بدأت الجماعة الإسلامية في
لبنان؛ مرحلة جديدة في تاريخها السياسي، من خلال عقدها مؤتمرا علنيا، لإطلاق وثيقة سياسية تحدد الملامح الجديدة للجماعة.
وعقدت الجماعة التي تنتمي الى فكر
الإخوان المسلمين؛ مؤتمرها في البيال ببيروت، بمشاركة نحو ألف منتسب للجماعة من جميع المناطق اللبنانية، إلى جانب عدد من الشخصيات، أبرزها طارق الخطيب، ممثل رئيس الجمهورية ميشال عون، والنائب عمار حوري ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومحمد قباني، ممثل رئيس الحكومة سعد الحريري، وإلياس سركيس، ممثلا عن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وشخصيات سياسية ودبلوماسية.
وترتكز الوثيقة التي حملت عنوان "رؤية وطن"، وتمثل رؤية الجماعة للمرحلة القادمة، على أربعة محاور أساسية وهي: البناء القيمي، والبناء المؤسسي، والبناء المجتمعي، وبناء الدولة. وتناولت دعم دور المرأة "التكاملي" مع الرجل، وتفعيل دور الشباب وفتح آفاق جديدة لهم.
وأكد الأمين العام للجماعة الإسلامية عزام الأيوبي في كلمة له بالمؤتمر، أن "التغيير الذي نتحدث عنه لا علاقة له بفكر الجماعة ولا بقيمها الإسلامية، لأن فكر الجماعة الإسلامية فكر أصيل لا يتبدل، أما وسائل عملها فهي دائمة التجديد، تتماشى مع الواقع"، مشددا على أن "ما تحمله الجماعة من قيم إسلامية إنسانية، ومنهج عمل منفتح، هو رأسمالها الحقيقي"، كما قال.
رؤية جديدة
من جهته، شدد عضوالمكتب السياسي في الجماعة الإسلامية، وائل نجم، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، على أن "المؤتمر يأتي في سياق طبيعي، حيث تعقد الجماعة مع كل دورة تنظيمية مؤتمرا لها، بينما كان في السابق تعقد مؤتمراتها ضمن الأطر التنظيمية حصرا".
وأضاف: "ارتأت الجماعة أن يكون مؤتمرها الأخير مفتوحا أمام الرأي العام اللبناني والسياسيين والشخصيات الرسمية، ودُعي له ممثلون للرؤساء الثلاث وكوكبة من الشخصيات السياسية والديبلوماسية".
وأوضح نجم أن المؤتمر يسعى "إلى تبديد الصورة النمطية التي أخذت عن بعض الحركات الإسلامية بشكل عام، ومنها الجماعة، بأنها حركة منضوية على نفسها، فأردنا أن نظهر بأننا جزء من النسيج اللبناني، وبأننا نمارس دورنا في الوطن ضمن رؤية وتصور رسمناه لمستقبل هذا الوطن".
وحول هذه الرؤية الجديدة للجماعة، قال نجم: "قدمنا تصورا بعنوان رؤية وطن، وهو يشمل قراءة للوضع اللبناني، وتصوراتنا للتخلص من المشاكل اللبنانية وتطلعاتنا لهذا الوطن"، موضحا: "نريد دولة مؤسسات مبنية على العدالة والمواطنة ويشترك بها الجميع، ويتكافأ من خلالها اللبنانيون ويتساوون في الحقوق والواجبات، على أن نجتمع على محاربة الفساد، وأن تحمل الدولة تطلعات المواطنين في مجال الاستثمارات الاقتصادية والاجتماعية".
وقال نجم لـ"عربي21": "نعمل على مزيد من الانفتاح على المكونات اللبنانية، بالتوازي مع العمل ضمن وسطنا الإسلامي؛ لتكريس مزيد من الاعتدال والوسطية، وتحقيق العدالة وكل ما يؤدي الى الاستقرار على الساحة الوطنية"، مشددا على أن "الجماعة لا تعير اهتماما لمن يحاول اتهامنا جزافا ويشن هجمات حادة دون أي مسوغات"، على حد قوله.
جذورنا إخوانية وقرارانا مستقل
من جهته، قال القيادي في الجماعة الإسلامية والنائب السابق، ر زهير العبيدي: "جذورنا إخوانية وفكرنا إخواني، ولكن واقعنا التنظيمي مستقل عن الإخوان المسلمين"، وفق قوله لـ"عربي21".
وأضاف: "ننتمي بالفكر والتاريخ الى حركة الإخوان المسلمين، ولم نتخل مطلقا عن الفكر الدعوي الذي بعثه الإمام حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين، ولكن الواقع يفرض علينا أن نستقل برأينا بصرف النظر عن رأي حركات الإخوان المسلمين في شتى أنحاء العالم".
وعن أهداف مؤتمر الجماعة الذي افتتح الأحد، قال العبيدي: "يعد المؤتمر أحد محطات الجماعة للتعبير عن رؤيتها للمستقبل، وتعبر الوثيقة الجديدة عن تاريخ الجماعة ووسطيتها ورؤيتها الحديثة".
وأردف: "هذه الوثيقة تناولت كل القيم الدينية والإسلامية والإنسانية التي تنطلق منها الجماعة، واحترامها للرسالات والشرائع السماوية الأخرى؛ لأن الجماعة تعيش في واقع متعدد المكونات"، كما قال.
وحول نظرة الجماعة الى القضاء، قال العبيدي: "نسعى إلى العدالة بمفهومها القانوني والقضائي، فلا يعقل أن يحاسب المواطنون بناء على مفهومين ومكيالين"، مشددا على ضرورة إلغاء دور المحاكم العسكرية بالنسبة للمدنيين و"أن تحصر مهامها لمحاكمة العسكريين"، كما دعا إلى "منع تدخل السياسيين في القضاء بناء على مصالحهم".
وتطرق إلى ملف القوى الأمنية، موضحا أن "كل القوى العسكرية الرسمية هي لحماية اللبنانيين وليس لقهرهم، أما الإرهاب فأصحابه منبوذون وقد رفضنا أفكارهم في مؤتمر سابق"، بحسب تعبيره.
انفتاح الجماعة
من جهته، أكد الكاتب والمحلل السياسي اللبناني جورج علم؛ أن "الجماعة الإسلامية هي من حيثيات البيت السياسي اللبناني ولها تطلعات خاصة، وما تمارسه من انفتاح ليس بجديد، فهناك مناخ جديد في المنطقة وينعكس على لبنان ويدعو الى طي صفحات الاختلاف خصوصا في الساحات المشتعلة"، على حد وصفه.
وحول رؤيته لدور للجماعة في المشهد السياسي اللبناني، قال علم لـ"عربي21": "هي تحاول أن تتقدم لتأخذ حيزا، خصوصا في ظل التحولات التي تشهدها الساحة وسط الصراع على قانون الانتخاب وبانتظار الاستحقاق الذي سيلي ذلك، وهو انتخاب مجلس نيابي جديد".
ورأى أن الجماعة "اعتمدت سياسة قريبة من تيار المستقبل، لكنها لم تقترب كثيرا لأنها لا تريد أن تندمج معه، وأعتقد أن تطلعاتها تتركز على التنسيق والتعاون مع الرئيس سعد الحريري في الانتخابات المقبلة"، وفق تقديره.