ماذا وراء استفزاز تركيا بحلف الناتو وإهانة أردوغان وأتاتورك؟

أثارت ردود الفعل التركية على الإساءة التي تعرضت لها تركيا في حلف شمال الأطلسي "الناتو" تساؤلات عن الأسباب الحقيقة وراء إهانة رموز الدولة التركية، من خلال وضع صورة أتاتورك وأردوغان موضع التصويب في تدريبات عسكرية.

ولم يكتف الأتراك بسحب قواتهم من المناورات الجارية في النرويج، على خلفية إظهار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، بمظهر الأعداء، خلال التدريبات، بل أعلنت النيابة العامة التركية، مساء الجمعة، أنها فتحت تحقيقا بحق متورطين بالإساءة. 

واعتذر أمين عام حلف الناتو"ستولتنبرغ" لرئيس الأركان التركي عن الحادثة، وأكد لـ"أكار" فتح تحقيق في الموضوع، وقال: "نأمل أن لا تتسبب فضيحة المناورات بمشاكل دائمة مع تركيا".

اقرأ أيضا: الناتو يعتذر لتركيا بسبب إساءة جندي لأردوغان وأتاتورك

وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، كمال قليجدار أوغلو، السبت، في كلمة ألقاها في مؤتمر أقامه الحزب، في العاصمة التركية أنقرة: "لا يمكن تمرير الموضوع باعتذار عادي"، في إشارة إلى الاعتذار الذي قدّمه حلف الناتو والسلطات النرويجية.

وأكّد أن حزبه لا يعارض توجيه انتقادات ضد تركيا، "غير أنه لا يمكن لأحد أن يسيء لمسؤوليها وماضيها، وندين ذلك بشدة".

ما الأسباب؟

من جهته، أوضح الرئيس التركي أردوغان في كلمة ألقاها، السبت، جانبا من أسباب الاستفزازات التي صدرت عن حلف الناتو ضد تركيا، وألمح إلى أن شراء منظومة صواريخ "أس 400" الروسية هي السبب.

وأكد أن "مصداقية الناتو باتت تُثير تساؤلات لدى جميع الدول الأعضاء، بعد سحب منظومات الدفاع الجوي من تركيا، في وقت بلغت فيه التهديدات القادمة من سوريا ذروتها، وهو ما أعطى انطباعا حول احتمال عدم التحرك (من جانب الحلف) في حال تعرضت تركيا لأي هجوم".

وتابع: "عندما أردنا تأمين أنفسنا بشرائنا منظومة صواريخ أس 400 من روسيا، كانت ردة فعل بعض الدول الأعضاء في الحلف واضحة للجميع، وأنا أقولها بكل وضوح لحلف الناتو وحلفائنا الآخرين، لقد أبرمنا الاتفاقية واشترينا صواريخ أس 400، وانتهى الأمر". 
 
من جانبه، اعتبر رئيس لجنة الاستخبارات في البرلمان التركي ونائب رئيس الوزراء التركيّ في حكومة أردوغان أمر الله إشلر، أن "هذه التصرفات مثل إهانة الرئيس التركي أردوغان ليست فردية، لأن الأفراد الذين قاموا بهذا التصرف يتلقون الدعم من منظومة الناتو"، وفق قوله.

وأضاف اشلر: "نعم هم قدمو اعتذارا خطيا وشفهيا، وعليهم بتتبع هؤلاء الأشخاص، وعلى الناتو أن يعيد النظر في تركيبته الداخلية، وأن يقدم حججا وأدلة كافية ومقنعة للحكومة التركية، عن حقيقة ما حصل".

وعن تصريحات الرئيس أردوغان اليوم الذي وصف فيها التصرفات التي حصلت بأنها لـ"أوغاد وليس حمقى فقط"، قال اشلر في حديثه لـ "عربي21": "إن تنظيم فتح الله غولن عندما قام بمحاولته الانقلابية كانت محاولة حمقاء أيضا، فأصبحت الحماقة صفة ملازمة لهم، لأنهم يعتقدون أنهم أقوياء، ولهم وجود في كل مكان يستطيعون أن يحققوا أي شيء، فبذلك أصبحت محاولة الانقلاب عليهم، وليست لهم". 

