أعاد الحصار الذي فرضته دول خليجية على قطر؛ تسليط الأضواء على مواقف
العلماء من سياسات حكامهم، التي يصفها كثيرون بأنها "سلبية" و"مداهنة للسلطة".
وأعرب كثيرون عن غضبهم تجاه مواقف علماء ودعاة مشهورين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تركزت ردود النشطاء على تدوينات هؤلاء الدعاة بسؤالهم عن أسباب سكوتهم على حصار قطر، أو عن الحكم الشرعي لحصار دولة جارة، وهي ردود قابلها الدعاة بالتجاهل التام.
ووصف الباحث السوري في القضايا الفكرية، محمد العمار، سلوك أغلب العلماء بأنه "فضائحي ومخيب للآمال" على حد تعبيره.
وأرجع العمار سبب هذه المواقف إلى "انقطاع العلماء عن الواقع المعاصر، وعدم تعلمهم الأساليب الحديثة في التغيير، وهو ما أبقاهم أسرى للفقه الإمبراطوري القائم على القوة المتوسلة بالعنف".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "إيمان هؤلاء العلماء بالعنف؛ ألجم ألسنتهم، ودفعهم إلى التكيف مع الأوضاع التي يفتقدون فيها القوة"، معتبرا هذا الموقف منافيا لوسيلة التغيير في الدولة الحديثة، "فقد تبدلت آليات تداول
السلطة ووسائل الوصول إليها في المجتمعات الحديثة المستقرة".
ولم يستثن العمار من هذه الأزمة علماء شاركوا بالثورات، "إذ لم يتمكنوا من القيام بوظيفة الآمرين بالقسط، بل دخلوا في خدمة مالكي القوة على الجانب المؤيد للثورة، ومن ثم لم يكن وجودهم وظيفيا، بل تابعا وملحقا مع حامل القوة عبر مداراته والخضوع له، واعتباره مصدر المشروعية".
مراجعة تاريخية
من جهته؛ أرجع الباحث الفلسطيني جميل عبدالنبي أزمة العلاقة بين العالم والحاكم إلى جذور تاريخية، وقال إن "الحقيقة التي يثبتها التاريخ هو أن الذي يرضي السلطان؛ يجعله السلطان ممثلاً للحقيقة، أما الذي يخالف السلطان فتتم شيطنته بكل السبل".
ودلل عبدالنبي بما حدث من الدولة العباسية "التي تبنت مذهب الاعتزال، فقمعت مخالفيه من أهل الحديث، وسفهت آراءهم، ثم انقلبت الدولة على المعتزلة مرة أخرى، وتبنت مذهب أهل الحديث، فقمعت وكفرت المعتزلة، وأعلت من شأن أهل الحديث".
وأضاف: "يمكن لنا أن نفترض وجود علماء مستقلين فعلا؛ عاصروا عنف السلاطين وإمعانهم في قتل مخالفيهم، فراح تقديرهم في اتجاه درء الفتنة بالفعل، ظنا منهم أن احتمال ظلم السلاطين أقل ضررا من الخروج عليهم، تماما كما يخشى بعضنا اليوم من فكرة الثورة، بعد مشاهداتنا لممارسات الحكام الدموية في سبيل البقاء في الحكم".
ورأى أن ما نتج عن تلك الفتاوى، سواء جاءت للخضوع للظلم خدمة للسلطان، أو خوفا حقيقيا من آثار الخروج على
الحاكم؛ رسّخ ثقافة الخنوع التي تأصلت داخل الوعي الديني، بدل أن يكون دور العلماء داعما للحرية وحقوق الإنسان.
وأوضح أنه "لم يكن بحسبان السابقين أن معارضة السلطان يمكن أن تتخذ أشكالا غير عنفية، كالعصيان المدني مثلا، حيث لم تعرف الحياة القديمة هذه الأشكال من المعارضة. أما وقد أدخلت هذه الوسيلة إلى الثقافة المعاصرة؛ فما عاد مقبولا من العلماء أن يكونوا أعوانا للسلاطين، ولا أبواقا لهم".
دور العلماء
أما الكاتب التونسي محمد بن جمعة؛ فقد حدد دور العلماء بأن "يكونوا في قيادة حركة التطور الاجتماعي، من خلال اجتهادهم في وضع حلول لمشاكل الواقع، ومن خلال مواقفهم النقدية للواقع الاجتماعي، وعلى رأسه السلطة السياسية التي تدير شؤون المجتمع".
وقال لـ"
عربي21": "في واقعنا المعاصر يفترض أن يشكّل العلماء سلطة خامسة، بالتوازي مع سلطة المجتمع المدني، الذي يراقب السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلام".
ولفت ابن جمعة إلى التناقض القائم بين واقع العلماء في المجتمعات الاستبدادية، وبين دورهم المفترض، وقال إن "بعض علماء الدين تحولوا إلى رجال دين يخدمون السلطة، فيصدّقونهم بكذبهم، ويعينونهم على ظلمهم، ويشهدون الزور ويعملون به، وتحول هؤلاء العلماء إلى نخبة متميزة عن المجتمع، وظيفيا واقتصاديا واجتماعيا، بسبب ارتباطهم بالسلطة السياسية".
رأي آخر
وفي المقابل؛ تبنى المدير في وزارة الأوقاف الفلسطينية ياسين الأسطل، رأيا آخر، إذ رأى أن العالِم جزء من مؤسسات الدولة ونظامها، ولا ينبغي له الخروج عن هذا النظام.
وقال الأسطل لـ"
عربي21" إن "ولي الأمر ليس فردا، بل هو دولة ونظام ومؤسسات، فإذا عزمت الدولة أمرا؛ وجب على العالم أن لا يخرج عنه؛ لأن وحدة الأمة هي الأساس، والأمة شخصية واحدة تحيا بعلمائها وأمرائها، ولا يجوز الانفصال بين رأس الأمة وجسمها".
وحول الموقف المطلوب من العالم إن أخطأت الدولة؛ رأى الأسطل أن "هناك خبايا وخفايا في الخلافات السياسية، لذلك ينبغي للعالم أن ينأى بنفسه عنها، وأن يحافظ على وحدة الأمة وثوابت الدين، فالأمور السياسية متقلبة لا يمكن أن نبني عليها أمرا، ولذلك علينا أن نتركها لأهلها".