بعثت تصريحات قيادات ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعومة من دولة
الإمارات بشأن إجراء
استفتاء شعبي قريب لانفصال الجنوب عن الشمال، على التساؤل حول مشروعية خطوة من هذا النوع وتوقيت الإعلان عنها.
كما يبرز للواجهة الدور الإماراتي الذي لم تخف مواقفها المساندة لحلفائها المحليين وتوجهاتهم نحو تحقيق "الانفصال" وفقا لمراقبين، وهنا يدور سؤال ثان عن مصلحة "أبوظبي" من إثارة هذا الأمر حاليا، في ظل مخاوف من انتقال "عدوى الاستفتاء" التي تعصف ببعض الدول، وعبورها للحدود
اليمنية من بوابة إقليمية.
وكان اللواء عيدروس الزبيدي، محافظ عدن المقال، ورئيس ما يسمى بـ"المجلس الجنوبي"، قد أعلن نهاية الأسبوع الماضي، أنه سيدعو لـ"إجراء استفتاء شعبي" بشأن
انفصال الجنوب عن شماله أو البقاء ضمن المشروع الاتحادي ( الشكل الجديد للدولة).
مشروع إماراتي
وفي هذا السياق، قال نائب رئيس تحرير صحيفة " المصدر" (يمنية متوقفة)، علي الفقيه، إن الزبيدي ورفاقه من أصحاب مشروع الانفصال وصلوا من العاصمة الإماراتية "أبوظبي" إلى قاعدة العند العسكرية على متن طائرة عسكرية إماراتية، قبل مهرجانهم الأخير (الاحتفال بذكرى ثورة 14 أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني)، بساعات.
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي21" أنه في أعقاب المهرجان يعودون إلى "أبوظبي"، وبالتالي ليسوا سوى ممثلين لما تريد الإمارات تمريره من مشاريع في جنوب اليمن الواقع تحت سيطرتها.
ويمكن القول، وفقا للصحفي الفقيه، إنه من خلال أداء الزبيدي والمجموعة التي تتبنى مشروع الانفصال أو فك الارتباط، يظهر أنهم "أصبحوا تماما رهن الإرادة الإقليمية التي مكنت لهم واستخدمت نفوذها لتسليم السلطة المحلية في المحافظات الجنوبية لهم". مؤكدا أن هذا المسار كان بمثابة إغراء لهم بالتمادي في التمرد على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي منع مؤخرا من العودة إلى مدينة عدن لممارسة مهامه كرئيس للجمهورية.
ومضى قائلا إنه مهما تحدث الزبيدي (محافظ عدن المقال) فإن ما سيقدم عليه مرهون بما سيقرره حكام أبوظبي.
ولفت الصحفي اليمني إلى أن مجلس الزبيدي "ما هو إلا مجرد ورقة بيد النظام الرسمي الإماراتي يحركها كلما أراد الضغط على الرئيس هادي لتنفيذ أجندتهم الغامضة التي لا يبدو من بين أهدافها عودة الدولة أو تحقيق الاستقرار في اليمن".
وأوضح نائب رئيس تحرير صحيفة "المصدر" أن الصراع العميق في المحافظات الجنوبية تغذيه الجهات التي تعيق سيطرة الدولة بشكل كامل على الأوضاع وتقويتها.
واتهم دولة الإمارات بالتورط بدعم ميليشيات مسلحة خارج نطاق مؤسسات الدولة وتمولها وتسلحها وتدربها.
في الوقت نفسه، تواجه الألوية العسكرية والوحدات الأمنية التابعة للحكومة الشرعية صعوبات تجعلها غير قادرة على النهوض. حسبما ذكره الفقيه، محذرا من تزايد الفوضى في الجنوب، إذا مضت الأطراف الإقليمية في تغذية النزعات المناطقية ودعم الفصائل والأطراف المحلية التي تساعدها في تنفيذ أجندتها الخاصة.
ضرورة ومرحلة مواتية
ويرى السياسي الجنوبي، أحمد الصالح أنه في ظل وجود ما وصفه بـ"الانقلاب" على الدولة في صنعاء، وسقوط مؤسساتها وتعطيل دستورها، ناهيك عن هشاشة الشرعية، فإن "شعب الجنوب أصبح لديه شرعية مطلقة في استفتاء شعبي، ومنح الزبيدي تفويضا من خلال الحشود التي زحفت في آيار/ مايو الماضي، الى ساحة العروض في عدن".
