أصبح
التحرش الجنسي ظاهرة متفشية في مصر، لا يكاد يخلو منها أي تجمع كبير، خصوصا في المواسم والأعياد.
وفي الأيام القليلة الماضية تسبب التحرش في إفساد
الاحتفالات بمولد "
السيدة زينب" التي تقام سنويا في حي الشعبي الذي يحمل اسمها بالقاهرة ويجذب مئات الآلاف من الصوفيين وأبناء المحافظات الريفية.
وبعد أن كانت ظاهرة التحرش مقتصرة في أغلب الحالات على محافظات القاهرة الكبرى ذات الطبيعة المدنية، انتشرت الظاهرة في محافظات ريفية معروفة بتقاليدها المحافظة، حيث نشر نشطاء مقطع فيديو مطلع هذا الشهر يظهر تعرض فتاة للتحرش الجماعي من عشرات الرجال في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية.
حفلات تحرش وبلطجة
وفي تقرير نشرته، الخميس الماضي، قالت صحيفة "الوطن" المصرية إن حفلات التحرش الجماعي بزوار المولد القادمين من القرى أفسدت الجو الروحاني لإحياء الذكرى العطرة للسيدة زينب حفيدة رسول الله.
وأكدت الصحيفة أن التواجد الأمني اقتصر على مداخل ومخارج الساحة التي يقام فيها المولد، بينما استغل المتحرشون والبلطجية الزحام الشديد وضعف التواجد الأمني بالداخل لارتكاب جرائمهم والاعتداء على البسطاء دون خوف من العقاب.
وكانت الداخلية قد أعلنت عن تشديد الإجراءات الأمنية وتكثيف التواجد الأمني لتأمين زوار المولد، لكن شهود عيان أكدوا أن التواجد الأمني كان رمزيا وغير مؤثر في مجريات الأحداث.
الإعدام للمتحرشين
وفي محاولة لمكافحة ظاهرة التحرش المتفشية في المجتمع، تقدم النائب محمد الكومي عضو مجلس النواب الخميس الماضي، بمشروع قانون لتعديل بعض مواد قانون العقوبات المتعلقة بالتحرش والاغتصاب، ليغلظ العقوبة على مرتكبي هذه الجرائم، وطالب بسرعة الفصل في هذه القضايا لردع المعتدين على الأعراض بصورة أكبر.
ونصت أبرز تعديلات القانون المقترحة على أنه: "يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من اغتصب أنثى بغير رضاها ويكون الاغتصاب بطريق إيلاج فموي أو مهبلي أو شرجي، ويعاقب الفاعل بالإعدام إذا كان من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادما بالأجر عندها أو كانت المجني عليها خادمة بالأجر عنده أو من تقدم ذكرهم، أو تعدد الفاعلون للجريمة".
وكانت وسائل إعلام غربية قد سلطت الضوء على ظاهرة التحرش الجنسي في مصر التي يتعرض لها غالبية السيدات في البلاد.
وقالت صحيفة "يو إس إيه توداي" الأمريكية إن نشر حكايات التحرش الجنسي على مواقع التواصل أثارت غضبا في مصر بسبب إفصاح السيدات عن تجاربهن المؤلمة في هذا الخصوص.
كما قالت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أداة جيدة لزيادة التوعية ضد هذه الظاهرة بعد استخدام النساء والفتيات المصريات لها في مشاركة قصصهن الشخصية، كما فعلن مؤخرا عبر هاشتاج
#أول_محاولة_تحرش_كان_عمري.
خلل اجتماعي
وتعليقا على هذه الظاهرة، قالت أستاذة علم الاجتماع هدي زكريا إن التحرش أصبح يتكرر كثيرا في السنوات الأخيرة بسبب الأوضاع الاجتماعية والثقافية المتردية، حتى أصبح من أمراض المجتمع المتأصلة في الطبقات الفقيرة، مشيرة إلى أن أبناء هذه الطبقات يعانون من مشاكل اقتصادية تجعل عددا كبيرا منهم غير قادرين على الزواج وبالتالي يحدث لهم كبت جنسي يدفعهم إلى التحرش بالنساء لإشباع رغباتهم المكبوتة.
وأشارت زكريا، في تصريحات لـ "
عربي21"، إلى أن هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة تؤكد وجود خلل أخلاقي حاد في المجتمع نتيجة عدة عوامل أهمها المشاكل الاقتصادية التي تجعل المجتمع فقيرا ماديا وأخلاقيا وغير متزن نفسيا واجتماعيا يفعل مثل هذه التصرفات الغريبة في مناسبات دينية من المفترض أن تكون مكانا للتعبد أو الزهد الصوفي.
وأضافت أن مولد السيدة زينب يقام في منطقة فقيرة نسبيا وقريبة من مناطق عشوائية أخرى سكانها يعانون من عقد اجتماعية متراكمة تؤثر على طبيعة سلوكهم الاجتماعي وتجعلهم يمارسون التحرش الجنسي كسلوك معتاد، ولا يشعرون بأنه شيء مستهجن حتى ولو كان التحرش يتم في مناسبة دينية كالاحتفال بمولد "السيدة زينب".
مناسبة للهو والاحتفال
من جانبه، قال العالم الأزهري سيف رجب إن "التحرش الجنسي نوع من أنواع الزنا الذي نهى عنه القرآن الكريم، فهناك زنا بالبصر وبالكلام وبالفعل"، مؤكدا أن "ما يحدث في الأماكن المزدحمة مثل الموالد يكشف أن المجتمع أصبح بعيدا عن دين الله ويعاني من انفلات أخلاقي بسبب عدم التزامه بفروض وأركان الإسلام وارتكابه لكل الموبقات".
وأوضح رجب أن موالد آل البيت والصالحين تحولت عند أشخاص كثيرين في المجتمع إلى عيد أو مناسبة للاحتفال واللهو، مع أنها في جوهرها يفترض أن تكون مناسبة دينية للتعبد، ومن هناك جاءت ظاهرة التحرش والبلطجة لتزيد من إفساد على هذه الموالد.
وأكد أن طبيعة المجتمع تغيرت في السنوات الأخيرة حيث فسدت أخلاق الأجيال الجديدة بسبب بعدها عن الدين ونشأتها بعيدا عن المساجد وحفظ كتاب الله، مشددا على أنه لا سبيل لإصلاح المجتمع إلا بالعودة لكتاب الله وسنة رسوله.