن يتعرض له أحد بسوء، حيث سافر إلى إيران أولا، ومن ثم إلى باكستان، قبل أن يتم استهداف سيارته بصاروخ "هيلفاير" من طائرة دون طيار.
ويكشف التقرير أيضا أن "سماح الولايات المتحدة باغتيال رجل كان مستعدا لجلب حركته إلى طاولة المفاوضات، يطرح تساؤلات لا تزال تخيم على الحرب منذ بدايتها، ولا تزال تقسم إدارة دونالد ترامب ومستشاريه لشؤون السياسة الخارجية، فمتى يكون زعيم طالباني هدفا؟ ومتى يتحول إلى شريك في المفاوضات؟ وكيف ننهي الحرب التي مضى عليها 17 عاما؟".
ورأى كاتبا التقرير أن جهود الولايات المتحدة للحديث مع قادة حركة طالبان في الأيام الأولى للحرب شابها التردد، وسوء التواصل، والخطوات المتعثرة.
ويذهب التقرير إلى أن الولايات المتحدة اكتشفت أن سياسة القوة لسحق حركة طالبان لم تكن استراتيجية ناجحة، حيث تم تخفيض القوات الأمريكية من 100 ألف إلى 10 آلاف جندي، ما دفع إلى التركيز على العملية السلمية، والبحث عن طرق غير تقليدية لتسريع المحادثات.
ويكشف التقرير أن المسؤولين الأمريكيين كانوا يعلمون أن ملا أختر منصور وعددا من قادة حركة طالبان يزورون دبي بشكل منتظم، وحاولوا تحويل الرحلات لصالح واشنطن، ومن هنا اقترحوا استخدام ملا منصور ورقة مقايضة مقابل تقديم تنازلات من حركة طالبان والراعين لها.
وكشف التقرير أيضا أن بعض المسؤولين الأمريكيين تبنوا نهجا أكثر خطورة، يتمثل في القبض على ملا منصور، والضغط عليه للموافقة على المحادثات، وبعد ذلك الإفراج عنه، مشيرين إلى أن الخطط لم تتقدم أبعد من الفرضيات عندما اكتشفت المخابرات الأمريكية وجود ملا منصور في دبي، حيث كانت هذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها المسؤولون الأمنيون الأمريكيون على معلومات حقيقية عن تحركاته في المدينة، ولو استطاعوا القبض عليه، فستكون تلك أول مرة يتحدثون فيها مع زعيم طالباني منذ وصول الحركة إلى السلطة عام 1996.
ويقول التقرير إن المحادثات الأولية داخل البيت الأبيض تمحورت حول الاتصال مع حكومة الإمارات والقبض عليه، دون أن يُشعروا المسؤولين المحليين في دبي بذلك؛ حتى لا يسمحوا له بالهرب، مشيرا إلى أن ما عطّل المحادثات هو ورود معلومات أمنية تشير إلى أن ملا منصور سيغادر دبي سريعا.
ويكشف التقرير أيضا أن مستشارة الأمن القومي سوزان رايس استدعت السفير الإماراتي في دبي، حيث وعد الأخير باستخدام قوات بلاده الأمنية لأجل اعتقال الرجل، لكنها تلقت بعد دقائق معلومات تفيد بأن ملا منصور ركب طائرة متجهة لإيران، حيث زادت من سرعتها على المدرج للإقلاع أو في مرحلة الإقلاع. وعندها طلبت رايس إعادة الطائرة، إلا أن الإماراتيين قالوا إن الطلب جاء متأخرا، ولام بعض المسؤولين إدارة أوباما لأنها ناقشت الموضوع طويلا، فيما قال آخرون إن الإمارات اخترعت قصة عدم قدرتها على وقف الطائرة.
وينقل التقرير عن المحلل السابق في "سي آي إيه" بروس ريدل، الذي أشرف على سياسة أوباما في أفغانستان، قوله: "أسوأ شيء كان سيحدث من وجهة نظرهم هو القبض على ملا منصور في دبي، وفضحهم علنا أنهم كانوا يدعمون الأشخاص الذين يقتلون الجنود الأمريكيين"، لافتين إلى أن المسؤولين الإماراتيين، الذين قاتل جنودهم في أفغانستان، رفضوا التعليق على وجود ملا منصور في بلادهم، أو فشلهم في القبض عليه.
عملية الاغتيال
ويكشف تقرير الصحيفة أن البيت الأبيض تلقى في 20 أيار/ مايو معلومات استخباراتية عن مغادرة ملا منصور إيران، والمكان الذي سيذهب إليه فيه في باكستان، وجاء فيها أنه ذاهب للزواج بامرأة جديدة، وقال مسؤول مطلع: "كانت إحدى الفرص"، حيث تم تحريك طائرة دون طيار ووضعها في مكان الاستهداف، واتخذ قرار الضربة باراك أوباما.
وبحسب التقرير، فإنه بعد دخوله الحدود الباكستانية قامت طائرة دون طيار بضرب صاروخ قتل سائق السيارة الأفغاني وزعيم الحركة، وكشف عن جواز سفره، وبأنه زار دبي 13 مرة، مشيرا إلى أنه في رواية جديدة للمسؤولين الأمريكيين، فإن ملا منصور قتل لأنه عائق للسلام، وهو ما أغضب المسؤولين الذين كانوا يعملون على المفاوضات.
وينتهي تقرير الصحيفة إلى كشف موقف إدارة ترامب من الملف، مشيرا إلى أن حركة طالبان أرسلت بعد أيام من فوز دونالد ترامب في الانتخابات رسالة عبر وسيط، تقول فيها إنها تريد معرفة إن كان الأمريكيون لا يزالون مهتمين بمحادثات السلام، فرد المسؤولون الأمريكيون بأنهم بحاجة لسؤال الرئيس المقبل، ومن ثم سيردون، وجاءت الإجابة في الصيف الماضي عندما أعلن ترامب عن استراتيجيته الجديدة في أفغانستان، وهي زيادة حجم القوات الأمريكية إلى 15 ألف جندي، وزيادة الغارات الأمريكية إلى 500 في الشهر.