قضايا وآراء

البنك المركزي المصري والحول في السياسة النقدية

أشرف دوابه
1300x600
1300x600
تناول بيان للبنك المركزي المصري بتاريخ يوم الأحد 21 مايو/ أيار 2017 ما قررته لجنة السياسة النقدية بذات التاريخ من رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 16.75% و 17.75% على التوالي، ورفع سعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 17.25%، وزيادة سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى17.25%.

وقد اعترف البيان بأسباب ارتفاع نسبة التضخم في مصر لتصل إلى 32.9% سنويا في أبريل/نيسان الماضي، مدفوعا بارتفاع سعر الصرف نتيجة لتعويم الجنيه، فضلا عن تطبيق ضريبة القيمة المضافة والتخفيض في دعم الوقود والكهرباء، والزيادات الجمركية على بعض السلع.

وقد رأت اللجنة أن الحل للوصول لمعدل التضخم العام السنوي المستهدف إلى مستوى 13% في الربع الأخير من عام 2018م هو مزيد من رفع سعر الفائدة لتقييد الأوضاع النقدية لاحتواء التضخم الضمني بعد استبعاد صدمات العرض، والذي يتأثر بتوقعات التضخم والضغوط الناجمة من جانب الطلب، وليس لتحييد آثار الصدمات الناجمة من جانب العرض.

وهذا القرار الذي اتخذته لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي لم يكن مفاجئا للمتابع عن كثب للحالة الاقتصادية المصرية وسياسة الانبطاح لسموم صندوق النقد الدولي الذي طالب مسؤوليه في زيارتهم الأخيرة للقاهرة برفع سعر الفائدة للحد من التضخم مؤكدين في أكثر من موقف أن أسعار الفائدة هي الأداة الصحيحة للتعامل مع التضخم في مصر.

ويأتي هذا القرار ليمثل القرار الثاني منذ تعويم الجنيه المصري في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي والذي تم فيه أيضا زيادة أسعار الفائدة بنحو 300 نقطة، لتصل الزيادة منذ ذلك التاريخ حتى الآن لنسبة 5% وهي نسبة ليست هينة حيث تقترب من نصف سعر الفائدة التي كان معمولا بها قبل التعويم. 

إن هذا القرار يعكس بوضوح الحول في السياسة النقدية الذي أصاب لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي التي تنظر إلى امتصاص فائض السيولة قصيرة الأجل دون غيرها لتحسين مستويات التضخم، وهذا كلام مشكوك في صحته في ظل بلد لا يمتلك غالبية سكانه حسابات مصرفية، حيث تشير التقديرات إلى أن واحدا من كل خمسة أشخاص –تقريبا- يمتلك حسابا مصرفيا، كما أن الارتفاع الأخير الملحوظ في أسعار السلع والخدمات لم يكن مدفوعا بزيادة الطلب ومن جانب آخر فإن ارتفاع سعر الفائدة بتلك الصورة يغذي التضخم المستورد ويزيد من تكلفة الاستثمار ويغلق أبواب التمويل أمام المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، ويحول دون وجود حركة استثمارية رشيدة، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات وتحقيق تغذية جديدة للتضخم ومن ثم مزيد من الركود التضخمي.

والأخطر من ذلك ما يترتب على هذا القرار من ارتفاع تكلفة الدين المحلي أضعاف مضاعفة، وفي الوقت نفسه اتخاذ الحكومة ذلك مبررا لها للاتجاه إلى سوق السندات الدولية للاقتراض بالدولار بحجة انخفاض تكلفة الاقتراض بالعملة الأجنبية مقارنة بالاقتراض بالعملة المحلية، وهو ما يزيد من حجم الدين الخارجي ويفتح الباب للتدخل الأجنبي في مصر نتيجة لتوريط مصر في مزيد من الديون الترقيعية التي ستصل بها في نهاية المطاف إلى حافة الإفلاس.

إن رضوخ البنك المركزي لتعليمات صندوق النقد الدولي برفع سعر الفائدة وفق آلية تقليدية متقادمة يمثل كارثة في ظل تجارب الصندوق التي نتيجتها توريط الدول وتأزيم وضعها الاقتصادي. 

كما أن ما أثير عن توجه الحكومة لسحب العملة المحلية من أجل استبدالها للتحكم في التضخم هو إجراء ستكون تكلفته أكبر من منافعه في ظل دولة شعبها علم علم اليقين حقيقة الجنيه المصري، وقيمته التي أصبحت لا تساوي الورق الذي طبع به، فاتجه أصحاب المدخرات فيه نحو الاستثمار في الدولار والذهب والعقارات.

إن الاعتماد على السياسة النقدية لعلاج الخلل الهيكلي والإجراءات الاقتصادية الحكومية الكارثية لن يجدي نفعا، ولا أمل في الإصلاح إلى بزيادة الإنتاج، ولا زيادة في الإنتاج إلى بمزيد من الاستثمار، ولا مزيد من الاستثمار إلا بتحقيق أمان واستقرار مجتمعي وحرية وشفافية ونزاهة وعدالة ترفرف رايتها في ربوع الوطن فيحس بها المواطن في الداخل والمستثمر الأجنبي في الخارج.
التعليقات (0)