في الوقت الذي كان فيه يحشد السيسي إعلامه استعدادا لاغتصاب فترة جديدة من حكم مصر، وقعت مجزرة الواحات وهي بالمناسبة منطقة تبعد عن القاهرة بمسافة 135 كم وليست الواحات التي تقع بمحافظة الوادي الجديد (بواحاتها المعروفة الداخلة والخارجة والفرافرة) والتي تقع في عمق صحراء مصر الغربية وتبعد عن القاهرة بحوالي 620 كم تقريبا أي أن المجزرة وقعت في حدود القاهرة الكبرى .
هذه الحقيقة مهمة لبيان حالة الترهل أو الاستعلاء أو الثقة المفرطة التي أصابت جهاز الأمن المصري والذي ركز كل جهوده على اقتحام منازل الأبرياء وترويع الآمنين من الأطفال والنساء والاستيلاء على الأموال والمصوغات وربما المأكولات والمشروبات كما جاء على لسان أحد ضباط الداخلية يوما ما.
مجزرة الواحات أسقطت القناع عن أوهام السيطرة والقضاء على الإرهاب والأمن والأمان والاستقرار، ليس فقط لأنها وقعت في حزام العاصمة الكبرى للبلاد ولكن لأنها المجزرة الأكبر في تاريخ البوليس السياسي المصري عددا ونوعا، فنظرة واحدة تكفي لتعلم عزيزي القارئ أن من بين قتلى الشرطة رتب عسكرية رفيعة من عمداء وعقداء وما دونهما من رتب عسكرية ، وأن العدد الأكبر من القتلى كان من بين الضباط وليس من بين الجنود.
مجزرة الواحات هي الأولى من نوعها التي يتم فيها وحتى تاريخه فقدان أو أسر ضابط شرطة خرج والده على شاشات المحطات الفضائية المصرية يستجدي الجنرال السيسي أن يدله على مكان ولده وهل هو حي يرزق أم ميت يقام له العزاء، ونسي والد الضابط المفقود أن السيسي نفسه لا يدري عن أمر نفسه شيئا وأنه (أي السيسي) أصبح ألعوبة في يد أجهزة الأمن التي نصحته بعدم قطع زيارته لمدينة العلمين التي تقع في محافظة مطروح التي تقع على الحدود الشمالية الغربية للبلاد خوفا على سلامته فكيف للسيسي أن يعيد لك ولدك يا مسكين؟
مجزرة الواحات هي الأولى من نوعها أيضا والتي يتم فيها اختراق أجهزة الأمن السياسي والجنائي من خلال زرع عميل مزدوج قام باستدراج أكبر جهاز أمني وهو الأمن الوطني لكمين محكم كشف عن سوء تصرف قوات الأمن وقلة حيلتها في مواجهة عناصر مسلحة قيل أن عددهم لا يزيد عن اثني عشر شابا في مرحلة عمرية ما بين السابعة عشر والواحد والعشرين كما قال الطبيب الضابط الذي انتشر تسجيله الصوتي في الأنحاء انتشار النار في الهشيم.
كشفت مجزرة الواحات أن جهاز الأمن الوطني ليس جهاز معلومات ولكن جهاز تعذيب وإهانات وانتزاع للاعترافات بالقوة وتحت تهديد السلاح أو تحت التهديد بالاغتصاب واعتقال الأهل والأحباب لذا فقد كانت حكومة جورج بوش الابن تستعين بخبراته المشهود بها لنزع الاعترافات من المشتبه بهم من حول العالم عقب أحداث سبتمبر 2001.
هل يعقل أن الشرطة المزودة بهواتف الثريا فقدت الاتصال أم أن هواتف الثريا قد وقعت أسرى هي الأخرى في يد المسلحين مع العربات المصفحة والدبابة التي كانت مزودة بقذائف الجرينوف؟
هذا الجهاز المرعب تمتد إهانته والنيل منه وفقا لشهادة الضابط الطبيب والذي قال إن المسلحين كانوا يسألون عن رتب القوة الأمنية وحين يعلمون أنهم ضباطا يقومون بقتلهم برصاصة واحدة أما إذا كانوا من ضباط الأمن الوطني فإن قتلهم يتم بعدد أكبر من الرصاصات أمام زملائهم أما الجنود الذين تم إصابتهم فقط وأبقوهم على قيد الحياة.
كيف بقي جنود السيسي وضباطه في الصحراء بلا عون ولا مدد ولا مساعدة ؟ كيف ترك المصابون منهم ينزفون بلا إسعاف؟ أين الإسعاف الطائر وأين الأباتشي وأين الإف 16 وأين نسور القوات الجوية وأين مصر التي ابتلعها السيسي وجنرالاته؟
لماذا صمت وزير الداخلية ولماذا تبدلت التصريحات والبيانات الأمنية بين عشية وضحاها ولماذا لم يخرج ليعلن على الملأ خيبته القوية؟ ولماذا لا يعترف أن ضباطه وجنوده يستأسدون فقط على النساء والأطفال والجرحى ومن بأيديهم من الأسرى وأنهم غير مؤهلين للدخول في مواجهات حقيقية مع أي مسلح يواجههم رغم ترويج الأكاذيب عن قوتهم وقدرتهم الفائقة على المناورة والمواجهة؟
لماذا بلع السيسي لسانه لمدة يومين وحين تحدث لم يخرج بشخصه كما جرت العادة عند كل مصيبة ليتاجر بدماء من قتلوا واكتفى هذه المرة بتصريح مكتوب لا يسمن ولا يغني من جوع ؟ هل هذه إشارة غضب أم علامة يأس أم نصيحة مستشار أبلغه أن كلامه الفارع وتهديده ووعيده لم يعد له مكان في نفوس شعب بات يحتقره ويراه أصغر من أن يرى بالعين المجردة ناهيك عن أن يعتلي عرش مصر.
حادثة الواحات كشفت وبوضوح عن وهم إنجازات السيسي وقدرته الخارقة بوصفه عسكريا وبات الجميع يعلم أن السيسي ليس بمقدوره حماية حتى خلفيته العسكرية لا في سيناء ولا في الواحات ولا في أي مكان على أرض مصر ، وربما تشهد الأيام المقبلة ما يؤكد أن النواة الصلبة للانقلاب باتت على المحك وأنها في طور التفكك والانهيار.
قلت وأكررها إن حكم العسكر لم ولن يبني وطنا بل يبني مقابر ونعوش وسجون..