هو السؤال الذي لا نطرحه بما يكفيه من تحليل ودلالات.. فيما ننشغل بالحديث عن عنصرية الغربيين ليل نهار. وتكون المهمة صعبة عندما نستند إلى التاريخ وأحداثه المرة والقاسية فنصبح إلى الانغلاق أقرب من محاولة الفهم.. وتتعقد الأمور عندما يصبح الجهل بما هو واقع سيد الموقف، ويمعن آخرون في الاتجاه بزاوية حادة لا تمتلك روح التوازن والقدرة على الحكم على الأشياء بما هي عليه، فنصبح دون وعي منا عنصريين نمارس العنصرية بكل أشكالها.
هنا لا يفيد كثيرا التذكير بقيمنا الجمالية التي تجعل من الإنسان قيمة عليا بغض النظر عن دينه وقومه وجنسه؛ لأن واقعنا هو بالضد من ذلك كله، إننا لا نقترف جريمة العنصرية فقط تجاه عدونا، إنما أيضا تجاه الأخ في الدين والقومية على نطاق واسع من خلال قوانين وإجراءات تجعل من الطرد المركزي قانونا في بلاد العرب والإسلام.
بلا أدنى تردد نقول إن الإدارات الغربية الاستعمارية هي تتويج للفكر الرأسمالي الإمبريالي وعلى هذا رسمت استراتيجياتها ومارست سياستها تجاهنا وتجاه مجتمعاتها الغربية.. ولئن لحقت بنا المآسي جراء تنفيذ الإدارات الغربية سياساتها فإن هناك مآس من نوع آخر لحقت بالمجتمعات الغربية نفسها تمس روحها وحياتها الاجتماعية، حيث تقف المصلحة والربح والاستحواذ على رأس التحركات التي تقوم بها الإدارات الغربية الإمبريالية.
ولكن أيضا لا بد من القول سريعا إن المجتمعات الغربية والشعوب الأوروبية ارتقت ثقافيا إلى مستوى عال ومرتفع من خلال قيادات فكرية وثقافية وحراك ثقافي واجتماعي عميق ضيق على العنصرية والفوضى والتلهي وعدم المسئولية إلى حد كبير.. ففي حين تضيق مجتمعاتنا العربية والإسلامية ببضعة آلاف من العرب والمسلمين الفارين فضلا عن رفض استقبال الأجانب عن ديننا وقوميتنا فإننا نشاهد بعض الدول الأوروبية أصبحت مهددة في هويتها الثقافية وشخصيتها الوطنية جراء زحوف الهجرة من بلاد العالم الإسلامي عليها.. وعندما تحصل أية عملية لاختراق المواطنة والسلوك الإنساني تهب منظمات وهيئات وشخصيات تحمي البعد الإنساني وتدين العنصرية.
بلا شك أن الشعوب الغربية تستحق منا الاحترام وهي تندد بسلوك حكوماتها المنخرطة في الحرب علينا في العراق وسورية وفلسطين.. وتستحق منا الاحترام وهي تتقبل الحياة مع ملايين العرب والمسلمين اللاجئين إليها بفقرهم وبكثير من تخلفهم وببعض تطرفهم.. تستحق منا الشكر وهي ترى أن هويتها الثقافية أصبحت مضطرة للتنوع.
نحن لا نغفل أبدا أن الإدارات المتحكمة في الغرب لا دين لها ولا ثقافة ولا هوية، ولكن ما يهمنا هنا أن نؤكد على الضمير الإنساني في الشعوب الغربية، وضرورة التواصل العميق معه، وهذا لا يتم إلا بتحررنا من عنصرية عمياء.
الشروق الجزائرية