مع تزايد أعداد اللاجئين السوريين يوما بعد يوم في دول الجوار، بدأ العشرات من سكان المناطق الحدودية السورية وبخاصة مع
تركيا، بالعمل في مجال "تهريب البشر"، مقابل مبالغ مالية ضخمة، إلا أن الأمور تطورت مؤخرا لتشتمل على عمليات ابتزاز.
تطبيقاً للمثل الشعبي القائل "الصيد في الماء العكر"، بدأ بعض المهربين مؤخرا باستغلال اللاجئين وابتزازهم وإجبارهم على دفع كل ما يملكونه من أموال، عبر تهديدهم بالوشاية بهم لعناصر حرس الحدود التركي "الجندرما"، الذين لم يتوانوا لحظة في ترك أي لاجئ يمر يعبر الحدود، بل وقتلوا العشرات من اللاجئين السوريين على طول الشريط الحدودي الممتد لمسافة 900 كم تقريبا مع
سوريا.
محمود سكيفاتي، سوري أجبرته عمليات التهجير التي جرت في حيه "برزة" بالعاصمة دمشق، على ترك منزله وحيه وأملاكه والخروج إلى إدلب عبر الحافلات الخضراء، ليستقر به الحال في إحدى الخيام بريف المدينة الشمالي، ورغم تأمين جزء من احتياجاته اليومية في المخيم الذي قطنه مع أبناء جلدته من نفس الحي، إلا أن محمود قرر مغادرة بلاده قاصدا تركيا علّه يجد عملاً يدر عليه بعض المال ليبدأ به حياة جديدة مع عائلته.
يقول محمد في حديث لـ"
عربي21": "خرجت مع عدد من العائلات السورية باتجاه منطقة خربة الجوز الحدودية، حيث أقام
المهربون هناك منطقة أشبه بمعسكر يتم تجميع الأشخاص فيه لحين موعد الانطلاق، والذي في الغالب يكون قبيل الفجر أو قبيل الغروب بقليل، حيث يستغل المهربون هذين الوقتين لانشغال الجندرما بعمليات تبديل العناصر أي المناوبات، أو بعد مغادرة الضباط المشرفين، وفي هذه الحالة من الممكن التفاهم مع العناصر صغار الرتب"، وفق تعبيره.
يتابع: "انتظرنا حتى الساعة الثالثة فجرا عندما طلب المهرب ويدعى رشيد، ولا أدري إن كان هذا اسمه الحقيقي أم لا، أن نتبعه بهدوء ودون أن نصدر أي صوت، وبالفعل سرنا خلفه على شكل رتل أحادي والجميع قد حبس أنفاسه مخافة أن يصدر صوتا يفضح مكاننا لعناصر الجندرما".
ويضيف محمود: "كانت المسافة المطلوبة للوصول إلى السيارة التركية في الجانب الآخر والتي ستقلنا إلى مدينة أنطاكيا، تتطلب منا السير لمدة ساعة ونصف، مشينا حتى بلغنا منطقة سهلة وبدا من مسافة ليست ببعيدة جدا أحد أبراج مراقبة حرس الحدود، وعندها أخبرنا المهرب بضرورة التوقف قليلا كي يستكشف الطريق، وأن هذه المنطقة هي أكثر جزء من الطريق صعوبة وإن تجاوزناها سنتمكن من المتابعة بكل سهولة، جلسنا لمدة عشر دقائق قبل أن يعود رشيد إلينا ويطلب منا مبلغ 300 دولار أمريكي إضافية للمبلغ المتفق عليه وهو 500 دولار أمريكي أي بما مجموعه 800 دولار".
وأشار إلى أن الجميع استنكر هذا الطلب وأبدى تذمره وغضبه، ليقوم رشيد بتهديدهم بأنه سيخبر الجندرما بمكانهم أو يدفعون له ما يريد، مدعيا أن عناصر الجندرما أصحابه وأنهم لن يتعرضوا له أبدا وسيتركوه في حال سبيله يمضي".
وذكر محمود: "دفعت له ما يريد كغيري ولم يبقَ معي سوى مبلغ 200 ليرة تركية فقط، وتابعنا مسيرنا باتجاه السيارة التركية التي كانت مهمتها تقتصر على إيصالنا إليها فقط، وعندما صعدنا مع السائق وحاولنا إخباره بما حدث على اعتباره أحد أفراد الشبكة، ادعى السائق أنه لا يعرف العربية بطلاقة وأنه لن يفهم ما يقولون، علما أنه تحدث العربية بشكل جيد عدة مرات على الهاتف".
أما صلاح بكور، وهو لاجئ سوري من مدينة سلقين بريف إدلب، فقد تحدث لـ"
عربي21" عن عمليات سطو ونهب قام بها المهربون على اللاجئين السوريين العابرين للحدود التركية، مشيرا إلى أن بعض المهربين وعندما تكون الحراسة مشددة على الحدود أو يكون هناك استنفار للحرس التركي، يقومون بأخذ ثلثي أجورهم من الراغبين بدخول تركيا، وعلى مسافة ليست ببعيدة من الحدود السورية يدعي المهرب أن الحرس جاؤوا ويبدأ بالركض بشكل عكسي باتجاه الحدود السورية، وهو يصرخ بالعامية "أجت الجندرما"، وهو بحد ذاته يجعل عناصر الجندرما يتنبهون لوجود متسللين، فيقومون بالقبض عليهم وفي أحسن الأحوال على بعضهم، في حين يختفي المهرب أو يخرج من المنطقة لبضعة أيام لحين "تبرد القصة"، ويكف أصحاب الأموال عن ملاحقته ثم يعود إلى نقطة تهريب أخرى ويجري ذات العملية".
واعتبر صلاح أن إغلاق الحكومة التركية للمنافذ الشرعية كـ "باب الهوى" وغيره أمام اللاجئين السوريين، يحملها جزءا من المسؤولية بما يحدث للسوريين عبر الطرقات غير الشرعية من قبل المهربين أو من قبل حرس حدودها، الذين قتلوا العشرات من اللاجئين خلال محاولتهم العبور إلى الأراضي التركية، وقد كان من بينهم أم مع تسعة من أبنائها قتلهم عناصر الجندرما العام الماضي بعد نزوحهم من الرقة إلى إدلب.