أوشك حصار قطر في شعب بني زايد وبن سلمان على الخسار والاندحار.
لم تسقط قطر، ولم تغلق الجزيرة ولا انكتم صوتها، ولم يقع طرد قادة حماس، ولا المعارضة المصرية، ولا التخلص من الشيخ القرضاوي في أول طائرة متجهة إلى إسطنبول.
كل ذلك كان بفضل تماسك قادة قطر، ومواجهتهم لزوابع الحصار وطبول الحرب الناعقة في ابو ظبي والرياض، ومباركة ترامب وتصريحاته المبكرة والمتكررة.
لنتصور الآن أن قادة قطر أصابهم الرعب، واستسلموا لدواعي الهلع، ونظروا لميزان القوى "الحقيقية" على الارض، المائل لصالح أعداهم ميلا عظيما، فعمدوا إلى تعظيم المخاطر، وقد كانت حقا عظيمة:
1- فما قطر إلا نتوء صغير في جنب السعودية كإصبع اليد بل هو أصغر، ولا تملك قطر من الحدود البرية إلا ذلك اللسان الصغير الذي يربطها بجارتها "الضخمة".
2- تعتمد قطر في تموينها الغذائي على السعودية أساسا، وإذا لم تستسلم لما تؤمر به فستعاني الأمرين لتوفير أبسط حاجياتها، وبتكلفة عالية، ولأمد محدود.
3- لا تعد القوات القطرية شيئا مذكورا مقارنة بما تتوفر عليه القوات المسلحة لخصومها.
4- كما أنه ليس بإمكانها التعويل على الحليف الأمريكي ولا الثقة به خصوصا مع التصريحات السيئة جدا لترامب بخصوص دعم قطر للإرهاب.
ولنتصور أنهم عمدوا بالمقابل إلى تبخيس الصديق والحليف:
1- فما الاخوان ولا حماس إلا ورقة خاسرة، وقوى غربت شمسها مع القضاء على ثورات الربيع العربي، وإن هم إلا حمل ثقيل، وليس بإمكانهم إفادة قطر بشيء.
2- أما الجزيرة فقد أدت ما عليها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولن تربح قطر من التمسك بها عدا الحصول على تعاطف الرأي العام العربي والدولي ودعمهما، ولكن، ماذا يزن هذا الرأي العام في ميزان السياسة الدولية؟ ومن ذا الذي يقيم له وزنا؟ وهل أغنى من قبل شيئا عن محمد مرسي مثلا؟
3- أما تركيا فهي قوة إقليمية حقا، غير أنها غارقة في الوحل السوري، تخشى مكر الأكراد، وتعاني من آثار الانقلاب الفاشل، عينها بصيرة ويدها قصيرة، وليس بإمكانها التحرك ساعة الجد، خصوصا في ظل ضوء أخضر من ترامب لاستهداف قطر.
4- وعن إيران فحدث ولا حرج، إذ بعد ولوغها في الدم السوري لم تعد أهلا لثقة أحد، هذا فضلا عن التواجد الامريكي الذي يمنع بطبيعته أي تدخل إيراني محتمل لدعم قطر.
5- تظل بعد ذلك قوى هامشية لا تكاد تغني شيئا، مثل الكويت وسلطنة عمان والسودان، لن يقيم لها المعتدون وزنا إذا قرروا مهاجمة قطر.
ولنتصور أنه بعد هذه القراءة "الموضوعية" للمخاطر، ومن باب "البراغماتية" وتجنبا لمصير رابعة وأخواتها قررت قطر:
- إدخال جرعة معتبرة من برامج "الهشك بشك" على قناة الجزيرة، وإيقاف كل البرامج المثيرة لصداع الصهاينة العرب واليهود، والعودة إلى "السياق العربي" والانخراط في جوقة "النمط" الاعلامي السائد في المنطقة تماما.
- التخلص من ممثلي حماس، والمعارضة المصرية والشيخ يوسف القرضاوي والمفكر عزمي بشارة وكل من يثير حساسية السادة في أبو ظبي والرياض، وإبعادهم إلى اسطنبول، العاصمة الوحيدة المستعدة لاستقبالهم...وقتيا.
- إغلاق كافة المواقع التي تتمتع بنفس مساحة الحرية التي امتلكتها الجزيرة مثل عربي 21...
كيف سيكون وجه العالم حينئذ؟؟؟