وفي إجابة على سؤال لـ"عربي21" عن أيهما أكثر احتياجا للآخر تركيا أم الناتو؟ قال اشلر: "تركيا دولة كبيرة يمكنها أن تواصل مسيرتها وحدها، وهي منذ أكثر من 50 سنة عضو في الناتو، وتقوم بواجباتها تجاه الحلف، وتنتظر من الطرف الآخر أن يقوم بواجباته".

وقال: "نحن لا ننتهج سياسة ازدواجية، لكن الناتو على ما يبدو ينتهج مع تركيا ازدواجية تضر بتركيا، ونحن نرفض هذا قطعا".
 
وأوضح اشلر أن "هناك خلافات حقيقية في الأشهر الأخيرة بين تركيا والناتو، حيث كانت بأشد الاحتياج لمنظومة دفاع، ولم نتمكن من الحصول عليها من حلفائنا، فاشترتها من روسيا، وهذا نتيجة، وليس السبب، والأسباب عندهم وليس عند تركيا، وتركيا تحتاج للدفاع عن نفسها".

ولفت إلى أنه "على الرغم من أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، إلا أن علاقات تركيا مع روسيا متطورة، لأن روسيا جارة، وبيننا علاقات قوية تجارية وسياسية وعسكرية، وتركيا ليست مجبورة على اتباع سياسة معينة أو علاقة مع طرف واحد، وتستطيع أن تؤسس علاقات مع الجميع". 

وختم اشلر حديثه بأن "تركيا اليوم بدأت تنتج أسلحة متطورة، لكنها بحاجة لما هو أكثر تطورا، ولذلك أبرمنا اتفاقا مع روسيا لشراء منظومة أس 400".
 
والسبب الآخر، بحسب محللين، العلاقات الروسية التركية، إذ إن هناك توترات حقيقية بين الناتو وتركيا فيما يتعلق بملف سوريا والتقارب مع روسيا، والاتجاه شرقا.

من جانبه، قال المحلل السياسي التركي، مصطفى أوزجان: "سبق أن ظهرت الخلافات عندما سحب الحلف منظومة الصواريخ الدفاعية عن تركيا التي كانت في إطار الدفاع المشترك، وصرح رئيس لوكسمبورج أن الناتو ليس معنيا بالدفاع عن تركيا".

اقرأ أيضا: أردوغان يهاجم الدور الأمريكي في سوريا ويتوعد بـ"تطهير" عفرين

وأشار في حديثه لـ"عربي21" إلى أن الخلافات ظهرت جيدا "خاصة بعد سياسة الآمال الكاذبة التي تعامل بها الغرب مع سوريا، إذ انطبقت على تركيا أيضا، من خلال المماطلة وتخيب آمال الأتراك والسوريين، وهذا ما دفع تركيا إلى وجوب الابتعاد عن ساحة الناتو، وامتلاك منظومة الدفاع الروسية اس 400".
 
وأضاف أوزجان: "بالحقيقة، هناك شرخ في العلاقات بين تركيا والناتو، وهو ما نتج عنه التطاول بالإهانات والتعالي والشتائم بحق تركيا". 

وأكد أوزجان أنه "على الرغم أن تركيا حليف قوي للناتو، وثاني أكبر قوة فيه، إلا أن أعضاء الناتو باعوا الأسلحة المتطورة إلى الجماعات الإرهابية، ولم يعطوها لتركيا، ولا يساوون بين تركيا والجماعات الإرهابية حتى، وبالطبع أدى ذلك إلى ضمور في العلاقات". 

وأوضح أن"التصرفات التي خرجت عن أفراد في الناتو أظنها ممنهجة، وليست فردية، على أساس ما يظهر في السنوات الأخيرة من مطالبات بطرد تركيا من الحلف، لكن في الوقت الحالي، لا يمكن أن يتحقق هذا فيما يمكن أن يحصل على المدى البعيد، ويمكن أن يكون هناك انفصال بين كل من تركيا والاتحاد الأوروبي والحلف".

وقال إن هناك أصواتا في تركيا تنادي بخروج تركيا ومغادرة الناتو، مثل حزب الوطن اليساري في تركيا، الذي نظم مسيرة تطالب بمغادرة تركيا لحلف شمال الأطلسي. 

وحتم بالقول: "إذا استمرت الأمور على ما هي عليه الآن، يمكن أن يحصل طلاق في المستقبل بين تركيا وحلف الناتو".