هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية الأربعاء مقالا مطولا تناول فيه التغييرات التي يجريها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في البلاد، مسلطا الضوء على الاعتقالات الأخيرة للأمراء والمسؤولين وأسبابها.
وكتب المقال الذي ترجمته "عربي21" الإعلامي السعودي جمال خاشقجي بالاشتراك مع المؤرخ والصحفي البريطاني روبرت لاسي، حيث يشير إلى أن الاعتقالات التي طالت الأمراء تأتي في إطار "إعادة الهيكلة المحتملة للعائلة الملكية السعودية".
ويرى المقال أن هدف ابن سلمان هو "الحد من تمدد العائلة الملكية وأن يحجمها هي وتوابعها لتقليص التنافس والنزاع في أوساطها"، لافتا إلى أنه قد "يقدم على نزع التعيينات الملكية من أفراد العائلة الذين لا يرتبطون مباشرة بالملك عبد العزيز".
اقرأ أيضا: كاتبة سعودية: هذه هي أسباب تغييرات الجيش والأمن الأخيرة
كما يفند مقال الصحيفة ما يعتبرها "واحدة من الأساطير الموهومة عن المملكة من أن كافة مواطنيها يرفلون في الثراء"، فيقول: "الواقع أن معظمهم ليسوا كذلك. بل إن دخل الفرد في المملكة طبقاً لبيانات البنك الدولي الصادرة في عام 2016 كان أدنى من دخل الفرد في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومعظم دول الخليج الأخرى".
ورغم اعتباره أن هناك ترحيبا باعتقال الأمراء "الفاسدين" ينوه المقال إلى "تساؤل يفرض نفسه حول ما آلت إليه أوضاع العشرات من المفكرين وعلماء الدين والصحفيين الذين لم يحظوا باهتمام دولي مكافئ ومازالوا ينتظرون المثول أمام القضاء".
وتاليا النص الكامل للمقال مترجما:
ما الذي يمكن أن يتعلمه ولي العهد السعودي من الملكة إليزابيث الثانية؟
جمال خاشقجي وروبرت لاسي
يحب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التحدث عن إصلاحاته كما لو كانت نوعاً من العلاج بالصدمة. لقد تعهد بتطليق المتطرفين الإسلاميين، معلناً على الملأ "سوف ندمرهم"، وكان قد أعلن حربه على الفساد، والتي شملت سجن عدد من الأمراء في فندق ريتز كارلتون الرياض، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وصار ذلك بمثابة عض على الأنامل بالنسبة للمواطنين السعوديين، بل وحتى بالنسبة للآلاف من أفراد العائلة الملكية الحاكمة ولكبار الأثرياء في قطاع التجارة والأعمال من غير الأمراء.
ثم ما لبث اعتقال أحد عشر أميراً آخر الشهر الماضي أن أضاف بعداً جديداً لهذا المسلسل الدرامي: إعادة الهيكلة المحتملة للعائلة الملكية السعودية.
هناك حديث عن أن محمد بن سلمان قد يقدم على نزع التعيينات الملكية من أفراد العائلة الذين لا يرتبطون مباشرة بالملك عبد العزيز، مثل أولئك الذين ينتسبون إلى فرع سعود الكبير داخل العائلة الملكية. لو صح ذلك فإنه سيمثل أول إعادة هيكلة غير مسبوقة للعائلة الملكية. رغم ما تعنيه كلمة "الكبير" إلا أن الأفراد الذين ينتمون إلى هذا الفرع هم الأقارب الأدنى مرتبة، إذ ينحدرون من سلالة سعود الكبير، زعيم الفرع الذي يعرف باسم "عرايف" – وهي كلمة بدوية تستخدم لوصف الإبل التي يفقدها أصحابها في الغزو ثم يستعيدونها من بعد. فهذه الإبل، التي يشك في ولائها، كانت قد تحالفت مع خصوم السعوديين العتاة، آل الرشيد، في القرن التاسع عشر في محاولة لإسقاط الدولة السعودية الثانية – والتي كانت فصولها أشبه بفصول رواية شكسبيرية مسطرة بالغدر والخيانة والدماء، والتي لن تجد شيئاً من تفاصيل صراعاتها في مناهج التعليم المدرسية داخل السعودية.
هدف محمد بن سلمان واضح، فهو يريد أن يحد من تمدد العائلة الملكية وأن يحجمها هي وتوابعها لتقليص التنافس والنزاع في أوساطها. فمنذ وفاة الملك عبد العزيز في عام 1953، ورثت المملكة العربية السعودية كيانات سلالية سمحت بنشأة ونمو وتكاثر مراكز النفوذ المستقلة.
وهذا بدوره أدى إلى شهية مفتوحة على الإثراء وأطلق العنان للطمع الذي زاد من سعاره غياب المساءلة والمحاسبة. فقد احتكر الأمراء ملكية الأراضي والمشاريع التجارية في كل أنحاء المملكة، هذا رغم أنهم كانوا فوق ذلك كله يتلقون مرتبات شهرية ويحصلون على منح سخية.
لم يكن عجباً أن أدى هذا الثراء الملكي إلى توليد مشاعر الغيظ والحنق لدى عامة الناس في البلاد. يذكر في هذا السياق أن واحدة من الأساطير الموهومة عن المملكة أن كافة مواطنيها يرفلون في الثراء. والواقع أن معظمهم ليسوا كذلك. بل إن دخل الفرد في المملكة طبقاً لبيانات البنك الدولي الصادرة في عام 2016 كان أدنى من دخل الفرد في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومعظم دول الخليج الأخرى. وكان الملك سلمان قبل أيام قليلة من شن حملة الاعتقالات في الشهر الماضي قد أمر جميع أفراد العائلة الملكية بدفع فواتير المياه والكهرباء والهاتف. وبالنظر إلى نمط الحياة المترف الذي يعيشه أفراد العائلة السعودية، حيث يملك كثير منهم أكثر من قصر، فإن القيمة الإجمالية للفواتير المترتبة على الخدمات المقدمة لهم في هذا القطاعات تكاد تصل إلى مستويات خيالية.