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي21" أن الدعوة إلى استفتاء شعبي باتت ضرورة تفرضها المعطيات السياسية، فيما يعتبر الاستفتاء أداة وليس هدف. مؤكدا أن "هذه المرحلة مواتية للقيام به".
وبحسب الصالح فإن هناك إجماعا وطنيا على استعادة دولة الجنوب، نافيا وجود أي انقسام حاليا بين المكونات الجنوبية.
لكنه استدرك قائلا: "التباين موجود بين القوى حول الطريقة والآلية لاستعادة الدولة الجنوبية، وهذه ظاهرة صحية وطبيعية"، معتبرا أن "وجود أي أصوات مخالفة لهذا التوجه فهي في حكم الشاذة، والشاذ لا حكم له".
وحول فرص نجاح تحرك المجلس الجنوبي بشأن الاستفتاء، أوضح الصالح أن نجاح أي خطوة يقوم بها المجلس في هذه المرحلة كبيرة جدا، في ظل الحاضنة الشعبية والرغبة الجماهيرية، بالإضافة إلى وجود تنظيم سياسي ومؤسسات عسكرية وأمنية جنوبية.
ولفت إلى أنه لا توجد أي دلالات لتوقيت هذه الدعوة، غير أن ضرورات المرحلة والحاجة الملحة، تفرض "التقدم خطوة للأمام وإسماع صوت شعب الجنوب للعالم، خصوصا بعد فشل الشرعية بالقيام ولو بالحد الأدنى من مهامها وواجباتها بل وسعيها لنشر الفوضى في الجنوب".
وألمح إلى أن التحالف العربي ليس له أي دور في القضية الجنوبية التي قال إنها بدأت قبل وجود التحالف.
كما أن المجلس الانتقالي الجنوبي وفقا للسياسي الجنوبي هو "نتاج لسنوات طويلة من النضال والتضحيات، وليس من إنتاج التحالف أو أحد أعضائه.. ومصير شعب الجنوب هو قرار جنوبي بحت وقد صدعت به الجماهير منذ 2008 مع انطلاق شرارة ثورة الحراك الجنوبي".
وأشار إلى أن ما يربطهم في الجنوب بدول التحالف هو شراكة حرب أيادي إيران ممثلة بميلشيات الحوثي والمخلوع صالح ومكافحة الإرهاب في الجنوب.
ونفى أي دور إماراتي أو من التحالف العربي في تحركات المجلس الجنوبي، وقال: "لا يوجد أي تصريح صادر من دول التحالف تناصر فيه المجلس الانتقالي كما لم تصرح برفضه".
وتتهم حكومة "أبوظبي" على نطاق واسع في أوساط سياسية يمنية، برعاية وإسناد أي خطوة يقدم عليها حلفائها المحليين الذين يرفعون شعار "انفصال الجنوب عن الشمال"، ويتخذون من أراضيها مقرا لهم، ومنهم أعضاء المجلس السياسي الجنوبي، الذين قدموا قبل أيام من العاصمة الإماراتية إلى مدينة عدن.
الحكومة تحذر
وفي أول تعليق رسمي على دعوة الزبيدي أنه سيوجه دعوة للجنوبيين للاستفتاء، في هذا الصدد، جاء على لسان رئيس الوزراء اليمني، أحمد عبيد بن دغر، خلال عرض عسكري بمناسبة ذكرى أكتوبر في عدن، يوم السبت، صرح بالقول إن "الدولة الاتحادية هي الحل الوحيد والمقبول على نطاق وطني وإقليمي ودولي واسع لوقف العنف، وحفظ الأرواح والدماء". داعيا "للتخلي عن العنف أو مجرد التفكير في الاستيلاء على السلطة بالقوة كما فعلوا في صنعاء".
وأردف قائلا إن "ذلك في العرف الدولي، وفي مواثيقه خطيئة ما بعدها خطيئة".
جمعية وطنية
وإلى جانبه دعوته للاستفتاء لتحديد مصير الجنوب، أعلن الزبيدي، في كلمة ألقاها أمام الجماهير الموالية في ساحة المعلا في عدن، عن تأسيس "الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي" على أن تتكون "من 303 أعضاء من كافة محافظات الجنوب وشرائحه المجتمعية، وهي أعلى سلطة تشريع في المجلس الانتقالي الجنوبي، تبدأ عملها في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. على حد قوله.