ولذلك، حينما قام أفراد من عائلة سعود الكبير بالتظاهر، حسبما زُعم، للاحتجاج ضد إجبارهم على دفع فواتير هذه الخدمات المحلية الاعتيادية، أشاد كثير من الناس باعتقالهم. فرغم أنهم ليسوا من ذرية مؤسس البلاد الملك عبد العزيز إلا أنهم حظوا بالكثير من الامتيازات التي تقدمها لهم الهيئات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص. أحد أفراد المجموعة التي شاركت في الاحتجاج فصل مباشرة من موقعه في الاتحاد الرياضي السعودي ومن المحتمل أن يقدم شخص آخر من نفس المجموعة إلى المحاكمة بتهمة الخيانة.
إذا ما أراد ولي العهد الشاب تعلم دروس في إدارة شؤون أفراد العائلة والسيطرة على النزاعات التي تنشب داخلها، فلربما استفاد من النموذج الذي قدمته الملكة إليزابيث الثانية والتي سيزورها في شهر مارس في طريقه إلى واشنطن. فقد رشد آل ويندسور لقب "صاحب السمو الملكي" واقتصروه على مجموعة صغيرة من أقرب أقارب الملكة، ولو أن آل سعود طبقوا نفس المعايير والأحكام التي تطبقها أنجح عائلة ملكية في العالم على وضعهم هم لكان أفراد فرع سعود الكبير وكثيرون غيرهم خارج الدائرة الملكية منذ أجيال مضت ولما أثقلوا كاهل العائلة بما يتلقونه من رواتب ومنح طوال ذلك الوقت.
كما أن آل ويندسور يقدرون مزايا السن والخبرة. فشخصيات مثل الراحلة الملكة الأم وكذلك الملكة إليزابيث الثانية نفسها، تنافس في الحياة العامة على الشهرة والأضواء الشخصيات الفتية والناشئة مثل وليام وكاثرين وهاري وميغان. إذا كان محمد بن سلمان ينوي فعلاً تقليص حجم آل سعود ويقضي على التنافسات والنزاعات التي تشبه "لعبة العروش" داخلها فهو يسير في الاتجاه الصحيح، ولكن عليه في نفس الوقت ألا ينسى قيمة الشخصيات الكبيرة والحكيمة من الجيل السابق لجيله مثل المخضرم الأمير تركي الفيصل ذي التجربة الواسعة والحنكة الدبلوماسية المشهودة. فلعله لو استعان بخبراته المتراكمة أن يجد مخرجاً من الأزمة اليمنية ويضع حداً للمأساة التي نجمت عنها.
وأعظم درس يمكن أن يتعلمه آل سعود من آل ويندسور هو الاستماع إلى الناس، فما يمس الجميع ينبغي أن يوافق عليه الجميع. ولا أدل على ذلك من أن الملكة إليزابيث الثانية عززت من موقعها في عدة مناسبات حينما أحنت رأسها في وجه الانتقادات الشعبية، وبشكل خاص بعد وفاة الأميرة ديانا في عام 1997. اكتسبت إليزابيث لقب "الكبيرة" بسبب تواضعها للناس، وهي تفاخر بأنها تتربع على عرش مجتمع حرية الفكر والتعبير فيه مصانة ومضمونة.
بالتأكيد ليس هكذا هو الحال في المملكة العربية السعودية. فرغم أن إلقاء القبض على الأمراء الأحد عشر بدا خبراً سعيداً – إذ أنها المرة الأولى في التاريخ المعاصر التي يعامل فيها أفراد من العائلة الملكية كما يعامل عامة الناس، إلا أن تساؤلاً يفرض نفسه حول ما آلت إليه أوضاع العشرات من المفكرين وعلماء الدين والصحفيين الذين لم يحظوا باهتمام دولي مكافئ ومازالوا ينتظرون المثول أمام القضاء في المملكة العربية السعودية منذ شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وبعضهم يحتجز منذ ذلك الوقت في حبس انفرادي بينما تبحث الدولة دون جدوى عن تهمة تلصقها بهم وتحاكمهم عليها.
وهؤلاء لم يفعلوا ما فعله الأمراء الأحد عشر، فهم لم يتظاهروا أمام قصر الحاكم، ولم يرفعوا أصواتهم مطالبين باللقاء مع الملك، ولم يقاوموا حينما تدخلت الشرطة محاولة تفريقهم، بل لم يشاركوا في أي اجتماع ولا في أي مظاهرة، وكان احتجاجهم الوحيد متمثلاً فيما لديهم من أفكار لا أكثر.
ما من شك في أن سعي محمد بن سلمان لتحجيم آل سعود وحملهم على درجة نسبية من التواضع أمر مرحب به. ولكن ربما ينبغي عليه أن يتعلم من العائلة الملكية البريطانية، التي اكتسبت قدراً لا يستهان به من المكانة والاحترام والنجاح، كيف يسعى بنفسه إلى التخلق بشيء من التواضع.
إذا ما تمكن محمد بن سلمان من الاستماع إلى منتقديه والاعتراف بأنهم هم أيضاً يحبون بلادهم، فسيكون بإمكانه بالفعل تمكين سلطانه.